"التعديل الجديد هو محل رفض واسقاط وليس تعديل، أو تفاوض أو مساومة، ولابد من المضي قدماً نحو برنامج وطني ديمقراطي اجتماعي، لتوليد تيار ثالث، يشكل سبباً في الخلاص والخروج من المأزق السياسي، وعلى القوى الديمقراطية أن تلعب هذا الدور".
رام الله- معا- عقد ائتلاف عدالة في سياق اهتمامه بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما يُستجد فيها، لقاء مع القوى الديمقراطية بتاريخ الرابع من آذار، لم يكن اللقاء يهدف إلى تقديم توصيفات مجردة للوضع القائم، بقدر ما كان يدفع باتجاه نقاش الواقع الاجتماعي الاقتصادي الذي يسحق الفئات الواسعة من المجتمع الفلسطيني، والنقاش حول تشكيل كتلة وطنية ديمقراطية موحدة، للخروج من حالة الاستقطاب الثنائي الحاد، وللوقوف أمام تغول السلطة القائمة ومحاولاتها لتصفية مؤسسات المجتمع المدني من خلال التعديلات على قانون الجمعيات الخيرية (1) لعام ،2000 والذي يشكل محاولة علنية لإلحاق مؤسسات المجتمع المدني بالوزارات، بوضع يد الحكومة على كافة الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية، كما تم طرح تساؤلات حول دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم تيار وطني ديمقراطي يحمل برنامج اجتماعي- اقتصادي معزز للصمود والعدالة الاجتماعية.
وقد انطلق النقاش إدراكاً من كون الانتخابات الفلسطينية إما أن تؤدي إلى تكريس راهنية تغول الحزبين الأكبرين، وبما يعني استمرار السياسات التدميرية والتشظي الوطني. أو أن تؤدي إلى إيجاد ازاحات جديدة يمكن أن تؤسس لخلق صوت بديل على الأرض من شأنه أن يكسر هذه القطبية، وبما يفرز محاولات عملية لتغيير بنية النظام القائم. وقد جمع اللقاء ممثلين عن القوى الديمقراطية بحضور كل من ابراهيم أبو حجلة ممثل عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وبسام الصالحي ممثل عن حزب الشعب الفلسطيني، وعمر نزال ممثل عن الجبهة الشعبية، و د. ممدوح العكر ممثلاً عن الحراك الديمقراطي.
وقد اجمع الحضور على كون الحوار المستمر هو ما يولد العمل التكاملي لإسناد المكونات الديمقراطية حتى وان تنوعت مسارات العمل، والمؤسسات المدنية التي تشكلت في خضم الانتفاضة كمساند للقوى والحركات السياسية، وهي بمثابة امتداد طويل لعلاقة تاريخية تجسد الشراكة والتكامل بين المؤسسات الأهلية والقوى السياسية، فهناك تقاطع واسع مع القوى الديمقراطية، ومساحات مشتركة للعمل على إيجاد تنمية حقيقية قائمة على أساس الصمود، والمقاومة كبديل لنهج السلطة، وفق رؤية تقدمية ارتكازها الأساس تعزيز صمود الفلسطينيين، فضلاً عن دورها في تقديم الخدمات للقطاعات المهمشة، وبنهج مختلف عن المؤسسات الحكومية، وإنتاج فكر بديل تقدمي، ديمقراطي يسهم في طرح حلول للقضايا التي يعاني منها الشعب ببناء نماذج مختلفة، معاكسة لنهج التبعية للسلطة. وعليه جرى نقاش التقاطع بين رؤية وأهداف المؤسسات الأهلية والقوى السياسية، وإمكانية المساهمة في خلق حوار يفضي إلى تشكيل وإنجاح تيار ديمقراطي موحد.
تحدث ممثلو الأحزاب عن التجارب السابقة والتي كانت مخيبة للآمال، ولكن ذلك لا يعني بأي حال التخلي عن هذه الضرورة الوطنية الملحة، في ظل الواقع السياسي الحرج، ليس فقط لكسر القطبية المنخرطة في مشروع التسوية الجديد، وإنما لإيجاد طرف بديل متمسك بتعزيز الصمود، وتهيئة كل الظروف لتعزيز مقاومة الاحتلال، للخروج من الراهنية السياسية المذلة. حيث أن التكامل والشراكة بين الكتل الديمقراطية، ومؤسسات المجتمع المدني، هو متطلب وطني ملح، وتتصدر المؤسسات الأهلية دور وضع القضايا الاجتماعية والاقتصادية كواحدة من أولويات البرامج الانتخابية، انطلاقاً من تلمس احتياجات الناس، ولا سيما المهمشين، ليكون جزء من برنامج القائمة الديمقراطية التي يسعى لتشكيلها.
وفي ضوء المستجد المتمثل بالقرارات بقوانين، والتي ازدادت استهدافاً لكل ما له علاقة بالعدالة، وخدمة الفئات المهمشة، والمناهج البديلة، والذي جاء بصورة التعديلات الأخيرة على قانون الجمعيات الخيرية رقم (1) لعام 2000، لابد من الوقوف أمام هذا القرار، والتمسك بكونه لا يحتمل أي إمكانية للمساومة والتعديل، والمؤسسات الأهلية عليها اتباع كل الطرق الممكنة، والقوى السياسية في المقابل عليها أن تساهم هذه المعركة، حتى وان وصلت الى العصيان، وإدراكاً من أن قانون الجمعيات هو ليس فقط لإخضاع المؤسسات وإنما أيضاً الأحزاب.
وقد أجمع الحضور حول ضرورة استعادة الوعي، وبناء تيار وطني ضاغط لبدء مرحلة التغيير ودور مؤسسات المجتمع المدني هو دور مركزي بهذا الصدد. وأهمية عقد لقاءات من هذه الشاكلة بغرض توحد الجهود، والحصول على الحقوق والدفاع عنها، وقد أشار الحاضرين على أهمية تضمين أي برنامج انتخابي للقضايا المتعلقة بالأشخاص ذوي/ذوات الإعاقة في البرامج الانتخابية، في ظل تهميش قضاياهم على مستوى البرامج والمخططات الحكومية، إلى جانب التركيز على تمثيل كافة القطاعات المجتمعية المتنوعة، ولتلك التي تنال قدراً كبيراً من التهميش، بجعلها موضع ارتكاز للبرنامج الانتخابي بأبعاد تعزز من العدالة الاجتماعية، ويمكن في ذات الآن أن يلتقي عليه الناس بالاقتراب من قضاياهم، وله توجه سياسي يقوم على التصدي لحالة الاستبداد الراهنة. وهذا مسرح التعاون بين القوى اليسارية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني. وعليه لا بد من برنامج وطني، سياسي واجتماعي واقتصادي في الصياغة والحضور، ممثل لكافة الفئات والقطاعات المجتمعية، كما لابد من العمل على بلورة حركة اجتماعية، تذهب بالمجتمع المدني من صورته التقنية الفنية إلى حركة اجتماعية ضاغطة لا تلغي الأحزاب ولا المؤسسات.
واتفق الحضور على ضرورة الإسراع في إطلاق هذا التيار بكتلة انتخابية متحالفة، باعتباره مطلب وطني ملح، لتغير قواعد اللعبة، ببرنامج اجتماعي اقتصادي يحاكي قضايا الصحة، والعمل، والعدالة الاجتماعية، والشباب، والنساء، والفئات المهمشة، إلى جانب بناء حركة اجتماعية وحتى لو لم يتم الذهاب للانتخابات، انطلاقاً من الإيمان بأهمية وجود كتلة وازنة تكسر من الثنائية الفلسطينية الراهنة.
واكد ممثلي القوى الديمقراطية أن الأمور تسير بخطى مسؤولة نحو الوصول إلى بلورة هذا الإطار الديمقراطي اليساري والكتلة الانتخابية القائمة على التعددية الاجتماعية، وهذا يحتاج حوارات وضمانات لوحدة البرنامج وهذا جاري للوصول إلى كتلة شعبية، وهناك قلق من أن لا ينجح هذا المسعى، مع ذلك هناك ضرورة ليضغط المجتمع الأهلي لإنجاح ذلك، والدفع باتجاهه لكسر حالة الثنائية في النظام السياسي، وهذا يتطلب صياغة علاقة أفضل بين القوى الديمقراطية، والمؤسسات الاهلية، والعمل على بناء عمل نقابي، والعمل على بناء سياسات مواجهة لا مهادنة، والتأكيد على أن سياسات الاحتلال هي تجسيد لعلاقة الدونية تجاه السلطة، والتي تم ترسيم معالمها من خلال أوسلو، كنهج أدى الى تعزيز التبعية وتراجع العمل والثقافة الوطنية. والسؤال الفيصل الآن يتمثل بالبحث في كيفيات العمل على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، لمقاومة سياسات الاحتلال، والتصدي للقضايا الداخلية التي تعمل على تقويض الحريات (قانون المؤسسات الأهلية، قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة...الخ). وتم التأكيد على أن التعديل الجديد هو محل رفض واسقاط وليس تعديل، أو تفاوض ومساومة، والمضي قدماً نحو برنامج وطني ديمقراطي اجتماعي، كدور تاريخي لتوليد تيار ثالث، يشكل سبباً في الخلاص والخروج من المأزق السياسي، وعلى القوى الديمقراطية أن تلعب هذا الدور، بتقديم جيل من القيادات النسوية، والشبابية، بالاستفادة من كل عثرات الماضي.