معا- تتضاءل الفجوة بين الجنسين في التعليم الأكاديمي بالصومال بشكل لا تخطئه العين؛ فهناك آلاف الفتيات اللائي يزاحمن نظراءهن من الفتيان في التحصيل العلمي بالمدارس والجامعات، لا سيما في المناطق الحضرية، لإدراك بعض أولياء الأمور بحق أولادهم ذكورا وإناثا في الحصول على العلم والتعليم، وضمان توفير حظوظ متساوية في فرص التعليم.
ورغم هذا، فإن الثقافة والنظرة السلبية تجاه تعليم المرأة لم تتغير بشكل كلي؛ إذ يميل طموح الشابات الصوماليات دائما إلى المجال الأدبي والطب من مجالات التعليم الأكاديمي، أما حظهن في التدريب والتعليم المهني الذي يتطلب مجهودا بدنيا مضنيا ومتعبا -وعلى قلته في الصومال- كان في حكم "المنعدم" حتى في وقت قريب، وكاد يكون حكرا على الرجال.
رغبة جارفة
مونا أحمد طقني فتاة في العشرينيات من عمرها تتدرب على محرك سيارة في مركز حيلي بريسي بمقديشو، وتحاول فك أحد "البراغي" بقوتها وعضلاتها التي لا تجاري عضلات الرجل؛ لكنها مدفوعة برغبة جارفة وقاهرة لكل تحد يعترض طريقها. واختيارها "للميكانيك واللحامة" (تصليح السيارات) كان من وحي إرادتها، مستمدة جرعات تشجيعية من والدتها وإخوتها.
وتصليح السيارات مهنة -في حد ذاتها- يستخفها الصوماليون حتى عندما يمتهنها الرجل، ناهيك عن المرأة الممنوعة من الاقتراب منها ومن التعليم المهني ككل بحكم ثقافة تحابي الذكورية أكثر من اللازم، ومن دون مبرر منطقي، حسب رأي طقني، التي تؤمن بأن جرأتها ستعطي حافزا للبنات لأخذ نصيبهن في التعليم المهني، وتثبت ندية المرأة للرجل في ذلك المجال، رغم الفوارق البدنية والعضلية بينهما.
وطقني عازمة على المضي قدما في مجال التدريب المهني، والانتقال إلى مجالات أخرى فيه، وتأتي ضمن خططها في حال انتهت من دورة "الميكانيكا"، على أمل أن تكون متعددة المهن؛ بهدف تعزيز حظوظها في الحصول على الفرص المتاحة في سوق العمل، وفق قولها للجزيرة نت.
صعوبات
لكن حصول المرأة صاحبة المهنة على عمل ليس أمرا هينا، بل يكتنفه صعوبات رغم حاجة البلد إلى مهنيين ومهنيات، حسب عائشة حسن محمد، المتخرجة في مجال تشييد الطرق بالمركز نفسه، نتيجة الصورة النمطية السلبية التي يحملها المجتمع عن احتراف المرأة المهن الشاقة المسببة للإرهاق، والشك في قدرتها وكفاءتها بغض النظر عن قدراتها.
على سبيل المثال، عند التقدم بطلب إلى مكاتب شركات البناء أو تشييد الطرق الصومالية كمسّاحة أراضي -وهي مهنتها- يقابلون هذا الطلب بشيء من الاستغراب، وعند تأكدهم من مؤهلات المرأة بخصوص المهنة يشككون في قدرتها على التحمل والعناء والعمل فترات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وتأدية الواجب بالمستوى نفسه الذي يؤديه الرجل.
لكن يمكن للمرأة التغلب على هذه الفكرة والتصور بالتسلح بعزيمة قوية والثقة بالنفس، وهي ما فعلته وقادها للعمل لصالح الجهات والشركات العاملة في البناء وتشييد الطرق.
وليس هذا فحسب، بل إن مجال التدريب المهني في نظر عائشة فتح لها أبوابا، كإنشاء مشروع صغير مع مجموعة من الشباب لتحويل المخلفات البلاستيكية إلى بلاط.
ومثلما شكل عونا لها في مجال الهندسة المدنية التي تدرسها نظرا لقلة الدروس التطبيقية في الجامعة، فضلا عن تخصيص جزء من وقتها لمعاونة البنات المنخرطات في مجال التدريب المهني بمركز حيلي بريسي، خاصة المتدربات على بناء الطرق؛ فإن عائشة ومونا ليستا الوحيدتين في مجال التدريب المهني، فقد زاد اهتمام البنات به في السنوات الأربع الأخيرة.
التفوق
ويقول عبد الناصر محمد عمر -أحد المشرفين على التعليم المهني بمركز حيلي بريسي- إنه عند افتتاح المركز عام 2016 كانت هناك فتاة واحدة سجلت اسمها، ودخلت الدورة الأولى من مجال التدريب المهني، لكن اهتمام النساء بهذا المجال بدأ يزداد في السنوات اللاحقة، مما يبرهن على أن الظاهرة الغريبة في نظر المجتمع الصومالي تحولت إلى واقع، على حد تعبيره.
وكان الفوج الذي تخرج من المركز عام 2017 يضم 11 فتاة، وفي عام 2019 تخرجت 17 فتاة، بعد دورة استمرت عامين في مجالات التدريب المهني، وتشمل الكهرباء واستغلال الطاقة الشمسية والميكانيكا واللحامة والبناء وتشييد الطرق، ومعظمهن إما حصلن على فرص عمل أو أنشأن مشاريع خاصة بهن، في حين يتدرب الآن في المركز ما يقارب 20 فتاة.
والملفت أن بعض المتدربات أكثر ذكاء واستيعابا للدروس، سواء كانت نظرية أو تطبيقية من المتدربين الرجال، وأظهرن تفوقا في جميع الاختبارات، كما يقول عبد الناصر محمد عمر.
والدافع في نظر عمر -كما يوضحه هو "إثبات الذات وتحدي النظرة السلبية للمجتمع تجاه تعليم المرأة".
مطلب ضروري
وفي رأي الناشطة لحقوق المرأة ورئيسة "منظمة أنقذوا نساء وأطفال الصومال" آمنة حاجي علمي أن المرأة الصومالية تتحمل منذ 30 سنة عبئا كبيرا في إعالة الأسر، خاصة أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد تفرض عليها البحث عن مصادر دخل متعددة تمكنها من تلبية الاحتياجات ومتطلبات الحياة، وأن توجه المرأة إلى مجال التدريب المهني يأتي في هذا الإطار.
وتقول علمي إن اقتحام المرأة مجال التعليم -سواء كان الأكاديمي أو المهني- مطلب ضروري يعود بالنفع على المجتمع، وإن تقييد المرأة بثقافة غير مبنية على أساس وإبعادها عن التعليم والتعلم يولد ضررا وتخلفا في المجتمع، حسب علمي، التي تقول إن تساوي المرأة والرجل في التعليم حق مشروع، كما ليس عيبا أن تكون المرأة ندا ومنافسا للرجل في التحصيل العلمي واكتساب المهنة. لافتة إلى أن أحدهما يكمل الآخر.
وتقدر نسبة الأمية في الصومال بنحو 60%، وتصل عند النساء إلى 75%، ونسبة البطالة تقدر بنحو 67%.
المصدر: " وكالة أخبار المرأة "