بقلم: د. صبري صيدم
منذ سنوات طوال يقاتل رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو للبقاء في سدة الحكم مهما كان الثمن، ليس لإرضاء طموحاته السياسية فحسب، بل أيضاً لقناعته بأن اليوم الأول بعد مغادرته السلطة سيكون بمثابة محطته الأولى في زنزانة الشرطة الإسرائيلية، لما راكمه من قضايا فساد وملف عريض من التحقيقات التي ثبت تورطه فيها.
شيلوك السياسة الإسرائيلية اليوم، الذي أصبح يقارع الزعماء العرب من حيث طول بقائه في الحكم، بعد أن أصم العالم بالحديث عن الديمقراطية باعتبار إسرائيل، وكما يقول نتنياهو واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ابتكر لنفسه طريقة في الحكم يحافظ من خلالها على انعدامٍ في الوزن يقود إلى إطالة بقائه في الحكم.
وتستند هذه الطريقة إلى التحايل والإخلال في القوائم الممثلة في الكنيست الإسرائيلي، عبر تحالفات حكومية وخلافات مفبركة تقود إلى انعدام الاستقرار السياسي، بصورة تدفع نحو انتخابات متواصلة تبقي على الشلل السياسي وبقاء نتنياهو في الحكم أطول مدة ممكنة.
وعليه يشترح نتنياهو لنفسه استدامة مصطنعة على مقعد رئيس الحكومة، وفق تحالفات هشة تخلق له حكومة متى يشاء، ولا حكومة متى يشاء أيضاً.
وتمكنه هذه الأرجحة السياسية مع كل محطة لا تعجبه، بأن يدعي بأنه لا يملك الحكومة لاتخاذ القرار، بينما في محطات أخرى توائمه، يدعي بأن لديه أهلية حكومية لاتخاذ القرار. فلا مجال لاتخاذ قرار بخصوص اتفاقيات اقتصادية لا تعجبه، ولا مجال لقرار حول تصويت الفلسطينيين في القدس، بينما هناك قرارات لتوسيع المستوطنات، وهدم بيوت الفلسطينيين، وسرقة أرضهم، وهدم منازلهم وبناء مستوطنات جديدة، وتوقيع اتفاقيات تطبيعية، وتطبيق قرارات عنصرية يتنافس في إصداره مع خصومه من اليمين على قاعدة أنك كلما نكلّت بالفلسطينيين أكثر زادت شعبيتك وسط أحزاب التطرف الإسرائيلية على اختلافها.
نتنياهو لا حكومة لديه تارة، ولديه ما يتجاوز الحكومة والعالم تارة أخرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بقمع الفلسطينيين والتنكيل بهم، عبر نصب الحواجز عند البلدة القديمة، كما جرى في باب العامود وباب الخليل، إضافة إلى تعطيل الأعياد المسيحية، ومهاجمة المصلين كما جرى عند كنيسة القيامة وغيرها من الكنائس خلال احتفالات عيد الفصح، ومصادرة البيوت في الشيخ جراح، عبر ادعاءات كاذبة، وقمع المصلين ومهاجمة المساجد، كما في المسجد الأقصى وقبة الصخرة وساحتهما.
نتنياهو لديه القرار في الإصرار على قتل الفلسطينيين واستكمال تنفيذ ما تبقى من أجزاء صفقة القرن، وإنجاز خطة الضم ومهاجمة قطاع غزة وقتل الأبرياء فيه وقصفه براً وبحراً وجواً. نتنياهو ملك المراوغة، خاصة وهو يفتت من خصومه أعضاء الكنيست العرب، ويستميل بعض المتواطئين منهم ممن لبسوا نفافاً وكذباً لباس الدين كمنصور عباس، نحوه ونحو معسكره المتطرف.
نتنياهو قادر على إسكات المطبلين العرب ممن أشبعونا وعوداً بأن تطبيعهم سيعود بالنفع على فلسطين، فوجدناهم أول الصامتين عندما شنت الحرب على الشيخ جراح وباب العامود والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
حكومة اللاحكومة، أو الحكومة حسب الطلب هو الاختراع الجديد الذي أوجده نتنياهو للبحث عن خلاصه من واقعه الجنائي الصعب، على أمل أن يصدر الرئيس الإسرائيلي ذات يوم قراراً بالعفو عنه.
سيسجل التاريخ حتماً بأن لا موبقة سياسية أو جنائية وعسكرية أو قانونية، إلا وارتكبها نتنياهو خلال توليه منصبه، ليصبح بامتياز، ملك المراوغة الدولية.