خص القيادي في حركة فتح نبيل عمرو وكالة معا بمقالة حول الانتخابات وما يجري داخل فتح ...
كأن الخائفين على فتح يتعرفون عليها لأول مرة، وكأنها كانت منذ ولادتها وكل مراحل كفاحها وقيادتها للمشروع الوطني اشبه بفرقة كشافة تسير على إيقاع واحد وتلتزم باجتهاد واحد ولا تختلف على أي امر.
الخائفون على وحدة فتح... الجزء الأكبر منهم لا يرون فيها الا انها مجرد منافس لحماس، ولو استطاع هؤلاء اشعال حرب دموية بين القطبين الكبيرين لما ترددوا في ذلك، مع ان الخطر يظل يحوم حولنا منذ بداية الانقسام وعبر كل السجالات التي لم تتوقف على مدى خمسة عشر سنة.
وهنالك خائفون من نوع آخر يشهرون -دون تدقيق من جانبنا في حسن او سوء النوايا- قلقهم على العقلانية والاعتدال والانسجام مع ما يسمى بالارادة الدولية، ومع كل التقدير للمخلصين حسني النية منهم، الا ان الاعتدال لا يُخدم من خلال ترجيح طرف على آخر حتى لو وصل الامر حد الاقتتال وانتظار النتائج التي غالبا ما لا تحسم بصورة نهائية، الاعتدال يُخدم من خلال تقديم مزايا ملموسة تجعله خيارا شعبيا وليس خيارا نخبويا لا ركائز له على ارض الواقع.
الاعتدال الذي يريدون لفتح ان تقود تياره الفلسطيني بحاجة أولا الى صدقية المنادين به في دعم وتبني والعمل على تحقيق الخيارات العادلة والاساسية للشعب الفلسطيني، وليس مجرد اعلان مواقف التفضيل بين هذا الاجتهاد وما يخالفه.
داخل هذه الشبكة بين حسني النية ومدعي الحرص على الاعتدال الفلسطيني تقف فتح في معترك انتخابي بالغ الحدة والتعقيد وحتى الغموض ولقد تم تجريدها من أسلحة الاعتدال بحيث لن تجد ما تقول عن مزاياه العملية بما يقنع الناخبين ليستأنفوا دعمهم لهذا الاتجاه، وناخبو فتح ليسوا كتلة واحدة حتى تجري مخاطبتهم بلغة واحدة واجتهاد واحد ومضمون واحد، ناخبوا فتح بعضهم يضع الخيارات السياسية على رأس اهتمامه ويصوت على أساسها، وبعضهم الأكثر لا يسقط الخيار السياسي ولكنه يركز بصورة واضحة على مصالحه الحياتية التي دون توفيرها فلا مجال للصمود والسياسة والخيارات، ولقد تعزز هذا الاتجاه حتى صار رئيسيا في كل الوطن الفلسطيني، فغزة تبحث عن من يخرجها من شقائها المتمادي، والضفة تريد ذلك بعد وقوع أهلها تحت الضائقة المالية وعجز المرافق العامة عن الوفاء باحتياجات المواطنين ذلك قبل جائحة كورونا واثنائها، وفلسطينيون الشتات الذين هم الجدار الاستنادي لبقاء القضية الفلسطينية ليس فقط على قيد الحياة بل وعلى قيد الاهتمام والتأثير تمزقهم الحيرة من قلة الرعاية وانعدام المرجعية وتراجع دور منظمة التحرير الذي كان رائجا في جمع شمل الوطن والشتات على حلم واحد وطريق واحد ومصير واحد.
في واقع كهذا ليست فتح وحدها هي المتضررة، وليست القوى السياسية على مختلف عناوينها واوزانها ومضامينها، بل القضية الوطنية كلها والشعب الفلسطيني كله، والتعاطف العربي والإسلامي والعالمي مع عدالتها وصدقية أهدافها.
في زمن الانتخابات التي ستبدأ حلقتها الأولى في مايو أيار الوشيك وتليها الثانية الرئاسية بعد فترة وجيزة، ثم منظمة التحرير المفترض انها سيدة الإطارات والمؤسسات الوطنية. كان القرار الصحيح هو التقدم لاجرائها رغم كل المعوقات التي نعرفها بالتجربة وليس بالاستنتاج وسيكون صحيحا وصحيا المضي قدما في عملية اجراءاها حتى استكمالها، وصار ضروريا الغاء كل القيود التي تحرم قطاعات واسعة من الكفاءات والفعاليات الوطنية من الترشح وسيكون عادلا لو لم يكن هدف البعض مجرد الاستحواذ على القرار وبدل ان يعمل على انتاج مؤسسة قيادية فعالة نراه يسعى لاستخدام المؤسسة "الشكلية" لتعزيز نفوذه وهيمنته من خلال الوضع الصعب الذي في هذه الحالة لا مخرج منه.
ينبغي ان لا يتخوف أي طرف من اطراف العمل السياسي الفلسطيني من القوائم المتعددة ما دامت مؤهلة لاجتياز نسبة الحسم وتتشكل وفق القوانين وتفوز او تخفق وفق القانون كذلك، واذا كان هذا ينطبق على الوطن والشعب كله فحري به ان يحترم من قبل فتح أولا التي لن تمزقها الاجتهادات المتباينة بل الحق الأذى بها الانشقاقات التي رعتها جهارا ونهارا قوى خارجية بدء من الانشقاقات الصغيرة التي يعرفها الجيل المؤسس وليس انتهاء بالانشقاق الكبير الذي تبنته آنذاك نظم دمشق وليبيا وغيرهما ممن دعموه بالخفاء.
حين قلت أخاف على فتح من أهلها، فما اقصده واخالني وضحته بما يكفي هو ان القرارات الداخلية الخاطئة هي اخطر الف مرة من التحديات الخارجية ولقد قال لنا التاريخ القريب ذلك، وما زالت آثاره ظاهرة على جلودنا وحتى روحنا الى يومنا هذا.
الخائفون على فتح يجب ان يخافوا أولا على الديموقراطية والتعددية واستقرار الحياة البرلمانية التي نحتاجها كتحد للاحتلال، وكأحد اثباتات كينونتنا الوطنية بوسائل العصر الذي نعيش.
اعداؤنا يريدوننا ان نظل في سجن العجز وقلة الحيلة والتخلف عن ركب التقدم المتسارع، ونحن يجب ان نرفض ذلك بتأكيد ذاتنا وحقوقنا التي حفظت قضيتنا على مدى ما يقرب القرن من الزمن.