بيت لحم- معا- شهدت علاقات إسرائيل توترات غير مسبوقة مع الحزب الديمقراطي الأميركي -الذي ينتمي إليه الرئيس جو بايدن- إثر عدوانها الأخير على قطاع غزة، حيث طالب عدد من نواب الحزب في الكونغرس بوقف مبيعات السلاح لإسرائيل، ونادى آخرون بضرورة وضع شروط على المساعدات العسكرية السخية التي تقدمها بلادهم لإسرائيل.
واستخدم بعض الديمقراطيين لغة جديدة في جلسات الكونغرس وصفت إسرائيل بدولة الفصل العنصري، وأكد آخرون أن "حياة الفلسطينيين مهمة"، كما طالب البعض بإنهاء العلاقات الخاصة بين الدولتين.
ومع تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة يغيب عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المقرب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل علاقات إسرائيل مع الحزب الديمقراطي بعد فترة اهتزاز كبيرة في علاقات الطرفين خلال السنوات الأخيرة.
ولا يمثل الهجوم الديمقراطي على إسرائيل نمطا متكررا في مواقف الحزب من إسرائيل، بل هو خروج على التقاليد التاريخية في الدعم الواسع لها منذ لحظة تأسيسها عام 1948.
دعم تاريخي
فعلى مر التاريخ الأميركي كان نواب الكونغرس -سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين- هم الجهة الأكثر ميلا في إظهار الدعم الأكبر لإسرائيل.
ومنذ إنشائها نالت إسرائيل دعما كبيرا من الحزب الديمقراطي، ومنذ اللحظات الأولى لتأسيسها اتخذ الرئيس الديمقراطي هاري ترومان قرار الاعتراف الفوري، وهو ما كان له أثر إيجابي كبير على مستقبل إسرائيل.
ونالت إسرائيل دعما واسعا من الديمقراطيين على مدار تاريخها، إلا أن هذا الدعم يتعرض لاختبار منذ عام 2018 تزامنا مع وصول ممثلي تيارات جديدة ضمن الحزب للكونغرس وتقرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الشديد من التيارات الجمهورية المحافظة.
وفي الوقت الذي لم يتوقف فيه دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل كما ظهر في تعليقات ومواقف الرئيس بايدن الذي يمثل وجهة النظر التقليدية المشددة على أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حماس الصاروخية" إلا أنه عبر عن الاهتمام بأوضاع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، واعتبر أن سياسات الاحتلال تساهم في محنتهم.
تغير بطيء
ومع تحول تشكيلة أعضاء الكونغرس لتعكس التنوع الذي تشهده التركيبة السكانية الأميركية بدأت هذه التغيرات تعرف طريقها إلى مواقف الكونغرس من إسرائيل.
ونتج عن انتخابات 2020 كونغرس جديد يضم بين أعضائه 23% من السود أو اللاتينيين أو الآسيويين وفقا لدراسة أجرها مركز خدمة أبحاث الكونغرس، وقبل عقدين من الزمن كانت هذه النسبة تبلغ 11% فقط، في حين كانت في عام 1945 ما يقارب 1% فقط.
وكشفت ردود الفعل على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عن مدى تحرك مركز الثقل السياسي في الحزب الديمقراطي بشأن الصراع العربي الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، وعكس ذلك التحرك على وجه الخصوص تغير مواقف الأجيال الشابة الديمقراطية نحو المزيد من التعاطف مع الفلسطينيين.
وقد أدى تنوع الخلفيات العرقية داخل الحزب إلى تنوع أوسع في وجهات النظر، وأصبح هناك تيار تقدمي داخل الحزب الديمقراطي يضم عضوات الكونغرس التقدميات المعروف عنهن الدعم الواسع للفلسطينيين.
ويدين تنوع الآراء داخل الحزب الديمقراطي بالفضل إلى السيناتور اليهودي الاشتراكي بيرني ساندرز الذي تبنى خطابا سياسيا داعما للفلسطينيين خلال حملتيه الرئاسيتين لعامي 2016 و2020 وكسر محظورات سياسية أميركية تقليدية.
وقد ترجم ساندرز ذلك في الدعوات المتزايدة لقطع المساعدات العسكرية الأميركية عن إسرائيل، أو على الأقل استخدام التهديد بالقيام بذلك للضغط على نتنياهو لوقف هجماته على المدنيين في قطاع غزة.
دعم الناخبين
ويعتمد مستقبل الحزب الديمقراطي على استمرار دعم الناخبين غير البيض والناخبين الأصغر سنا، والأغلبية العظمى من هاتين الفئتين تدعم بشدة الحقوق الفلسطينية وتتبنى موقفا أكثر انتقادا للسياسات الإسرائيلية، ولا يمكن للحزب الديمقراطي الابتعاد كثيرا عن تفضيلات قاعدته الانتخابية.
وكشف استطلاع للرأي أجرته شبكة فوكس الإخبارية (Fox News) على 1003 مواطنين أميركيين في الفترة من 22 إلى 25 مايو/أيار الماضي أن معظم الأميركيين يؤيدون إسرائيل في صراع الشرق الأوسط، إلا أن نسب التأييد تنخفض بصورة كبيرة في صفوف الديمقراطيين.
وبشكل عام، يتعاطف 59% من الأميركيين مع إسرائيل، في حين يتعاطف 24% منهم مع الفلسطينيين، ومن بين الجمهوريين فإن 78% يدعمون إسرائيل، فيما يدعم 10% منهم الفلسطينيين.
أما على الجانب الديمقراطي فقد أظهر استطلاع شبكة فوكس دعم 42% من الديمقراطيين لإسرائيل، مقابل دعم 35% منهم للفلسطينيين.
زيارة إسرائيلية
وفي تغريدة له اعتبر مدير برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي وليام ويشلر أن "الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد هش، لكنه قادر على تحقيق هدف حاسم وهو إعادة إحياء دعم الحزبين الأميركيين لإسرائيل".
وطالب ويشلر رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بتنظيم رحلة مبكرة إلى الولايات المتحدة، وأن يغتنم الفرصة بالتعهد علنا بأن إسرائيل ستقاوم الانحياز إلى أي طرف في الولايات المتحدة، وأن يعلن أن العلاقة الثنائية يجب أن تكون ثنائية الحزبين في جوهرها إذا ما كان لها أن تستمر.
وأضاف ينبغي له أن يكرر هذه الرسالة مع كل من المسؤولين الديمقراطيين والجمهوريين، لأنه من خلال مثل هذه الزيارة يمكن لنفتالي بينيت أن يطوي صفحة نتنياهو المعادية للديمقراطيين، وأن يساعد في إرساء قاعدة جديدة تسمح بعودة العلاقات لسابق عهدها غير الحزبي. -"الجزيرة"