بقلم: د. صبري صيدم
ليس حباً برئيس الحكومة الجديد بل كرهاً بنتنياهو، سارع أبطال الإعلام الاجتماعي، إسرائيليين وعرباً وعجماً، للاحتفال بخروج الأخير من واجهة السلطة، بعد اثني عشر عاماً عجافاً قضاها في رئاسة الحكومة، وثلاثين عاماً قضاها في الحقل السياسي، لم يبق من خلالها جرماً سياسياً أو ميدانياً أو عسكرياً إلا وارتكبه بحق الشعب الفلسطيني.
ومع أبطال الإعلام الاجتماعي، انتفض جيش المغردين الأجانب، من رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء خارجية للتهنئة والتبريك بمجيء نفتالي بينيت إلى السلطة، ربما فرحاً بزوال بلطجية نتنياهو، أو سرعة في إبداء الولاء والطاعة لسيد العرش الصهيوني الجديد.
أما الطيبون من أبناء شعبنا العربي الفلسطيني فقد لجأوا، مع تأكدهم من تنصيب الحكومة الجديدة إلى مثل عربي جميل لتوصيف القادم والمطرود ليقولوا: فولة وانقسمت نصفين، أو في مقولة أكثر دقة: بينيت ونتنياهو وجهان لعملة واحدة.
نتنياهو «المفلوق» غيظاً الذي قرر الغياب عن حفل الاستلام والتسليم، كما حليفه المأزوم ترامب، حاول في لحظاته الأخيرة تذكير المجتمع الإسرائيلي بمآثره، وما قدمه لخدمة شعبه الجاحد، وأنصاره السابقين، وموظفيه الأسبقين، ومنهم بينيت، الذي شغل منصب مدير مكتبه ذات يوم، لكن هيهات هيهات: الناس مع الواقف! ليس فقط في العالم الثالث، وإنما أيضاً في دولة الاحتلال.
وإلى جوقة المرحبين انضم بايدن، الذي أخذ شهرين قبل أن يتصل بنتنياهو، لكنه لم يأخذ سوى ساعتين ليتصل بخلفه مهنئاً، وهو ما زاد من غيظ نتنياهو واستشاطته.
حتى أن بعض أبناء جلدتنا سارعوا للتعبير عن فرحهم بطرد نتنياهو من المشهد السياسي، واقترابه من السجن، مع معرفتهم بأن بينيت الذي تفاخر بأنه قتل فلسطينيين ذات يوم، لن يكون الخيار الأفضل، أو حتى أفضل من سابقه، حتى إن ضم إئتلافه بعض اليسار والعرب، ممن باعوا أنفسهم مقابل تفتيت وحدة الصف والصوت العربي في الداخل.
فرحة البعض العربي والغربي ورسائل التبريكات وتغريدات المهنئين كلها يجب أن تدفع المتحمسين للحكومة الجديدة في إسرائيل إلى التريث، فبيان الحكومة الصهيونية الجديدة، ومواقفها المعلنة لا تبشر بخيرٍ إطلاقاً، خاصة أنها لم تشر أبداً إلى حقوق الفلسطينيين، وحل الدولتين وإنهاء الصراع.
الأخطر هو ما ورد في تغريدات الزعماء الأجانب، الذين حاولوا في معظمهم الإشارة إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من دون مرور تغريداتهم على حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية، أو وقف الاستيطان، بل ذهب البعض، مثل وزيري الخارجية الألماني ونظيره النمساوي، وحتى اليوناني، إلى تجنب الإشارة إلى الفلسطينيين بصورة واضحة وفاقعة.
الملاحظ أن جميع المهنئين قد أشاروا إلى ما سموه، قيم إسرائيل، وديمقراطيتها وتقدمها، مشيدين بعلاقاتهم الثنائية، ومؤكدين على التزامهم بأمن إسرائيل ورفعتها ونهضتها، بل إن البعض أوغل في نفاقه فأصر على وقوف بلادهم إلى جانب دولة الاحتلال «مدى الحياة».
كل هذا النفاق لحكومة الاحتلال، واسترضاء الصهاينة الجدد واللوبيات الصهيونية، إنما يستوجب وقفة جادة للتفكير والتمحص. فالرأي العام الشعبي في ألمانيا وبريطانيا مثلاً، إنما ينحاز لفلسطين، وأن حجم التغريدات والمنشورات المساندة للحق الفلسطيني الخارجة من منصات الإعلام الاجتماعي في ألمانيا، إنما هي أكثر بملايين المرات من تلك المؤيدة لدولة الاحتلال، لكن وللأسف فإن الحكومات ما زالت لا تعبر عن رأي شعوبها خوفاً من سحق ومحق اللوبي الصهيوني لها، وهو ما يدلل على أن تلك الدول لم تتعلم حكوماتها الدرس من العدوان الأخير، بل تستمر في تبجيل الصهاينة، والتهليل لهم، ومداهنتهم على حساب الحقوق والدماء الفلسطينية.
موقف آمل أن يقابل بالتفكر والتبصر المطلوبين، باتجاه استعادة وحدتنا الفلسطينية، وعدم إهدار الإنجازات الأخيرة، وتضييع الفرصة الذهبية التي نتجت عن انقلاب الرأي العام العالمي لصالح فلسطين، فهل نتعظ؟