للشاعر عز الدين مناصرة ..
البناتُ، البناتُ، البناتْ
حارساتُ الكرومِ،
تلألأنَ فوق النجومِ،
وتحت الغيومِ،
رياحُ السَمومِ،
تَهُبُّ على باكياتِ الرسومِ،
كأنَّ همومي،
تفاعيلُ من شَجَنٍ، طافحاتْ
حارساتُ الكرومِ، يُتَرْغِلْنَ كالقُبَّراتْ.
في حبائلهنَّ، إجاصٌ يُغرّدُ،
ثمَّ سَفَرْجَلَةٌ، تتباهى بصُفرتها الذهبيّةِ،
حتى انحنى طائرٌ مائعٌ، أزعرُ الحركاتْ
يتنقَّلُ بين الغصونِ،
يُداعبُ أشواقَهُنَّ،
وكُنَّ بلا خُمُرٍ، سافراتْ
البناتُ، البناتُ، البناتْ.
في فلسطينَ، يختلف الأمرُ،
حيثُ النساءُ، يُجرجَرْنَ،
نحو السجونِ البعيدةِ في الحافلاتْ
في سَلاسلهنَّ، قناني الحليبِ لأطفالهنَّ،
وبعضُ الرسائلِ، خبَّأنَها، في الضُلوعِ،
تباركتِ المُرْضِعاتْ
النساءُ الجميلاتُ،
يزرعن في الأرضِ، أغلى الأماني، وملحَ المعاني،
وهُنَّ سماءٌ من الشَفَقِ العَسَليِّ،
ومن أنبلِ العائلاتْ.
في الزنازنِ، كُنَّ تكوَّرْنَ ليلاً،
وصُبْحاً، تجمّعْنَ في ساحة الشَجَراتْ
في عذاباتهنَّ، نواحٌ خفيٌّ،
ورغم الأسى، صابراتْ
البناتُ، البناتُ، البناتْ.
حين غنَّينَ حول الشهيدِ،
رقَصْنَ، رقصنَ، رقصنَ،
فأجفلتِ الدالياتْ
حارساتُ الكروم،
تذكَّرنَ أيّامَهُنَّ الخوالي،
استفاقتْ جنادبُ صيفٍ طويلٍ،
فأكملتِ البنتُ، تَرْويدَةَ الأمّهاتْ:
-طائرٌ أخضرُ الكاحلينِ، وزيتونةٌ في الجناحْ
صَفَّرتْ للخيول، فهاجتْ، وماجتْ رؤوسُ الرماحْ
طائرٌ دارَ في الكون، ثمَّ استراحْ
فوق غُصنٍ عنيدْ
يا بنات الرُعودِ، عظام أخي، تُستباحْ.
الأغاني، التي أصبحتْ هَمْهَماتْ
في السجونِ، التي من حديدْ
السجونُ، التي خَنَقَتْ عَبْرتي، يومَ عيدْ
فانتظر يا حبيبي، رفيفَ الوِشاحْ
سأُلملمُ هذا النِثارَ المُتاحْ
سأُعيدكَ لحماً وعظماً،
لكي تستوي فوق عرشٍ جديدْ
ترتوي من نشيد السَماحْ
وتُغنّي قصائدَ كنعانَ، تحت سماء الجليدْ.
طائرٌ سيَّدٌ، أخضرُ الكاحلينِ، وزيتونةٌ في الجناحْ
سيرفرفُ يوماً على أَسْقُفِ الغُرَفِ القاهراتْ:
نحن مَنْ يزرعُ العاصفاتْ
نحنُ مَنْ يسردُ القصصَ المُوجعاتْ
نحن مَنْ يرثُ الأرضَ، والأنجمَ الساهراتْ
البناتُ، البناتُ، البناتْ.
-أشعَلتْ أُغنياتُ الكرومِ، الحنينَ، ولاحتْ مناديلُهنَّ،
كأنَّ الفضاءَ، ارتعاشٌ، كأنَّ الغناءَ، صلاةُ القناديلِ
في الدير، أوْ صرخةُ النائحةْ
أوْ كأنَّ التفاعيلَ، فاعلةٌ في معاركنا الخالداتْ
أوْ كأنّ القوافي، تقودُ المغني الحزينَ إلى الذكرياتْ.
يتراقصنَ بالحَبْلِ
كانت عصافيرهُنَّ المُلوَّنةُ الأجنحةْ
تتراكضُ فوق الغيوم الكثيفةِ،
ثمَّ تقاطعتِ الزَقزَقاتْ.
في أعالي الصنوبرِ،
دَوْزَنَ (زريابُ)، عوداً قديماً،
وَشَدْشَدَ بعضَ مفاصِلِهِ،
ثمَّ راحَ يُغنّي لأندلُسٍ قد تقومُ،
وراحَ يُراقِصُ من فَرْطِ بهجتهِ،
نَشْوَةَ الساحراتْ
البناتُ، البناتُ، البناتْ.
مِثْلَ عاصفةٍ، ولَّعَتْ صمتَ تلكَ الكرومِ،
تنهّدتِ النِسوةُ الشارداتُ،
كأغنيةٍ جارحةْ
السماءُ تُراقبُ خَبْطاتِ أرجُلهنَّ،
وداليةٌ خاطبَتْ أُختَها،
بنشيد عتيقٍ عن المذبحةْ.
– ثمّ، قُمنَ بنَفْلِ ضفائرهِنَّ على عَوْسجٍ، باكياتْ
وأدرنَ دُفوفَ القَمَرْ
سيّدي يا عُمَرْ
أنتَ مَنْ قُلتَ: إنَّ فلسطينَ، قد وُلدَتْ
مُهْرَةً حُرَّةً، تحت هذي السماءْ
فلماذا تكسَّر صوتُ السماءِ،
لماذا تقطّع هذا الوَتَرْ
هذه الأرضُ، تعرفُنا جيّداً،
والنقوشُ القديمةُ، تعرفُنا جيِّداً،
والبلاغةُ محفورةٌ في النُصوصِ،
وفي وِسْمِ أغنامهنَّ، وأغنيةِ الراعياتْ
مُنْذُ كان القِماطُ، وكانَ الكَفَنْ
لم نَجيءْ من ضواحي (كريتَ)،
ولم ننولد في اليَمَنْ
واسم كنعانَ، أجدادُنا طرَّزوهُ،
على مَتْن هذا الحَجَرْ.
سيِّدي يا عُمَرْ
قد وُلدنا على هذهِ الأرضِ
تحتَ السُفوحِ، وفوقَ السُفوحْ
وشهدنا ولادتَها، قبل طوفان نوحْ
نحنُ من هذه الأرضِ، قبل الزمان الشحيح.
-حارساتُ الكرومِ، يُواصلنَ رقْصَتَهُنَّ،
ولم تتعبِ المُنشداتْ.
طُفْنَ حول الشهيدِ، انتظرنَ المَطَرْ
سيِّدي يا عُمَرْ
أين عُهْدَتُكَ المقدسيَّةُ، أين أعالي الصُروحْ:
كاميرا، لم تَقُلْ، كيف جاءوا بقُطعانهمْ،
كاميرا، لا تبوحْ,
كاميرا، لم تقُلْ: أين كَبَّوا نفاياتهمْ،
كاميرا، تَتَشدَّقُ، حين ادّعتْ أنَّها،
ستقول الحقيقةَ في الشمسِ،
حتى الوضوحْ.
أفسدوا المُدُنَ الطاهراتِ،
لصوصُ المياهِ، لصوصُ المزارعِ،
والطاقةِ الكامنةْ
أفسدوا فِتنةَ الأمكنةْ
أحرقوا حارةَ الزعفرانِ، طريقَ الحريرِ،
مغارةَ مَهْد المسيح.
كاميرا جارحةْ
لم تَرَ الذَبْحَ، والمذبحةْ
روَّعوا الطفلَ، والشيخَ، والسيِّدةْ
كاميرا لا ترى، غيرَ هذي القُروحْ
كاميرا جاحدةْ
بنتُ كلبٍ، تُزوِّرُ حينَ تُريدْ
نحنُ نعرفُ، أنَّ الرّصاصةَ،عمياءُ،
إنْ لم تكن لعنةً للعدوّ الأكيدْ.
كاميرا، لم تشاهدْ، ولم تستمعْ، للنشيد،
الذي أشعلَ الحارساتْ
حارساتِ الرموزِ الجديدةِ، والكائناتْ
البناتُ، البناتُ، البناتْ.