الكاتب: السفير منجد صالح
في هذا الشتاء "ذلّيل" الغيث، نمنا ليلة أمس على وقع توقّعات دوائر الأرصاد الجويّة، التي أكّدت جميعها "حتميّة" بداية منخفض لاحق، واستمرار منخفض حالي وسابق، جوّي قطبي بارد جدّا و"ماطر" على جميع المناطق.
استبشرنا خيرا، وخاصة بأخبار المطر وليس البرد، لأننا نحمد الله دائما على نعمة الغيث، مع العلم والتذكير بأنّ هذا الشتاء، حتى الآن، تميّز ب "كثير من القعقعة قليل من الطحين - المطر"!! ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
كان في نيّتي ومُرادي حين نومي ليلة أمس أنّه بعد أن أستيقظ، بإذن الله، فإنني سأقوم ب "التمشّى" (المشي) باكرا صباحا، وخاصة وأن اليوم يوم عُطلة، لا تتحرّك فيه المركبات ولا البشر إلا ما ندر وفي حال طارئ الأمر، في ظل الإجراءات الوقائية "المُشددة" ضد فيروس كورونا، في كافة نهايات الأسابيع المُتوالية المُتتالية.
ودائما إذا ما كان ذلك مُتاحا في ظل التحذيرات المُضطردة و"الدقيقة" والأكيدة، من دوائر ومسؤولي الأرصاد الجويّة، ب"ضرورة" توخّي "أقصى درجات الحذر" وتجنّب الخطر بسبب هطول المطر، والإبتعاد عن مناطق وطرق و"خطوط سير" "السيول" الجارفة. "اللهمّ إحفظنا جميعا يا رب العالمين".
بالرغم من التوقّعات والتحذيرات الجوّية، مع احترامي الشديد والأكيد وإيماني "العنيد" بها ولها وما حولها و"حواليها"، شربت من حليب السباع، وكنت أمنّي النفس ب"نزهة صباحية" في الحي في الجوار، حتى في ظل ظروف كل ما قيل ويقال عنها بأنّها عملية "تمرّكز" في سوء الأحوال الجوّية وفي كميّات مياه المطر "المهولة" الآتية، تهطل علينا مدرارة من السماء، دون هوادة ولا تاخير ولا ابطاء.
في حوالي الساعة السادسة صباحا، وقد أصبحت الخطوط البيضاء تُزيّن الأرض والسماء، متغلّبة، بقدرة الواحد القهّار، على خيوط الليل الداكنة السوداء، اقتربت من النافذة "بحذر وتوجّس"، تُظللها ستارة تحجب الرؤيا من الداخل إلى الخارج وبالعكس.
بعد أن "حسرت" الستارة جانبا، بشيء من التردّد والحرص، نظرت من النافذة وكُلّي خشية من أن تداهمنا "مزاريب" المطر وربما حبّات البرد "السمينة"، ولم لا "ندف قطني" متطاير من "حبّات بوشار" الثلج،، تُداهم و"تقرع" و"تُحاصر" الشبّاك و"حماية الشبّاك" وزجاج الشبّاك، والسيّارات المتوقّفة في الشارع المُطلّ عليه الشبّاك، وكافة شبابيك بيوت الشارع وشبابيك شقق عماراته.
لكن المفاجأة كانت أن الشارع شبه جاف، "مُبتلّ" قليلا ربما من بعض رذاذ المطر "البائت" السابت الساكن على الإسفلت من الليلة الفائتة!!!
هل كان مديرو ومختصّو دوائر الأرصاد الجوّية المُتناثرة على مساحة مدن الوطن يقصدون فعلا منخفضا جوّيا ماطرا الآن أم في الأيام والأسابيع القادمة، مع العلم أن ثقتي لا تتزعزع في صدقية ومصداقية توقُعاتهم الجوية بشكل عام وبصورة خاصة، "والله تعالى أعلى وأعلم".
مع العلم أيضا أنني سمعت يوم البارحة، ولم آخذ الموضوع على محمل الجد، من "جارنا" النزق، الذي يعمل في محل الخضروات والفواكه، وهو "يعجّ" باصرار دائم على سيجاته، التي لا تنطفئ أبدا: "أن المنخفض الجوّي تحوّل عن بلادنا وذهب إلى بلاد أخرى والعياذ بالله... يا لطيف، يا لطيف، اللهم ألطف بنا، ولا تجعلنا من الظالمين".
إذن يبدو أننا، والله تعالى أعلى وأعلم"، كما يُذيّل دائما مُديرو التوقّعات الجوّية بياناتهم وتوقّعاتهم "السديدة"، ما زلنا في "خانة" ومرحلة "القعقعة وليس الطحين"، فيما يتعلّق بالغيث، وكل شيء بأمر الله سبحانه وتعالى مُسيّر الغيوم.
خرجت من العمارة على "مضض"، وانحرفت مباشرة يمينا أذرع شارع الشجر الجميل الكثيف، المحفوف "بغزارة" بالأشجار الباسقة، وارفة الظلال صيفا. "لا أثر ولا حِسّ" للطيور أو لزقزقة العصافير، كما هي العادة، فالطقس شبه جليدي، بارد إلى بارد جدا، وكما يُقال في الأمثال والحكم الشعبية الفلسطينية، فإنّ "البرد يقصّ المسمار".
لم أتعمّد الوصول إلى آخر الشارع، إلى رأس الشارع الغربي في رأس التلّة، تُطلّ على الفضاء الغربي الفسيح الممتد في الأفق البعيد الذي ينحني "في آخره" ويتعانق مع مياه البحر الأبيض المتوسط، التي تُزنّر شواطي يافا وعكّا وحيفا.
تنتصب عليها، أي التلّة" بشموخ شجرة الكينا، تتلاعب أوراقها وتتراقص أفرعها العلوية وعلى أطرافها من قوّة الرياح وشدّة برودتها، الأمر الذي حدا بي، من وحي منظر شجرة الكينا، أن أعقد إتفاقا شفهيّا صامتا مع حالة الطقس وأن لا أستمر في الشارع مشيا غربا، لأن الرياح الزمهرير كانت تلفح وجهي بحدّة، جعلت أنفي يتعاطف مع عينيّ في ذرف سائل ودموع قسرية، كلّ من طرفه وعلى التوالي.
عُدت أدراجي نحو شارع الإرسال "الداخلي" إعتقادا منّي أن المشي شرقا ستواجهني فيه الرياح الصباحية القارصة ببرودة أقل او أخفّ ولو نسبيّا، ربما كان هذا صحيحا، شدّة الرياح خبت وتيرتها قليلا، ولكن برودتها لم تُهادن ولم تتهاون قيد أنملة، بل بقيت على شدّتها "تقصّ المسمار"!!!
شارع الإرسال سابت تماما إلا من بعض السيّارات، المسافرة بتأنّي شمالا نحو بير زيت، تقضّ مضاجعه. الدوائر والمحلات التجارية فيه موصدة أبوابها بالكامل. فقط يبدو عن بعد بصيص نور ينبعث من مخبز "تنّور عادل" المجاور لمحل جوهرة التمور المغلق، والمقابل لبناية شركة كهرباء القدس ومحل "حلويات زلاطيمو" المُقفلين.
في تصريحات وبيانات الحكومة، منذ حوالي عام (سنة)، فيما يتعلّق بحالة الطوارئ لمجابهة جائحة الكورونا، وتطبيقا ل "بروتوكولات" الصحة في الوقاية والحماية والإغلاق، فإنه يُستثنى من الإغلاق، بصورة أتوماتيكية، الصيدليّات والمخابز، حيث تعمل على مدار الأسبوع وعلى مدار الساعة. وهذا مفهوم ومنطقي و"عال العال" ولا غُبار عليه.
لكن من "غير المفهوم ومن غير المنطقي وليس عال العال وعليه غُبار" أن لا يتّخذ أحد هؤلاء "المحظيين" المحظوظين إجراءات وقائيّة مُناسبة وضروريّة بادية للعيان؟؟؟!!!
فما ان دلفّت في مخبز تنور عادل، لأشتري كعكتين بالسمسم (كعك القدس)، حتى دَلَفَت علي "سلسة من المشاهات" "العجيبة" الماثلة للعيان وتُرى بالعين المُجرّدة، ولا تحتاج إلى أيّ "مجهر أو مُكبّر"، ولا لأيّ عناء لتفسيرها ومتابعتها، و"عينك عينك"، و"على عينك يا تاجر"!!!
فالمكان المخصص أو الذي كان مُخصّصا سابقا، عادة للزبائن، قد انكمش، بقدرة قادر!! وأصبح اقل من ربع المساحة الافقية المُتاحة، أي انّه اصبح "قرنة" صغيرة لا تستوعب أكثر من "زبونين" في ظل إجراءات التباعد في زمن الكورونا.
لكن في هذه "القرنة" كان يتواجد خمسة عُمّال، مع كل الإحترام والتقدير لسعيهم باكرا لقوت عيالهم، إذ تبدو عليهم ملابس العمّال، إلى جانب صاحب المخبز أو الموظف البائع الرئيس، إذن أصبحوا ستّة أشخاص، "مرصوعين" بجانب بعض مثل حبّات القطّين.
ثلاثة من العّمال يلبسون كمّامات تُغطّي وجوههم والآخرين يلبسونها لكن محسورة على ذقونهم.
اثنان من العّمّال كانا يسعلان بصورة قويّة، ربّما سعالا طبيعيّا بسبب البرد وبسبب الدخّان، أحدهم يسعل داخل الكمّامة، أما الثاني محسور الكمّامة على ذقنه فيسعل في كف يده اليمنى، التي نقد فيها ومنها هي ذاتها الفلوس للبائع، الذي تناولها بدوره بيدين عاريتين ب(لا كفوف).
أمّا البائع، الشخصيّة المحوريّة والرئيسيّة في هذا الموقف، فإلى جانب يديه العاريتين بلا كفوف فإنه أيضا بأنف وفم عاريين بلا كمّامة، ومن وقت لآخر، وبسبب البرد، فإنه "يجرد" أنفه بأصابع يده، وبالأصابع ذاتها دون غيرها يستمر في مناولة الزبائن الخبز والكعك وكعكة العجوة وغيرها.
البرد ما زال زمهريرا وشارع الإرسال يُغالب نعاسه. وأنا أسير ببطئ في طريق العودة قفزت إلى ذهني صورة برد وثلج مدينة بوزنان في بولندا شتاء عام 1979، وهو من أقسى الأعوام بردا وثلجا التي مرّت على بولندا وعلى اوروبا قاطبة في القرن العشرين.
وصلت إلى محطة القطارات في قلب مدينة بوزنان التي تقع في شمال بولندا، بعد رحلة طويلة، الساعة السادسة صباحا، لزيارة قريبة لي كانت تدرس الطبّ في المدينة ولقضاء احتفال رأس السنة الجديدة.
الرحلة بالقطار كانت مزيجا من "المُغامرة" والعناء والمُتعة والإنفتاح على دول ومدن ومعالم وأجواء وبشر، ومواقف صعبة وأخرى طريفة.
بدأت الرحلة الطويلة في أواخر شهر كانون أول (ديسمبر)، من مدينة كلوج (نابوكا) في غرب رومانيا، والواقعة في المقاطعة المُسمّاة ترانسلفانيا. وهي اصلا منطقة تابعة ل هنغاريا لكن تمّ سلخها وإلحاقها برومانيا بعد هزيمة الامبراطورية النمساوية الهنغارية. سكانها ذوي الأصول الهنغارية يتكلّمون اللغات الهنغارية والرومانية والألمانية.
انطلق القطار، الذي كنت قد اشتريت فيه تذكرة في الدرجة الأولى، نظرا لرخص التذكرة، وخاصة عندما يتم تبديل الدولار "في السوق السوداء" بعملة رومانيا المحلّية ال"ليو". لكنني اكتشفت مع الوقت ومع سير الرحلة أن الدرجة الأولى ليست ميزة ولا امتيازا، بل رُبما عزلة طوعيّة، حيث أنني كنت ابقى وحيدا "بلا جيران" في الدرجة الأولى، "والجنة دون ناس ما بتنداس"، لذلك كنت أذهب من وقت لآخر إلى الدرجة العاديّة (السياحية) كي أتحدّث مع الناس.
قطع القطار كامل أراضي وبراري وغابات هنغاريا (المجر) من شرقها إلى غربها مُخترقا الجسر الذي يعلو نهر الدانوب في العاصمة بودابست، ويُلقّب نهر الدانوب ب "نهر العواصم" لأنه يخترق العواصم فيينا وبراتسلافا وبودابست وبلغراد.
ودخلنا في أراضي تشيكوسلوفاكيا المُجاورة مرورا حتى العاصمة براغ، عاصمة الجمهورية، التابعة للكتلة الشرقية بقيادة الإتحاد السوفييتي والمُنضوية ضمن حلف وارسو. مدينة براغ غاية في الجمال المعماري والجمال البشري الإنساني، أبنيها كالقصور على الطراز القديم، نساؤها وفتياتها مثل "الشمع" الحي الأبيض، بياض البشرة وبياض الوجوه، تُزيّنها بشكل عام عيون خضراء واسعة نضرة. من الصعب وربما من شبه المستحيل أن تعثر على امرأة "قبيحة" في براغ وربّما في الجمهوريّة كلّها.
قضينا عدّة ساعات في براغ انتظارا للقطار المسافر إلى بولندا، المحطّة الأخيرة في الرحلة العابرة للحدود والدول والعواصم والمُدن.
التجوّل في مدينة براغ مُتعة للعين والأذن والحوّاس كلّها. الشتاء يسود والثلج أرخى سدوله على الشوارع والطرقات وأسطح البيوت وشرفات شقق العمارات الشاهقة والواطئة.
اشتريت شيئين من براغ لأتزوّد بهما في القطار التالي المُرتقب: "فرّوج محمّر" من محلّ بدا لي وكأنّه معرض "مدبوز" بالفراريج المُحمّرة الشهيّة أكثر منه مطعما. والشيء الثاني اشتريته من نفس الشارع المُغطّى بالثلوج، من على "عربة" متوقّفة يُباع عليها الموز، موز صومالي أو سلفادوري أو هندوراسي كبير الحجم، اشتريت ستة قرون صفراء اللون ناضجة، تفوح رائحتها العطرية وتزكم الأنف.
انطلق القطار من براغ وصولا إلى وارسو عاصمة بولندا ومنها إلى مدينة بوزنان شمالا مقصدي ووجهتي و"مربط خيلي".
وصلنا إلى محطة قطارات مدينة بوزنان الساعة السادسة صباحا. ما زال بعض الظلام يُخيّم على المدينة، المُتلحّفة عن بكرة أبيها بردائها الأبيض الشتوي، كما لاحظناها من شبابيك القطار قبل الولوج في القاعة المّغطّاة في المحطّة، التي تعجّ بالمسافرين رغم الثلج والبرد والصباح الباكر.
في تلك الحقبة، في نهاية السبعينيّات وأوائل الثمانينيّات، لم يكن هناك بعد لا جوّالات ولا هواتف ذكيّة ولا واتس آب ولا فيسبوك ولا أنستغرام ولا "ما يحزنون". وسيلة الإتصال الوحيدة المُتاحة حينذاك هو الهاتف الثابت، ودمتم، "نُقطة وأوّل السطر"!! كان في جيبي رقم هاتف السكن الجامعي التي تسكن فيه قريبتي وعنوانه، "لا أكثر ولا أقلّ".
بهذا الرقم الهاتفي وهذا العنوان "سأناور" طوال الصباح الباكر الثلجي البارد القارس حتى أصل إلى سكن الطلاب الخاص بقريبتي، في بلد جديد عليّ يتكلّم سكانه ومواطنوه اللغة السلافية (البولنديّة) وأنا إلى جانب لغتي العربية كانت ثقافتي "جرمانية" (اللغة الإنجليزيّة).
وهل سأجد بين هذه الجموع المُتلحّفة بالمعاطف الثقيلة، التي تعجّ بهم محطة القطارات واحدا أو واحدة يتحدّث لغة شكسبير لإمكانية المساعدة؟؟!! "الله تعالى أعلى وأعلم".
دخلت "كابينة" تلفون عام في محطّة القطارات المركزيّة للإتصال بالسكن الجامعي علّني أستطيع التحدّث مع قريبتي، لإعلامها بوصولي إلى ربوع مدينتها الثلجية. ضغطت على الأرقام المطلوبة في الهاتف الثابت الكبير بارد "الكبسات"، والسمّاعة الباردة تلسع أذني. فتح خط الهاتف وسمعت صوت سيدة تتحدث بصوت يُشبه الصراخ باللغة البولندية، جملة أو جملتين وتقفل الخط دون إنتظار أو حتى إعطائي "هدنة" كي أطلق إشارة "إس أو إس"، "أستغيث بها".
كرّرت المحاولة عدة مرّات وفي كل مرّة أتلقّى نفس الجملة أو الجملتين وإقفال الخط "في وجهي". لا حول ولا قوّة إلا بالله، ما العمل؟؟!!
بدأت أتفرّس في وجوه "روّاد" المحطة علّني أجد أحدهم أسمر البشرة بعيون سوداء أو بُنّية، مثلنا، مثل ابناء وأحفاد جلدتنا بني عدنان وقحطان وكنعان، لكن "المسطرة" السائدة إستمرّت تسود عيون زرقاء أو خضراء أو فاتحة، لا أثر للّون الغامق، والبشرة بيضاء بيضاء على طول الخط.
أخيرا عثرت على أحدهم حنطي بشرة الوجه فتفاءلت خيرا وقلت: "يا فرج الله". تقدّمت منه بتهذيب شديد وسألته: "هل أنت عربي؟؟"، إبتسم إبتسامة خجولة وأجاب: نيّ، نيّ (Nie Nie) " يعني "لا، لا".
تشجّعت وتقدّمت من سيّدة بدت لي صبوحة الوجة تّغطّي رأسها ب"طاقيّة" من الفرو الأبيض، ولحسن حظّي هذه المرّة كانت تعرف الإنجليزية، فطلبت منها المساعدة بالإتصال برقم السكن الجامعي وفهم طلاسم السيدة المُجيبة، ففعلت مشكورة وبلطافة بادية. وشرحت لي أن السيدة المُجيبة على الطرف الآخر تقول بأنهم "لا يستقبلون مكالمات هاتفية ولا يمكن إزعاج الطلاب قبل الساعة الثامنة"، والآن الساعة السادسة والنصف. إذن يتوجّب علي البقاء في محطة القطار، ألفّ وادور وأدور وألفّ حتى تنقضي الساعة والنصف.
حسب الإرشادات التي زوّدتني بها قريبتي على الهاتف بعد الساعة الثامنة، أخذت "تكسي طلب" من المحطة مُتّجها نحو السكن الجامعي، فلفّ ودار بي السائق في شوارع مُطرّزة ببياض ناصع، كل شيء في المدينة أبيض.
الطقس شديد البرودة "يقصّ مسمارين"، درجة الحرارة تعدّت هبوطا العشرين درجة مئوية تحت الصفر.
وصلت السكن الجامعي واستقبلتني قريبتي أحسن استقبال، وقالت لي: "ساصنع لك كأسا من الشاي يُدفؤك".
فتحنا حنفية المطبخ لأخد الماء في إبريق الشاي، فإذا بالحنفية تُصدر صوتا كفحيح الحية، ولم ينزل منها نقطة ماء واحدة، أنابيب المياه مُتجمّدة كما المدينة ومرافقها كُلّها.
أخذنا حفنتين، "كمشتين" من الثلج، كالقطن، المُتراكم بغزارة على شرفة المطبخ.
وعملت لي شايا ساخنا بالنعناع من الثلج الناصع البارد.
* كاتب ودبلوماسي فلسطيني