بقلم: د. صبري صيدم
أعادت انتخابات الكنيست الصهيوني الأخيرة تذكيرنا بملوك الطوائف في الأندلس، وهم يتساقطون تباعاً في شرك ملوك إسبانيا، بعدما تنازلوا عن تلاحمهم وترابطهم، وقرروا اللجوء إلى تحالفات واهمة مع خصومهم، على أمل البقاء والثبات ودرء المخاطر.
فعلى قاعدة «عدو عدوي صديقي» ذهب ملوك الطوائف نحو الإطاحة بتاريخ أسلافهم وأمجادهم، لينسجوا تفاهماتهم البائدة، ويسلحوا جيوشهم ويدعمون حصونهم، فسقطوا سقوطاً مريعاً، وخارت حصونهم ليعلن ملوك إسبانيا نهاية الحكم الإسلامي لإسبانيا وتوحيد إسبانيا الشعب والأرض.
ما أشبه اليوم بالأمس، مع قرار نتنياهو تغيير خريطة الخصوم، واشتراح جبهة مساندة له أصبحت تعرف بـ»بيضة القبان» في المشهد السياسي الإسرائيلي، ليحرر ذاته من سطوة مناهضيه، ويخلق لذاته شبكة أمان تساهم في بقائه في عرشه، وهروبه من المقصلة السياسية، وملفات الفساد.
وبجهد استخباراتي واضح، وصل معسكر نتنياهو إلى خاصرة رخوة قادرة على كسر المحظور، والدخول في التحالف معه مقابل إغراءات وهمية، ووعود براقة سيرى أصحابها زيف حقيقتها ومرامها.
ولعل الأكثر إيلاماً في الأمر أن يقرن اسم الخاصرة الرخوة بالإسلام والعروبة، وأن يصدر عن مملكة الطوائف الجديدة تلويث واضح للأسرى الفلسطينيين، بوصفهم صراحة بالإرهابيين مقابل حزمة أكاذيب لا طائل منها.
وعليه فإن تقهقر القائمة العربية المشتركة من 15 مقعداً إلى 6 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، لهو بمثابة الدليل الأوضح على النتائج الكارثية لولادة مملكة طوائف جديدة، على بعد آلاف الأميال من شواهد التاريخ، التي قادت إلى الهلاك والانهيار.
اليوم تقف فلسطين التاريخية حزينة لما آلت إليه الأمور، ليس فقط أمام انحسار القائمة المشتركة فحسب، وإنما لقرار البعض الواضح، ومع سبق الإصرار والترصد، بعدم الاستفادة من دروس التاريخ وعبره. منصور عباس، حليف «أبو يائير» الجديد، يحتاج لأن يعيد قراءة كتب التاريخ ليعي تماماً حجم الطامة التي تنتظره وفصيله المتحالف مع نتنياهو المأزوم.
عليه أن يدرس ملياً مصير التحالفات الهشة القائمة على المصالح والأكاذيب، عله يقتنع بأن أدوات النصب والحيلة التي تبناها حليفه الجديد، إنما ستعني تكرار التاريخ ووصول المقصلة المعنوية والسياسية والأخلاقية إلى رقبة المتخاذلين الأنداد.
إن إعادة إنتاج ممالك الطوائف، هذه المرة في فلسطين التاريخية، يشكل طوق النجاة لغارق ملّ خصومه فاخترق الحلقة الأضعف بحثاً عن الخلاص. فهل نرى مراجعة جادة في الوسط العربي بكل مكوناته، أم انشطاراً متواصلاً في عالم العمل السياسي العربي في دولة الاحتلال؟ الأيام هي الحكم!