الجمعة: 08/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العليل واللجوء والشوق

نشر بتاريخ: 01/06/2021 ( آخر تحديث: 01/06/2021 الساعة: 19:18 )
العليل واللجوء والشوق

بقلم: الدكتور سهيل الاحمد

يطلب العليل علاج نفسه ويبتغي نزع الألم من جسده ، فيعمد للبحث عن أسباب ذلك ويلتمس ما يثبت العلاج المستقر، ويحرص على حفظ الصحة ودوام البهجة المستمر، فيجد نفسه تستروح بنسيم أرضها، مستذكرة طبيعة الأرض المجدبة وكيف أنها تستمتع بربيع الخضرة، وتستروح بوابل المطر، فهو أي استرواح المطر متعتها وسعادتها وحياتها وخضرتها وبهاؤها.

وهذه حقيقة نفس المشتاق. والتفكر في لذة العناق. والتألم لقسوة الفراق.

التي لا يشعر بها إلا من وقع فيها أو لامسها أو لاقى ألمها ومرارتها.

فإذا أردت أن تعرف وفاء المحب ودوام عهده، وحقيقة توجهه، ومدى صدقه؛ فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وإلى شوقه إلى أحبائه وخلانه، وكيف كان تلهفه على ما مضى من زمانه، وما مدى احترامه لمخالفيه أو أقرانه.

هل يسعد نفسه بالذكرى؟ أم يجعل لها مما وقع به العبرة، فينطلق إلى أن يشعر نفسه بأهمية اللقاء بالمحبوب وبعقم الفراق والمجافاة وطرد المرغوب، ويذهب إلى تعويض ما فاته من الخير والرضا والحب المسلوب.

فصبرك على ما مضى مما يتسبب في راحة نفسك دلالة على دوام ودك وسعة صدرك، لأنك أنت من ابتعد عن حبيبه وكنت مرغماً على ذلك فقد ناجزك مخالفوك حقك، وألجأوك إلى الفراق وتسببوا ببعدك، هم لم يشعروا بالحزن أو الشوق ولا حتى الأذى... بل ألزموك بالنظر القليل،

وحاربوك في خضرة نفسك وجمال حبك فأزالوا منه ظل النخيل،

ونازلوك في موقعة غير متكافئة بلا وجه حق ولا حتى تعليل،

فنظرت فيما آلت إليه جوانبك ومظاهر غربتك فأصبحت لذلك عليل،

وقد طلبت بأن يعينوك أو حتى يخالطوك بمعاملة اللطف والتسهيل،

فما كان موقفهم إلا أن أبغضوك واعتبروك بأنك على حقك دخيل،

فقلت لهم إن غربتي عمن أحب هي دافعي للقاه وتذكره، والتفكر فيه وتقبله، وإن انعدام هذا مني يجعلني بخيل،

فألزمت نفسي أن استرجع طبعي واسترواح نفسي وجمال روحي بتحصيل ما فقدت من الظل الجميل،

وأخبرتها ألا تقلقي فموقفي من حبيبي لأراه وأناجيه وأستمتع بحقي فيه لهو الأمر الفضيل،

وتعمدت المطالبة والمخاطبة وحتى المدافعة والمحاربة لأكون لمفارقي عن أحبتي ولمضعفي عن بهجتي السبب المزيل،

فلا خير فيّ إن لم أطلب الحلال المكتوب،

ولا خير كذلك إن لم أستعد الحب المسلوب،

لأن من قصر في لحظات جمال حياته وباع محبيه وأصدقائه قبل وفاته، فهو كمن سرق من بيت نفسه لأجل أن يسعد مبغضيها، فلا هي ( أي نفسه ) تسامحه ولا مبغضه يكافئه، فيكون قد أوبق نفسه فأوقعها فيما يحرمها حقها وما يضعف مطلبها، وكان حاله كمن استمرأ البعد ورضي الضنك وأبى الراحة والريحان والمتعة والحنان، واللقاء بالأحبة والخلان،

وهنا يعالج العليل نفسه فقام وبحث عن مكان الألم عند طبيب مؤهل ناجح لم يشترط فيه المزاولة، وإنما الاقتصار فيه على المعرفة وقوة المحاولة،

وهذا متحقق في الاسترواح عند الحبيب ومع المحبوب في ظل الشجر وجمال القمر من خلال تمام الإيمان بالقضاء والقدر بمراجعة الحب مع الوطن والحبيب، واستعادته بعد أن كان سليب، بفهم ودون إبقاء الحال على وضع التغليب .

وهذا أصل الحق اللازم الإتباع، والمطلوب له الإعادة والإرجاع، فتعلم أن لا تبعد نفسك أيها الحبيب عن حقك في محبوبك بحجج النسيان أو الإحجام، وترك الإقدام، أو التحلي بقلة الأفهام والإفهام، لتحيا دوماً وأبداً بمحبة وكرامة وسلام.