بقلم: د. صبري صيدم
لم يسدل الستار بعد على محاكمة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي، حتى انفجر النقاش القديم الجديد في فرنسا، واتسعت هوة الخلاف والجدال المحليين، اللذين يتجهان في منحيين واضحين، يعتبر أحدهما أن ما جرى من إدانة قيل فيها بأنها الأولى في تاريخ فرنسا المعاصر، إنما جاءت بغرض اغتيال ساركوزي معنوياً، وسد الطريق أمام ترشحه من جديد للانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما يرى الاتجاه الآخر أن ساركوزي تورط بتهم الفساد، وأن حسابه سيكون عبرة لمن يعتقدون أنهم أكبر من مقومات الدولة وركائزها من أمن وقضاء.
وفي أمريكا يستمر جهد الديمقراطيين، ومن تحالف معهم من الجمهوريين لإيجاد الطريقة الأجدى لإدانة ترامب، بعد أن أفلت من إجراءات العزل الأخيرة، التي جاءت عبر مسار المحاكمة، التي خطها مجلسا الشيوخ والكونغرس، وانتهت بفشل مناهضيه في إيجاد عدد كافٍ من الأصوات لإدانته.
وتحمل قضية ترامب أيضاً موقفين متضادين، يرى أحدهما أن إدانة ترامب إن تمت، فستسد الباب على ترشحه المؤكد في انتخابات عام 2024، بينما يتفق أصحاب الموقف المقابل مع رؤية ترامب ورغبته في الترشح وقناعته بأن الانتخابات الأمريكية الأخيرة قد سلبته، حسب زعمه، انتصاره المزعوم، وأن التزوير إنما قاد «لسرقة» النتائج لصالح غريمه بايدن.
أياً كانت أوجه التشابه والاختلاف، فإن القاسم المشترك الذي يبقى حاضرا في ذهنية الجميع هو موقف الزعيمين الأسبقين من المهاجرين الجدد، وتبدل التركيب الإثني لمجتمعيهما وقناعة الكثيرين بأن حضورهما السياسي إنما سيشكل فرصة لاتخاذ مواقف أكثر تشدداً بحق المهاجرين، وما يرتبط بكامل حياتهم وحقوقهم ودورهم الاجتماعي والاقتصادي، واستمرارهم في التدفق على فرنسا وأمريكا بحثاً عن حياة أفضل.
لذا فإن العنصرية تبقى السلاح الدفين الذي يؤثر على مجريات الأحداث المرتبطة بملف الرجلين، وهي ما ستشكل الفيصل الرئيس في إنهاء مستقبليهما السياسي، أو عودتهما إلى الحياة السياسة أكثر قوة وشراسة.
ورغم أن ساركوزي أعلن نيته الاستئناف ضد الحكم القضائي المخفف الأخير، إلا أن محاكمة ثانية تنتظره قريباً سترتبط آثارها حتماً ارتباطاً معنوياً ووثيقاً بمخرجات الاستئناف، ونجاحه في إقناع المجتمع بذريعة الاغتيال السياسي.
وفي المقابل فإن معركة ترامب تبدو أكثر صعوبة لمناهضيه، خاصة بعد ما أعاد الإفصاح عنه في مؤتمر للمحافظين الأخير والمعروف بـ»سي باك» حيث أكد على كونه مستمراً في معركة رد الاعتبار، كما يصفها ضمناً، ومؤكداً على أن المعركة «قد بدأت» حسب زعمه.
وينتظر ترامب ملاحقة قضائية جديدة عبر المدعين العامين لولايات جورجيا ونيويورك وواشنطن، الذين يتهمونه بسوء استخدام السلطة، ومحاولته ابتزازهم للتأثير في نتائج الانتخابات في ولاياتهم، أو قذفهم بتهم غير واقعية، هدفها حرف مسار تلك الانتخابات، والإذعان لرغبته إبرازها بأنها مزورة ومسروقة.
المفارقة أنهم ليسوا جميعاً من الديمقراطيين فحسب، بل أن مدعي عام ولاية جورجيا هو من الحزب الجمهوري، وهو الذي تعرض لهجوم كاسح من ترامب، إبان الانتخابات وخلالها في جولة تقذيع وتقريع غير مسبوقة.
معركة الرجلين لم تعد تتمحور حول الفوز بالمحاكمات المختلفة فحسب، وإنما بالظفر بترشيحهما في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أمام تهاوي شعبية ماكرون وصعوبة مهمة بايدن جراء ما تركه ترامب من كوارث عنصرية وتدميرية، وصمت أمريكا خلال فترة حكمه، التي ستبقى نبراساً مهماً باتجاه جره (أي ترامب) من قبل خصومه إلى محاكمات مختلفة.
أياً كانت المسارات فإن الفيصل هو في مقدرة ماكرون وبايدن على تحسين أدائهما بصورة تجعل ترشيحهما لفترة رئاسية مقبلة مريحاً في حال نجاة غريميهما من الملاحقات القانونية على اختلافها.
وفي إطار المقارعة القائمة في كل من فرنسا وأمريكا حالياً، فإن المحرك الأساس لرغبات ساركوزي وترامب إنما يكمن في حجم الشعبية الذي يحظيان به والمرشح للتصاعد تدريجياً حسب أداء الرئيسين الحاليين لفرنسا وأمريكا وقدرتهما على «اغتيال» من سبقهم معنوياً.
أمام هذا وذاك فإن البعض يرى أن آثار العالم الثالث، باتت تلقي ظلالها على العالم «المتطور» عبر تبني مفاهيم الانقلابات والديكتاتورية والشمولية والتصدي للديمقراطية، والاغتيال السياسي. فهل تصبح فرنسا وأمريكا كما مستعمراتهما السابقة والحالية من حيث إدارة دفة الحكم؟ أم أنهما لم يكونا يوماً إلا أصحاب تاريخ أسوأ في هذا الشأن؟