رام الله- معا- أصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" تقريراً توثيقياً حول تدمير الأبراج السكنية خلال العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ مساء يوم الإثنين 10 أيار الجاري واستمر 11 يوماً، وأدى إلى تدمير ستة أبراج، وشنت طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات جوية عنيفة على قطاع غزة ترافق مع قصف مدفعي عشوائي وآخر من بحرية الاحتلال المتمركزة قبال شواطئ القطاع. استهدف القصف الإسرائيلي بشكل أساسي الأعيان المدنية والبنية التحتية، مثل المنازل والمقرات الحكومية المدنية والمدارس والشوارع ومحطات تحلية المياه، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 254 مواطنا حتى يوم 26 أيار الجاري، وإصابة الآلاف وإلحاق ضرر كبير بالبنية التحتية، وكان لافتاً خلال هذا العدوان تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف الأبراج السكنية.
وبين التقرير أن عدد الأبراج التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي ستة أبراج، خمسة منها تم تدميرها بشكل كامل، وهي برج هنادي، برج الشروق، برج الجوهرة، برج الجلاء، برج أنس بن مالك وجميعهم يقعون في مدينة غزة، وبحسب بيانات صادرة عن المركز الإعلامي الحكومي في قطاع غزة فقد بلغت حصيلة الوحدات السكنية التي استهدفها جيش الاحتلال الإسرائيلي (1174) وحدة ما بين الهدم الكلي والجزئي، فيما تضرر ت أكثر من (7073) وحدة سكنية بأضرار متوسطة وجزئية. وقد بلغ عدد البنايات التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل (156) بناية، ليبلغ عدد الوحدات السكنية المدمرة كلياً وفق مركز الميزان لحقوق الإنسان (449) وحدة سكنية.
إن استهداف الأبراج المدنية وبالنظر إلى ما تضمه من شقق سكنية كثيرة ومكاتب تجارية وغيرها، ولا تقتصر الآثار السلبية على التدمير المادي للمنشأة المستهدفة فقط وإنما يتعداه لبث الذعر والخوف في نفوس المدنيين والخسائر الاقتصادية الفادحة نتيجة لذلك (تقدر الخسائر الاقتصادية الأولية لتدمير الأبراج حوالي "16,860,000" دولار أمريكي)، بل إنها أيضاً جعلت مئات العائلات بدون مأوى، وجعلت المئات أيضاً دون عمل، حيث إن تدمير الأبراج يعني تدمير أماكن عملهم واسترزاقهم، هذا بالإضافة إلى تدمير أماكن الترفيه والثقافة التي ضمتها العديد من الأبراج المستهدفة، فهي أيضاً لها بعد ثقافي مهم. كما أن تدمير الأبراج المدنية يكرس سياسة العقاب الجماعي وأعمال الانتقام والثأر التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
واتبع جيش الاحتلال تكتيكاً معيناً في استهدافه للأبراج، حيث إنه قام بالاتصال على ملاك البرج، طالباً منهم إخلاءه من السكان بالكامل خلال بضعة دقائق، لا تكون كافية لخروج السكان (إنذارات وجيزة)، وبدأ يقصف البرج بصواريخ صغيرة الحجم من طائرات الاستطلاع وهي معروفة بـ "الصواريخ التحذيرية" التي تكون قاتلة بالرغم من صغر حجمها، ومن ثم يقوم بقصف البرج بقنابل شديد الانفجار من أجل تدميره بالكامل وتسويته بالأرض، وقد كشف تحقيق لقناة الجزيرة أن هذه القنابل هي الأرجح من نوع (GBU-31/ GBU-93) وهي قنابل تم تصميمها من أجل اختراق المواقع العسكرية شديدة التحصين وتزن في العام (110 كيلو غرام).[1]
وفقاً للاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949وبروتوكولها الأول الإضافي لسنة 1977، فإن الأطراف ملزم بحماية الأعيان المدنية "الأعيان المدنية لا تكون محلاً للهجوم أو لهجمات الردع (مادة 52 من البروتوكول)؛ وتحظر المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية. واعتبرته من المخالفات الجسيمة، ونصّت المادة (25) من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 على "تحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أيًا كانت الوسيلة المستعملة".
إن استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل متعمد للأبراج المدنية في عدوانها الأخير على قطاع وفي عدوانها في العام 2014، يمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنسان، وهي جريمة حرب مكتملة الأركان وموجبة للمساءلة، بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998.
وخرج التقرير بجملة توصيات تمثلت في قيام هيئات الأمم المتحدة الإنسانية لا سيما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" بشكل عاجل وفوري في توفير المأوى للمواطنين الفلسطينيين الذين تم تدمير منازلهم بفعل قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمنشآت والأعيان المدنية، وإغاثتهم بشكل عاجل بتوفير ما يحتاجونه من مقومات الحياة الأساسية. وقيام الحكومية الفلسطينية في الضفة الغربية بشكل فوري برصد موازنات طارئة لإغاثة المنكوبين في قطاع غزة، وفي توفير ما يحتاجه القطاع من مواد طبية وإغاثية وغيرها. وقيام المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق خاص بجرائم الحرب المحتملة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة باستهدافه للمدنيين والأعيان المدنية، خاصة بعد أن قبلت المحكمة في مارس 2021 اختصاصها في النظر والفصل في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل. وضرورة قيام الحكومة الفلسطينية خطة من أجل إعادة إعمار غزة.