رام الله- خاص بمجلة آفاق البيئة والتنمية- أحبَ الطيور وعَالمها إلى درجة التعلق؛ كان يطلق إسمًا على كل واحدٍ منها، لديه مثلاً حمامة بيضاء سمّاها "نفيسة" لتحمل إسم جدته وحضورها الملائكيّ، وكلما ضجر الفتى هرعَ إلى طيوره ليتجاذب معها أطراف الحديث؛ كان يشعر حقاً بأنه يجيد ويفهم لغتها، يهتم بطعامها وراحتها وكأنها قطعة من روحه.
ولم تكن الحمائم تخيب ظنه؛ فقد ألفت صاحبها الذي تشرّب شيئًا فشيئًا خُلق الصبر وقيمة التروى وحسّ المسؤولية.
محمود عطاالله يختصر كل شغفه بجملة واحدة "لقد أصبحت أباً لهذه الدجاجات والحمامات".
روحه حنونة؛ والدليل بسمة بريئة تقفز من عينيه عندما يردّد كالكبار مثلاً شعبياً سمعه من أبيه "يا قاني الأرواح يا مكتّر النوّاح" موضحاً وجهة نظره:"عندما أرّبي طيرًأ وأراه يكبر يومًا بعد يوم؛ ينبت له ريش ويُسمع له صوت وأشهد مشاغبته مع إخوته؛ ثم يحين وقت ذبحه أو يموت لأي سبب كان؛ فإن ذلك يؤثر عميقًا في قلبي، إلى درجة أني من الممكن أن أذرف الدمع؛ كما حدث عندما ماتت أرانبي".
شخصية تصلح للحياة
الفتى البالغ من العمر 14 عاماً؛ واحد من عشرات مُربيّ الدواجن اليافعين؛ ممن هم في مثل سنه أو أكبر أو أصغر بقليل؛ إذ استهواه الأمر منذ كان في الصف الرابع الإبتدائي، حين لفت انتباهه ميول أخيه الأكبر طارق؛ لتربية للحمام والعصافير، والذي كان في عمر صغير يدخر من مصروفه ليبتاع لهم الأعلاف.
يقول محمود "لطالما قرأت الخوف في ملامح أخي خشية أن تتأذى طيوره في فصل الشتاء؛ كان يشدني حرصه الزائد باتخاذ إجراءات الحماية كافة؛ من إغلاق النوافذ ووقايتهم من التيارات الهوائية".
ضاحكاً؛ يتذكر موقفاً من زمن البدايات بحسب تعبيره، ففي ذلك الحين كان قد أحب الحمام؛ وذات مرة صعد إلى السطح وبيديه الناعمتين أمسك حمامة فطارت منه هاربة، "ويَحي، كيف سأخبر طارق" قالها هامساً.
تلعثم خجلاً لحظة الاعتراف؛ مُظهرًا كبرياءه "حسنًا سأدفع ثمن الحمامة".. "ويا لها من ورطة! في ذلك النهار لم أكن احتكم على شيكل واحد" اعتراف آخر يُدلي به لنا.
تطورت الهواية لدى محمود لا سيما أنه تلقى تشجيعًا من والده وعمه؛ أما أمه التي تعمل معلمة رياضيات كانت تدرك أن انخراط الأولاد في معترك كهذا من شأنه أن يبني الحنكة في شخصيتهم حتى تصلح لمواجهة الحياة كما هو الحال في تربيتهم للطير.
أخذ محمود ينضم لرحلات الصيد بصحبة إبن عمه؛ ينصبان الشِباك معاً للعصافير والحمام البري؛ فيما كانت أمه وجدته تعاتبانه بنبرة مُشفقة "حرام عليك.. إلهن أولاد!" ليرد "آخر العنقود" معترضاً "أنا يعني إبن البطة السودة"- قاصداً بعبارته عقد مقارنة مع أخيه الأكبر.
ويبدو أن أمه لديها من الفطنة والحكمة؛ ما جعلها تُوافق مراد الصبي بالتدريج؛ في البداية سمحت له بزوج حمام ومن ثم بعشرة صيصان وَضعها داخل صندوق من الكرتون في غرفته حيث كان ينظف مكانها باستمرار فيما هي تسلق له البيض حتى يُقيتها.
وهنا يحكي محمود بحماس لا يستكين "فرحة الدنيا وهبتني جناحين؛ في ذلك الوقت؛ عندما زاد عدد الحمام، في كل يوم كنت انتظر طلوع الصباح حتى اتفقّد البيض الذي فقس، اعتقد أني نجحت في أن أثبت لأمي أني أصبحت رجلًا يُعتمد عليه؛ وفي الوقت نفسه أحاول جاهدًا ألا أخذلها بشأن دروسي".
تعقب الأم بقولها "كنت قلقة من أن ينشغل عن المذاكرة وهذا ما حدث، لم استطع أن أقاوم رغبته المحمومة عندما رأيته جاداً في رحلة التعلم هذه؛ أقبلَ بكل طاقته وفضوله يبحث عن أنواع الحمام وأنواعه عبر المواقع الالكترونية، ويستفسر بلا هوادة من المهتمين عن نهج الرعاية الأمثل والطعام الأنسب".
كان محمود يطالع وجه أمه أثناء حديثها بسعادة وفخر، عندما أكدت أنها وزوجها لم يترددان في قرار منحه الثقة بإعطائه مع أخيه طارق مساحة لتحقيق الذات وربما الأحلام المؤجلة؛ في شقة فارغة أعلى بيتهم، تم تقسيمها إلى عدة أجزاء؛ حصة للأرانب وثانية للحمام وثالثة للدجاج ورابعة للحبش وخامسة للبط.
"هالصيصان شو حلوين"
"هل من مشاكل شعرت بـ حيرة أمامها أيها السيد الصغير؟".. بفطرة طيبة ينطق بها حاله قبل لسانه، يوضح: "مشكلتان؛ الأولى أنه بعد عملية التفقيس لاحظت موت الكثير من الزغاليل بسبب صقر أو غراب يحلو لأحدهما التهامها "على البارد المستريح"، أما المشكلة الثانية أن الحمام في فصل الصيف يغتسل بالماء ليخفف عنه شدة الحر؛ وحين يرقد فوق البيض يتسبب في إفساده وبالتالي موت الزغاليل".
وبمرحٍ راح يحكي عن قصته مع الصقر "تباً له! لم يتركني وشأني؛ كان في كل فرصة ينقضّ على فريسته؛ ذات مرة وعدت العائلة بـ "أكلة زغاليل اللي هيّ" وإذ به سبقني وهِنأ بها. قررت أن اتحداه ونصبت له فخًا فوقع أسيرًا في القفص إلا أني رأيت منه ذكاءًا وعنادً ا، كان يرفض تناول الطعام والشراب، فيما أنا أرقب متعجبًا وقفته الثابتة عند جانب واحد من القفص، لقد فعلها وهرب في أول فرصة".
في ظل هذه الهواية، قلما وجد رفاقًا في المدرسة ينسجمون مع اهتماماته؛ لذا اعتادت قدمه على بقالة والده ليشارك الرجال في أحاديثهم الممتعة عن تربية الدواجن، مما أكسبه رصيدًا من الثقة بالنفس وجرأة التعبير وطرح ما يخطر له من أسئلة على الكبار.
ويتناول الطقوس اليومية في حديثه مع مراسلة "مجلة آفاق البيئة والتنمية": "تعلمت أن البركة في البكور؛ وعادة أفتتح يومي بإلقاء تحية الصباح على الطيور وأباشر بإطعامها وسقايتها؛ وفي المساء أغلق الأبواب والنوافذ بإحكام حتى لا تتسلل القطط والجرذان، وفي الليل أشعل الأضواء حتى يتسنى لهم تناول الطعام وإنتاج البيض، وإذ ما أصيب الطير بالمرض أعطّشه حتى أضع له الدواء في الماء في اليوم التالي".
ينابيع الأسئلة تتفجر في كل لحظة عند الفتى ليلاحق الأجوبة في كل مكان، إنه يعرف أدق التفاصيل عن أنواع الدجاج ومزاياه؛ مثلاً هناك الدجاج الصيني وحجمه صغير؛ ودجاج براهما وحجمه كبير جداً وله ريش كثيف؛ ونوع ثالث إسمه "دجاج فرعوني" ويتسم بألوانه الجذابة وغلاء سعره.. يعدّد محمود بلا ملل.
لكن المعرفة لا تكفي؛ إذ لمراكمة الخبرة على مر الأيام أيّما دور؛ بالخبرة صار واعيًا لأصول الرعاية والتربية، والتي من المؤكد "ليست لعبة" بحسب وصفه.
يشتري محمود البيض ويضعه تحت الحمام والدجاج ليرقدوا فوقه ثم ينتظر فقسه بفارغ الصبر، وفي ذلك خفايا ونهفات؛ يشاركنا ببعضٍ منها: "أكثر ما أدهشني أن الحمامة عندما تقوم عن العش وتدرك أن الصُوص ليس وليدها تسارع إلى قتله، ولذلك خسرتُ الكثير من الصيصان، وأمام غريزة الأمومة كان لساني ينعقد إلا عن كلمة "سبحان الله ".
سألته عن الحل لهذا السلوك المتكرر؛ وأتاني منه الجواب بقوله "مدة تفقيس الحمامة والدجاجة تقدّر بــ 21 يوم، وفي الصيف تقل قليلاً (18 يوم)، وفي الشتاء تزيد ( 24 يوم)، إذن لا بد من إجراء حساب دقيق وفي يوم التفقيس المتوقع أسابق الريح فجراً لانتشل الصوص قبل أن يُكتشف أمره".
على عالم الصيصان هو شاهد؛ وما في حوزته يخبرنا به تباعاً "اعترف أني أخطأت عندما خالفت نصيحة أبي ولم اشتري الصنف البلدي، فقد "استرخصت" واشتريت كل 10 صيصان بشيكل واحد، لا أنسى قوله "يــابـــا ع الفاضي"؛ لقد ماتت كلها وخسرت".
ولا يخفي دهشته من غريزة البقاء التي يراها في أفواج الصيصان، فما بين كل فوج وآخر فاصل زمني يمتد لأسبوع، وما أن يفِد الجديد حتى يضربه القديم في احتجاج صريح لا ينقصه إلا التصريح "تحتل مكاني! هنا يسري قانون البقاء للأقوى".
ووسط تلك المعمعة لا يزول النبل في علاقته مع الأصناف التي يربيها، إذ استوقفني عندما قال: "كان لدي حَبشين "ذكر" و"أنثى" فضرب الأول الثانية، ثم أصابها إعياء؛ وفضلّ أخي أن يذبحها؛ كانت "الحبشة" عزيزة علي فرفضت أن آكل منها".
هذه الروح الرقيقة لا عجبَ أن صاحبها يبادر ما بين وقت وآخر إلى مهاداة أقاربه وأحبابه ببعضٍ من نتاجه مع أخيه.
ثلاثُتنا تعاهدنا
الهواية تصبح مصدر رزق متى؟..في مرحلة انتقالية عندما يقرر المرء قص شريطها؛ كما فعلت تلك الأسرة قبل شهور قليلة؛ بافتتاحها محل دواجن؛ حيث تقطن في مخيم الشاطئ بمدينة غزة.
إلا أن الأمر كان له مقدماته، يخبرني محمود: "ذات مرة سألني أحدهم إذا ما كان بوسعه شراء "ديك بلدي" مني، شاورت نفسي وقلت: "يا لها من فكرة؛ بثمنه من الممكن أن أجلب طعاماً للطيور الأخرى، أو اشتري سلالات أو أصنافاً جديدة مثل البط والحبش والأرانب، وبوسعي أن ادخر المال لامتلك الجوال الذي أريده؛ أو أدعو إخوتي إلى مطعم".
بدأت القصة تأخذ منحى جديًا عندما توقف الطلاب عن الدوام المدرسي بعد جائجة كورونا؛ وكان لا بد من طريقة لملء وقت الفراغ، تهيأت الظروف لينضج سعود عطاالله مع ولديه فكرة مشروع الدواجن، كانت خطوة جريئة حقاً في ظل وضع اقتصادي معقد ومنافسة شديدة في هذا المجال.
وفي فترة وجيزة نجحوا -بحمد الله- في اجتذاب أهل المخيم، وإذا ما أحرز المشروع أهدافه ستعقبه عاجلًا أم آجلًا خطوة "مزرعة للدواجن" توزع على المحال المختصة في قطاع غزة.
عن تجربة العمل يحكي محمود "ما يحركنا جميعاً هو حب الهوية وليس فقط الهدف المادي؛ مشروعنا لن يكبر في يوم وليلة، وثلاثتنا تعاهدنا على الصبر وتقبل النتيجة أياً كانت؛ سواء ربح أم خسارة".
ومن طرائف التجربة؛ أن الزبائن لا يتقبلون فكرة أن يذبح محمود الطيور بسبب صغر سنه، بالرغم من أنه بالغ؛ وفي حادثة أخرى؛ ذبح في مرة؛ دجاجة ونسي قبلها أن يُسمي بالله، وبمجرد أن علمَ أبوه أمرَه برميها فوراً".
الفتى الذي يحلم بأن يصبح طبيباً بيطرياً وصاحب مزارع دواجن في المستقبل؛ بشرّنا بخبر جيد؛ فمن كسب يده يحصل الآن على أجرة أسبوعية من والده؛ وذلك يعني له الكثير معنوياً؛ بحسب قوله.
ويتمنى أن يصل صوته للجهات المختصة فيما يتصل بضرورة عقد دورات تطور من مهارات اليافعين ليواكبوا المستجدات، مطالبًا بدعم مشاريع الناشئين وتنظيم رحلات محلية ودولية للاطلاع على التجارب الرائدة.
عن التهوية ودرجة الحرارة
مراعاة البعد البيئي وإجراءات السلامة والصحة، نقطة في صُلب الموضوع ويجب أن تثار؛ ومن الواضح أن محمود يدرك أبعادها عمومًا؛ أولاً على صعيد الطعام؛ بالإضافة إلى العلف؛ يستفيد من الطعام البيتي؛ مثل صفار البيض والأرز وبقايا الخبز والخضراوات الورقية، لما فيها من فوائد للطير؛ بحسب قوله.
ويتيقظ لأية أعراض توحي بإصابة الدجاج اللاحم بأمراض معدية لا سيما التي تؤدي إلى الكساح وتضر بجهازه التنفسي ومن ثم يموت، أو أن يُصاب الإسهال أو التسمم الدموي، مضيفًا: "أحرص على استشارة الطبيب البيطري في حيّنا وأحضر العلاج اللازم، ولدي صيدلية كاملة تحتوي على أدويةٍ للأمراض الشائعة، وفيها قفازات ومعقمات".
وعلى صعيد التهوية يتولى طارق إبن الـ 20 عامًا؛ الشرح هذه المرة؛ يقول "نضع الأقفاص في غرفة فيها شباك أو إثنين وباب، الشباك عليه "شبك" وفوقه نايلون في فصل الشتاء، وفي الصيف نرفع النايلون، والغاية من الشبك منع دخول الجرذان والقطط".
يستفيض طارق في هذا الجانب؛ لافتاً إلى أنه عند رفع النايلون يأخذون أقصى حذرهم من أن يأتي تيار الهواء مباشرة تجاه الدواجن؛ بمعنى أنه إذا كان القفص في الجهة الشرقية لا بد من تجنب فتح الشباك الغربي، وإنما يُفتح الجنوبي أو الشمالي، إتقاءًا لأي أمراض قد تصيبهم مثل الرشح أو الزكام أو الإنفلونزا.
ولا غنى عن وجود ترمومتر في الغرفة بحسب خبرة الشاب، فإذا كانت درجة الحرارة داخلها أعلى من 20 في فصل الصيف، يستعين بشفاط هواء لساعة أو أكثر حتى يشفط الهواء الساخن ويعطي البارد؛ إلى أن يصل الجو لدرجة الحرارة المناسبة والتهوية المطلوبة، ولو بقيت درجة الحرارة دون معدلها الطبيعي يُغلق الشباك المفتوح، وإن استمرت في انخفاضها تُشعل المدفئة لوقت قصير.
الشرارة تبدأ من الأسرة
"مجلة آفاق بيئية" تحدثت مع م.أسعد أبوطعيمة رئيس قسم الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة؛ والمدرب في القطاع الزراعي، ويفيد بدوره أن بعض اليافعين يتجهون لكسب الرزق بالعمل في القطاع الزراعي بجميع فروعه "النباتي والحيواني والسمكي"؛ مشيراً إلى أن الكثيرين منهم يفضلون مشاريع الثروة الحيوانية وتجذبهم تربية الأغنام أو الدواجن أو الطيور المنزلية أو طيور الزينة أو الأرانب.
ويرى م.أبو طعيمة أن مشروع تربية الدواجن من شأنها أن تسهم في الأمن الغذائي للأسرة الفلسطينية في ظل الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة.
وفي سؤاله عن الدوافع التي تحذو باليافعين نحو هذه الهواية؛ يجيب بقوله "قد يكون الفتى نشأ في بيئة ريفية، ومنذ نعومة أظفاره اكتسب الخبرة من عائلته وتعوّد أن يساعدها في تربية الطيور بأي شكلٍ كان مثل تقديم الطعام أو بمساعدتهم في تنظيف أماكن إيوائها؛ أو بيع منتجات هذه الطيور في الأسواق؛ وربما لا تتجاوز التسلية في وقت الفراغ".
أما الاستثمار فيها لم يأتِ من عبث؛ "رأس المال هنا منخفض لكونها تنطلق على هيئة مشاريع صغيرة وما تلبث لاحقاً أن تصبح مصدر دخل مربح" والكلام لأبو طعيمة.
وتمسك الفتية بهذا النوع من الأعمال، يستحق الثناء بحسب رأيه، ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم منذ صغره كان راعياً للغنم ومنها يكسب قوته.
وفي ضوء متابعته عن كثب؛ يكاد يجزم أن الإقبال على تربية الدجاج البيّاض أو اللاحم وغيرها من الأنواع يُعد جيدًا؛ وذلك بكميات قليلة وفق إمكانياتهم؛ ناهيك عن تربية الحمام والبط والأوز والفرّ.
وتتنوع الخدمات التي يمكن تقديمهم من جانبهم؛ مثل تجميع بيض المائدة من المزارع أو تنظيفها بعد التخلص من الأفواج السابقة أو تقديم الطعام للدواجن أو غيرها من أعمال المتابعة اليومية.
من جهة أخرى يؤكد الرجل الحاصل على ماجستير في الإنتاج الحيواني والدواجن؛ أن اهتمام الأسرة بتعليم أبنائها لا يمنع من تشجيعهم إذا لاحظوا ميولهم لهواية أو مشروع خاص في هذا المجال؛ حتى يستحثّوا فيهم الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية في وقت باكر بتوفير مصروفهم على الأقل؛ وزرع قيم إيجابية مثل الصبر والتروّي والتواضع والعطف والرحمة.
ويواصل حديثه: "دعم الأسرة إما أن يأخذ شكلاً معنوياً برفع هممهم أو بدعمهم ماديًا قدر المستطاع؛ مما قد يمهد آفاقاً لهم في المستقبل".
غِذاء الدواجن مكلف
يُلقي م.أسعد أبو طعيمة؛ الضوء على التحديات التي تعترض الهواة من اليافعين في هذا الحقل: "يفتقد بعضهم الخبرة الكافية للتعامل مع الدواجن؛ كما أن عدم توفر الإمكانيات عائق أساسي في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يحياها الغزيون، لا سيما أن الأسر عمومًا تفتقد المصادر المالية لتمويل أبنائها وتغطية كافة النفقات الخاصة من توفير أماكن للإيواء والتغذية ومستلزماتها ومدخلات الانتاج وغيرها من التكاليف التي تنطوي على مخاطرة".
ويردف بالقول: "لا ننسى أيضاً غياب الأسس العلمية السليمة في التربية؛ وعدم الإلمام الكافي بالأمراض التي قد تصيبها، والافتقار إلى التخطيط المسبق لكيفية إطلاق وبلورة هذه المشاريع التي تتعثّر بصعوبة تسويق المنتج في بلد يعاني الكثير؛ ويعزف الأغلب منهم عن استشارة أهل التخصص مثل المهندسين الزراعيين والأطباء البياطرة، ومن التحديات إهمال الشروط الصحية وإجراءات ما يعرف بــ "الأمن الحيوي للمَزارع" مما يؤدي الى انتشار العديد من الأمراض".
وعلاوة على ما سبق؛ قد لا يحسن البعض التعامل مع الظروف الجوية مما يؤثر سلباً على عملية التربية؛ بالإضافة إلى غلاء سعر السلالة المربّاة، وفي الصدد نفسه يزيد: "هذا ويفضّل اليافعون شراء أعلاف جاهزة لفقدانهم الدراية والخبرة في كيفية تركيب أعلاف متوازنة ومناسبة لعمر الطيور والحالة الإنتاجية لديها".
ويشير إلى تحدٍ بالغ الأهمية؛ إنه ارتفاع أسعار الأعلاف، مردفًا: "التغذية في مشاريع الدواجن والطيور تبلغ 70%من إجمالي التكلفة؛ إذ تختلف تكلفة الطن الواحد من الأعلاف بحسب نوع الطير".
وعن أسعار الأعلاف يفصّل أكثر: "أعلاف الدجاج اللاحم يصل سعرها إلى 2500 شيكل، والدجاج البياض 1600 شيكل، والطيور المنزلية 1300 شيكل، والأرانب 1600 شيكل، فيما أعلاف طيور الزينة تتراوح ما بين 1500 شيكل إلى 4000 شيكل".
ما عليكم ومَا لكم..
من جهة أخرى، يؤكد أن مشاريع الثروة الحيوانية عامة ومشاريع تربية الدواجن خاصة؛ تتأثر بالبيئة المحيطة، وأي خللٍ يسبب اضطراباً في دورة حياتها ويظهر ذلك في تأثير العوامل البيئية على أماكن الإيواء وتشمل درجة الحرارة والرطوبة والتهوية والغازات الناتجة عن التربية.
"بمعنى آخر لو تمت السيطرة على العوامل آنفة الذكر؛ وبالتالي توفير إيواء يلبي الشروط الصحية والبيئية سيحصل المربي على رعاية وإدارة نموذجيتين مما يزيد من إنتاجية المشروع" وفقًا لكلامه.
وفي السياق نفسه يعطي اليافعين عدة نصائح حتى لا يتهدد مشروعهم بالخسارة؛ موضحاً: "لا بد من تنظيف المكان بشكلٍ دوري؛ وإعداد برنامج تطهير جيد والتخلص من مخلفات الطيور؛ والنافقة منها بطريقةٍ آمنة؛ ويجب الاهتمام بنظام تدفئة وتهوية وإضاءة وإدارة بحسب النوع والصنف، كما تتطلب برامج وقائية ودوائية وبرامج تحصينات، بالإضافة إلى الاعتناء بعنصر مهم في الإنتاج وهو التغذية وإن كانت مكلفة إلى حدٍ ما".
ويحكي م.أسعد من خلال تجربته؛ عن بعض سلوكيات الطيور التي تثير دهشة اليافعين، مثل خوفها على أفراخها وفزعها عند اقتراب أي احد منها، وهذا سلوك دافعه الحماية والحفاظ على العائلة.
وتغني الطيور عندما تشعر بالفرح أو ربما تعبر عن عرفانها لتوفر البيئة المناسبة، وإذا ما أرادت جذب انتباه مالكها ترفع أجنحتها وتطير بأشكال مختلفة، تبعًا لقوله.
وعند المرض والجوع والبرد تخفض أجنحتها، وتظهر هيمنتها من خلال النقر الحاد والسيطرة على الطيور الأخرى.
ويأمل "ضيفنا" الذي يترأس لجنة البحث والتدريب في نقابة المهندسين الزراعيين في قطاع غزة، من الجهات الرسمية أن تضع في أجندتها تقديم الدعم الفني والمادي لليافعين وأهليهم عبر عمل مجموعات تعاونية والاهتمام بإرشادهم وعقد دورات تدريبية.
وبما أن المعظم يعتمد على اكتساب الخبرة من محيطه أو بمتابعة الشبكة العنكبوتية؛ فإن المدارس والمؤسسات المختصة بموضوعات الزراعة يقع على عاتقها استهداف هذه الفئة؛ بحسب أبو طعيمة؛ وذلك عبر عقد دورات تطور من أفكارهم الريادية ومهاراتهم العلمية والعملية في إدارة ورعاية الدواجن، مع التركيز على طرق تسويق منتجات المشروع، ومواكبة التكنولوجيا واتباع الأساليب الحديثة؛ وتوعيتهم بعلامات الصحة والمرض وتعريفهم بكافة الشروط الصحية والبيئية المناسبة، وإجراءات الأمن الحيوي والسلامة.
هديل عطاالله