الكاتب: السفير منجد صالح
استقيت هذا العنوان من "مجلّة العربي" العريقة التي تصدر من دولة الكويت الأبيّة، حيث زاوية في نهاياتها تحت هذا العنوان: "حضارات سادت ثمّ بادت".
والحقيقة أنني عاشق لمجلّة العربي وقارئ لها منذ سنوات وسنوات.
هذا العنوان ربما يُحفّزني للقيام بمقاربة مُتأنّية، على نار هادئة، وبعيدا عن صخب وضجيج الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي - بالمناسبة ليس لدي فيس بوك – لما يجري على الساحة الفلسطينية.
بدابة وحتى لا نُجانب الموضوعيّة والحقيقة والواقع والصواب علينا أن نُقرّ ونعترف بأن القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة قد واجهت ظروفا صعبة ومُتداخلة ومُركّبة "ومُكركبة"، وربما هذه هي "طبيعة" القضية الفلسطينية منذ نشأتها، والتي تمحورت وتتمحور في حلّ "المسالة اليهودية"، التي انفجرت في أوروبا على أيدي الأوروبيّين أنفسهم، غداة وعشيّة الحرب العالمية الثانية، على حساب الشعب العربي الفلسطيني المظلوم الغافل وأرضه وحياته، "ويا غافل إلك الله".
أمّا وقد وقع "الفأس في الرأس"، وأصبحت فلسطين كُلّها محتلّة، بتدرّجات ودرجات مُتفاوتة، من النهر إلى البحر، فإننا كشعب فلسطيني قد صارعنا وما زلنا نصارع "ومن المُؤكّد بأننا سنستمرّ نصارع"، تلك وهذه الموجات الصهيونيّة العاتية، التي تهدف وتريد وتعمل على تطبيق المقولة الصهيونية منذ مؤتمر بازل 1897: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
هل يروننا الصهاينة حقّا منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا؟؟؟!!!
وهل نرى نحن أنفسنا، ونرى بعضنا بعضا؟؟؟!!!
وهل بحرُنا وبرّنا المُحتلّ "بالكامل" يتسّع لصراعنا ونضالنا العادل ضدّ مُحتلّينا، وفي نفس الوقت لصراعنا "المحموم والمُحتدم" بيننا وبين أنفسنا، أي بعبارة أدق: "صراع الإخوة الأعداء"، بالتجلّيات المُتعدّدة!!!".
أريد أن أؤكد على حقيقة ناصعة البياض في هذا المجال والصدد وهي أنّ "أمريكا وإسرائيل لا تأبه بنا ولنا جميعا "دون إستثناء"، وأنّ أي "طرف" يعتقد "سذاجة" بأن لديه الحظوة لدى هذين "الثعلبين" إنّما "يزرع مقاثي في البحر"، ويُشيّد "قُصورا من زبد"، فنحن في أحسن أحوالنا لا نعدو أن نكون لا أكثر ولا أقل من "حجارة شطرنج" تترنّح وتسقط بين أصابعهم، في الوقت الذي "يستمتع الأمريكي والإسرائيلي" باللعبة.
فلا خير يأتي، لنا جميعا، لا من إسرائيل ولا من أمريكا، لا أمس ولا اليوم ولا غدا، مُطلقا وأبدا.
مادلين أولبرايت، الأمريكية التشيكية الأصل، وعندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، وفي إحدى زياراتها لإسرائيل و"فلسطين" (الأراضي الفلسطينيّة)، طلبت ان تجتمع مع طلاب من الجانبين، إسرائيليين وفلسطينيين.
وهكذا كان:
اجتمعت "وقوفا" ولبرهة في رام الله مع "حفنة" من الطالبات الفلسطينيّات، قدّمن لها الزهور، وداعبتهن هي ببعض عبارات المجاملة باللغة الإنجليزية، وكفى!!!
أمّا في إسرائيل، في تل أبيب، فقد اجتمعت مع مئات الطلاب الإسرائيليين، في صالة كبيرة وألقت فيهم محاضرة "عرمرمة" تنوف مُدّتها عن الساعة، قالت لهم فيها بالحرف الواحد:
"نحن وإياكم "شعبان وكيانان" مُتشابهان، فكلانا قمنا على مبدأ الإستيطان وعلى الإستيلاء على الأراضي، ولهذا فإننا مُتضامنان مُتّحدان وندعم بعضنا بعضا اليوم وغدا وإلى الأبد".
... "قطعت جُهينة قول كلّ خطيب!!!" ...
الساحة الفلسطينية "الداخلية" كانت وما زالت تمرّ "بمخاض عسير" في السنوات الأخيرة، ربما خاصة منذ عام 2007 حين انقلب الشقيق على الشقيق أو ابن العم على ابن العم أو النقيض على النقيض، من أجل الإستيلاء على الكعكة، كعكة أوسلو، "المُعفّرة بالدم والدموع"، آخذين بعين الحسبان أنّ هناك "تناقضا صارخا": حيث يؤمن البعض بأوسلو ويريده بمنافعه وخيراته و"كثرة الشحم واللحم"، أمّا البعض الآخر فلا يؤمن بأوسلو مُطلقا ويُعاديه، لكنه يريد ويرغب ويلهث وراء منافعه وخيراته و"كثرة الشحم واللحم"، والشعب الفلسطيني "المغلوب على أمره"، "الغايب فيله"، "الشاهد ما شافش حاجة"، محصور بين "الصير والباب"، بين "حانا ومانا"، ولا يعرف أين مجرانا ومرسانا!!!.
كان الشعب الفلسطيني وما زال وسيظلّ يحلم بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على "جزء من ترابه الوطني"؟؟!! وإذا به "بقدرة قادر" ومن "فرط حظّه السعيد – التعيس" يحظى ويحوز على "إمبراطوريّتين": واحدة في "المحافظات الجنوبيّة وأخرى في المحافظات الشمالية"، مُتناقضتان مُتنابزتان مُتناحرتان متضادتان، خطان مُتوازيان لا يلتقيان، اللهم إلا في مناسبات حصاد اللقاءات والإجتماعات والمناسبات الفضفاضة مُتعددة الأماكن والفنادق والبلدان، التي بدأت من نقطة الصفر وانتهت بعد اكثر من دزينة من السنوات إلى نقطة الصفر، صفر مُدوّر مُكوّر مُحوّر. وكفى الله المؤمنين شرّ القتال. "وانت في حالك وأنا في حالي يا جاري"، "مرحبه مرحبه من بعيد لبعيد!!!".
لكن هل تسير الأمور هكذا، خاصة وأنّ "الكعكة" ما زالت موجودة "بعجرها وبجرها"؟؟ يبدو أنّ هناك تحوّلا بطيئا لكن مضطردا "من تحت الطاولة" لما يمكن أن تؤول إليه الأمور وكنهها ومُخرجاتها وربما خواتيمها، حيث أن هناك "سيلا" يتسرّب ويجري من تحت الأقدام المُتمترسة منذ زمن على السجادة الحمراء في شمال الوطن.
ربما تجلّى هذا بقوة وبروز منذ ما بعد "صمود ال 11 يوما" بين غزّة وتل ابيب، حيث زار زعيم قبيلة الجنوب تركيّا بكل الودّ والترحاب واجتمع مع "السلطان أردغان" وبحث معه "ترسيم الحدود البحرية ما بين تركيّا وفلسطين!!!!!".
كما قام زعيم القبيلة الجنوبية "ذاته ما غيره"، بسلسلة من الزيارات إلى بلاد العرب والعجم، اجتمع فيها مع رؤساء ورؤساء وزارات وأمراء – ملوك، ورؤساء برلمانات، وزعماء أحزاب سياسية، "مُطبّعة وغير مُطبّعة"، آخرها والتي ما زال عسل حليبها يتدفّق زيارته ألى معاقل بلاد روّاد واسياد البحار تاريخيا، جيراننا الفنيقيين، ولم يترك "رأسا كبيرا" في بلاد الأرز إلا وإجتمع معه، وحمل معه إليهم "للمناقشة والتمحيص أربعة ملفات" هامة وجوهرية.
يقوم مساعدوه بمساعي حثيثة ومتواصلة وعلى مدار الساعة لتأمين زيارة له والوفد المرافق إلى بلد المليون ونصف المليون شهيد، توأم روح فلسطين، والمحاولات ما زال "حبلها على الجرّار".
التنافس السياسي والدبلوماسي ما بين الجنوب والشمال يسير بخطى حثيثة في السرّ والعلن، وكل طرف يحاول ان يُجنّد صداقاته ومجاله الحيوي ضد الطرف الآخر، ففي بحر فلسطين الضيّق "المُحتل" تمخر سفينتان متوازيتان ترفع إحداها الراية الخضراء، وترفع الأخرى الراية الصفراء، ... بينما يرفع الشعب الفلسطيني العلم ذي الألوان الأربعة.
كاتب ودبلوماسي فلسطيني