القدس- معا- صدر حديثا عن دار لوسيل كتاب " ملامح الرواية الفلسطينية الجديدة بعد أوسلو" للناقد تحسين يقين، تناول فيه العديد من الروايات التي صدرت بعد اتفاقية أوسلو، حيث قام الكاتب بتقديم دراسة عامة في الجزء الأول، في حين خصص في الجزء الثاني نصا نقديا وافيا لكل رواية على حده.
يمنح الكتاب وفقا للكاتب "فرصة لتأمّل ومقاربة - ومقارنة الرواية الفلسطينية قبل أوسلو وبعدها، حيث سيحكمون إلى أي مدى تعانقت الذاتيّة والموضوعيّة، بين الشخصي والعام - الوطني، وإلى أي مدى كان العُمق ظاهراً. وهناك فرصة لتأمّل الواقع الاجتماعي من خلال حضور المرأة. لعل ذلك يؤسس لرواية جديدة..إنه تفكير في الخلاص الفردي والجمعي، وهو تحدٍّ للإنسان والكاتب المعبّر عن رحلة هذا الإنسان تحت الاحتلال من جهة، وتحت ظروف تأسيس كيانيّة وطنيّة، فيها نزعة السيادة على الأفراد لا على الأرض، وردود أفعالنا في التشبّث بالمكان".
ويضيف يقين: لذلك يمكن أن نلمح نقد الرواية للطبقيّة الفلسطينية الجديدة بل والسخرية منها، والانحياز نحو بقاء الشعب لا النُخب، مما يعني أن النقد السياسي هنا لم يكن لذاته فقط.
ويوضح ذلك من خلال أن للحياة الاقتصادية والاجتماعية دورا في تشكيل شخصية الإنسان، لذلك فإن تأثيرات مرحلة أوسلو لم تقف عند التأثير السياسي، بل امتدّت عميقاً في الجذور، فكادت سلوكيات تنتهي، لتحلّ محلّها سلوكيات جديدة، ارتبطت بنُخب جديدة، ذات دخول اقتصادية عالية، أثّرت كثيراً على دوافع المواطنين. فلم يكن سهلاً ألا تؤثّر علينا الليبرالية الجديدة، وما تبعها من سوق حرّة تحت الاحتلال، جعل ملامح الفقر الباهتة ظاهرة للعيان.
وقد صدر الكتاب بتقديم الناقد المقدسي المعروف إبراهيم جوهر، الذي رأى في الكتاب "جهدا أدبيا وأكاديمي واعيا، قام بتشخيص ذكي لمرحلة تاريخية ما زالت تنتظر المزيد من البحوث والدراسات لاستخلاص النتائج واقتراح التوصيات، سعيا وراء الإبداع المطلوب سياسيا وأدبيا وعلميا واقتصاديا".
وحول أسلوب الكتاب، يقول جوهر بأن يقين "أحاط مختاراته الروائية برؤيته المنهجية الخاصة به على طريقة "طه حسين" ذي المنهج التكاملي، فهو هنا يأخذ من كلّ نظرية بطرف ويضيف من نفسه وثقافته مستندا للتجربة الروائية المدروسة. وهو بذا يقدّم منهجا جديدا أراه مقبولا في زمن يشهد تحطيم القوالب بحثا عن جديد يعتمد على ماض كان فاعلا."
وحول اختيار الكاتب لعدد من الروايات في الكتاب، ذكر الناقد المقدسي إبراهيم جوهر "أنّه ليس مطلوبا من الكاتب الإحاطة الشاملة بما صدر جميعه، لأنّ دراسته ليست رسالة بحث أكاديمي، بل اكتفى بما يمكن القول فيه: إنّها عيّنة دراسية، في انتظار من يكمل الطريق شمولا ودراسة وتشخيصا".
ويتفق الكاتب مع ما ذكره الناقد إبراهيم جوهر حول المنهجية قائلا: "إن الاهتمام يجب أن يكون مُنصبّاً على النص كأدب وليس شيئاً آخر، وأن يغلّب الناقد الجوانب الإبداعية على أي شيء آخر، وهذا شرط خلق النقد الإبداعي؛ فلا يعني ظهور المدرسة الإبداعية القائمة على النص أن ننسى دور المدارس الأخرى التي تساعدنا في الفهم والتحليل والاستشراف".
من جهتها ذكرت دار النشر "لوسيل"، على صفحة الغلاف أن الكتابي شكّل رصدا لنصوص متأثرة بالسياق الفلسطيني، وجدت لتؤثر فينا أفرادا وجماعات، بل وأمما وشعوبا تتضامن مع همنا ومعاناتنا، بالانطلاق من دور الأدب التنويري والإنساني والجمالي". وحول تجربة الجيل الجديد في الرواية الفلسطينية، ذكرت دار النشر لوسيل "بإننا نحن إزاء أجيال جديدة، لم تمتلك موهبة الكتابة فقط، بل استطاعت أنسنة السياق النضالي، فابتعدت عن المباشرة والشعار، مقتربة من عوالم النفوس، والتي نظنها قد وصلت إلى المنابر والجوائز العالمية لأنها قدمت أدبا إنسانيا، وصف رحلة الفلسطيني كإنسان يعيش جملة هموم واهتمامات، جعلته يرى بعمق نفسه ومجتمعه وقضيته"
وأضافت أن "الاتجاهات الجديدة التي تنمو وتتطور على أيدي كتاب وكاتبات التسعينيات وما بعد، تشكل الأدب الجديد، الذي يقدم المكان الفلسطيني المعاصر، ولا يقف فقط عند الحنين من جهة، والتراث والفولكلور من جهة أخرى، باتجاه الحداثة وما بعد الحداثة. إضافة أنه من ناحية تاريخية يرصد أثر التحولات السياسية التي واكبت اتفاقية أوسلو عام 1993، على الحياة الفلسطينية التي تجلت في الرواية بشكل خاص، حيث يطمح هذا الكتاب تسليط الضوء عليه.. ليقوي أسباب البقاء هنا في ظل كولينيالية عسكرية تلغي الإنسان وتنفيه من أرضه".
واختتمت لوسيل قولها "بأن تطور الرواية على أيدي الأجيال الجديدة، يعني بناء الروائيين/ات على ما تراكم من إرث عربي وعالمي، مما يشير إلى تفاعلهم مع المكان هنا بدوافع الانتماء والوفاء، ومع الزمان الذي يعني فيما يعنيه من وجود الإنسان على هذه الأرض المتعرضة للاستلاب منذ قرن، وما يمنحه ذلك من أمل الاستمرار، ما يعني أن الرواية ، تكتسب بعدا وجوديا على المستويين الأدبي والوطني الإنساني، وهذا ما جاء الكتاب لينير عليه".