بقلم: د. صبري صيدم
دأبت الإدارة الأمريكية الجديدة منذ وصولها إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، على إطلاق التصريحات المتتالية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مؤكدة على التناقض التام بين مواقف إدارة ترامب ومواقفها، وما قيل إنه طلاق بائن بين الإدارتين، عبّرت عنه سلسلة تصريحات تدعو لاستئناف واضح للعلاقة مع الفلسطينيين، وفق قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، مع رفضٍ صريح وفق المصادر الأمريكية، لما قد يؤثر في نتائج الحل النهائي للصراع، إضافة إلى استئناف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، والسعي إلى فتحها لمقر القنصلية في القدس الشرقية، بل الذهاب نحو تخصيص مبلغ مالي لهذا الغرض.
ورغم قناعتي بأن أغلبية الشعب الفلسطيني، فقدت الأمل بموقف أمريكي عادل ونزيه، إلا أن هذا لا يلغي أهمية مراقبة تلك المواقف ومفاعيلها.
وقد شددت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الجديد بلينكن، على المواقف المعلنة، وصولاً إلى التأكيد على قيام الولايات المتحدة الأمريكية باستئناف الدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وبفعل هذه التصريحات وما أعلنه بايدن، فقد فهم الفلسطينيون حتماً، أو البعض منهم ومن هذه المواقف تحديداً، أن خطة ترامب المسماة بصفقة القرن، قد انتهت، وأن خريطته المسخ قد اندثرت، وأن مشروع الضم أصبح أيضاً في عداد الماضي.
لكن وقع التصريحات الأمريكية، ما زال يندرج في إطار القرقعة دونما طحين ملموس.
أما مجريات الأمور إسرائيلياً وعلى الأرض، إنما تثبت أن ما يجري ما هو إلا استمرار واضح لعملية تنفيذ صفقة القرن، وبصورة متصاعدة، إذ تسابق الآلة الحربية الصهيونية سباقها العنيف مع عقارب الساعة، لتنفيذ العديد من محاور تلك الخطة، خاصة خطة الضم، بما فيها تسريع عجلة مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وتعزيز الهجرة اليهودية، وصولاً إلى إعلان الصندوق القومي اليهودي مؤخراً، وبشكل صريح، عن نيته العمل على تنفيذ خطة للشراء المزعوم للمزيد من الأراضي، في محيط المستوطنات الحالية، بغرض توسيعها وهو ما سيحقق الاغتيال التام للجغرافية الفلسطينية.
كما أن عودة القرار الإسرائيلي باقتطاع رواتب الأسرى والجرحى الفلسطينيين، يؤكد على ثبات وتواصل سياسة العقاب الجماعي، خاصة أن عملية الدفع لهذه الأسر ليست بالجديدة، وقد استمرت منذ إنشاء السلطة وحتى تاريخه.
وهو ما يعني أن نبشها اليوم ما هو إلا تفنن في تقليعات الاحتلال الاستنزافية، بغرض الوصول إلى إشغال الفلسطيني والعالم بقضايا مختلفة تحرف الاهتمام عن ضرورة إنهاء الاحتلال.
وما الحرب على المناهج الفلسطينية، إلا مساحة أخرى للمشاغلة، ربما تتبعها مشاغلات أخرى، كاتهام الأطباء الذين يطببون المقاومين الفلسطينيين بمعاداة السامية مثلاً، وصولاً إلى خنق قطاعي الصحة والتعليم.
إن عملية الطحن التي يمارسها الاحتلال اليوم في إجراءاته التعسفية المذكورة، واستمرار اقتحام المسجد الأقصى، وهدم وسرقة المنازل في سلوان وغيرها، واستدامة الهجوم على الشيخ جراح، وتصاعد مساعي التطبيع المخجل، لن تفرز في مجملها إلا طحين الكراهية والقتل والعنف، ولن تقود بالمطلق إلى تراجع الفلسطيني، أو رحيله، وهو الذي أقسم بأن لا يكرر تجربة النكبة.
لذا فإن صفقة القرن مستمرة، ولن يقنعنا أحد بسقوطها مهما حاول تجميل تصريحاته عبر إسقاط مصطلحات جوفاء، ترتبط بسيدنا إبراهيم، اخترعها ترامب وعصابته.
المطلوب بين القرقعة والطحين أن يكون القمح حاضراً حتى يحيا الإنسان، بالخبز والعمل والأمل وسقوط الاحتلال، فبدون رحيل الاحتلال والقناعة بضرورة تحقيق ذلك فإن المقرقعين والمطبلين كثر دونما نتيجة.