رام الله- معا- أكد مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد) أن الضمان الاجتماعي هو حق للعمال والعاملات والموظفين/ات، وجرت العادة أن يناضل الأفراد والجماعات من أجل نيل حقوقهم/هن ولا يتم إسقاطها إلا إذا رأت فيها عكس ذلك. وحتى يصبح هذا الحق مطلباً يناضل من أجل تحقيقه العمال والعاملات والموظفين/ات، يجب معرفة كيفية تقديمه كمنفعة عامة للناس، وتجنب الإشكاليات التي رافقت عملية إقراره في العام 2016، حينما عُدّل المسار حينها بإدخال أكثر من 17 تعديل على مواد القرار بقانون، وصولاً إلى بدء مرحلة التطبيق؛ وهي العملية التي لم تنجح وقادت لاحتجاجات في العام 2018، وانتهت بإصدار قرار بقانون رقم (4) لسنة 2019م بشأن قانون الضمان الاجتماعي والذي نص على وقف نفاذ القرار بقانون رقم (19) لسنة 2016م، وطلب فتح حوار وطني للتوافق حول بنوده وآليات نفاذه. وفي نفس العام تم حل مؤسسة الضمان الاجتماعي وتسريح العاملين/ات فيها.
في منتصف العام 2021، أشار كل من وزيري التنمية الاجتماعية والعمل في مناسبتين مختلفتين بالنية للعودة إلى قرار بقانون الضمان الاجتماعي، ففي احتفال الأول من أيار أشار وزير التنمية الاجتماعية أن معارضي/ات الضمان في احتجاجاتهم/هن الأخيرة "كانوا على اتصال مع بيت ايل"... وفي تصريحات إعلامية في ذات الشهر لوزير العمل قال "إن رفض الضمان يعني العمل ضد مصلحة الوطن". تلك التصريحات هي مقدمات خاطئة لإعادة فتح الحوار المجتمعي حول الضمان الاجتماعي، وكلا الوزيرين أفشلا هذا الحوار قبل أن يبدأ.
التجاذبات الداخلية في ملف الضمان الاجتماعي
وللحديث أكثر حول توقف قانون الضمان الاجتماعي والعوامل التي أدت إلى ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن هناك مسألتين حاسمتين قادتا إلى إصدار قرار تجميد القانون:
أولاً- عدم ثقة الناس بالحكومة التي كان يرأسها د. رامي الحمد الله في حينه والسلطة الفلسطينية بشكل عام، وهذا الشعور مستمر، حيث أن الوضع الحالي لحكومة د. اشتية ليس مثالياً لإعادة فتح حوار وطني حول الضمان الاجتماعي، في ظل الانتقادات الواسعة التي تواجهها الحكومة، تحديداً في ملف اللقاحات والنتائج التي خلصت إليها لجنة تقصي الحقائق وعدم اتخاذ الحكومة أي قرار بشأن ذلك. إضافة إلى ملف اغتيال الناشط السياسي نزار بنات، وعمليات القمع العنيفة وغير المسبوقة للمتظاهرين في رام الله.
قلة الثقة تتطلب تقديم شكل إدارة جديد لمؤسسة الضمان الاجتماعي؛ ممكن أن يبدأ بهيئة عامة ومجلس إدارة يثق المواطنون والمواطنات بهم، وهذا يعني تخفيض عدد أعضاء ممثلي/ممثلات الحكومة في مجلس إدارة المؤسسة إلى الحد الأدنى للحد من سيطرة الحكومة على قرارات مؤسسة الضمان الاجتماعي.
ثانياً: رفض القطاع الخاص للضمان الاجتماعي، ويأتي هذا الرفض من منطلقات مختلفة، فمخاوف القطاعات الصغيرة والمتوسطة الأساسية؛ كانت في اقتطاع المساهمات ونسب الاشتراكات ودفع أتعاب نهاية الخدمة مرة واحدة للعاملين/ات وهي في الغالب أرصدة غير متوفرة لدى هذه المؤسسات والشركات. بينما القطاعات الكبيرة من شركات القطاع الخاص فكانت أسباب رفضها نسبياً مختلفة، حيث تدفع لموظفيها أكثر من الامتيازات في الضمان الاجتماعي، كبرى شركات القطاع الخاص لم تر في الاستثمارات المستقبلية لأموال الضمان الاجتماعي في الاقتصاد الفلسطيني منفعة لها، ولم تكن هنالك خطة استثمارية واضحة لمؤسسة الضمان، حيث ما ركزت عليه المؤسسة هي مسألة الاستثمار الآمن والاستثمار في السوق المحلي، وهذا يعكس توجهات وتطمينات وليس خطة استثمارية وجدوى اقتصادية لعملية الاستثمار. كما ولم يكن واضحاً أن عمليات وقطاعات الاستثمار لن تكون منافسة لاسثمارات يقودها القطاع الخاص.
القطاع الخاص (بشقيه الكبير- والصغير) لم يدرك أن إعادة ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الفلسطيني في سياق خطة استثمارية واضحة ونزيهة وشفافة، وبوجود لجنة استثمار كفؤءة، سيسهم في تنشيط الاقتصاد، وأن نتائج هذا الاستثمار لن يستفيد منها المواطن العادي فقط، بل أيضا للقطاع الخاص مصلحة فعلية في ذلك، تحديداً إذا ما تم تقييد استثمار أموال الضمان في داخل فلسطين وليس البحث عن استثمارات خارجية.
يضاف إلى ذلك كله تجاهل التكاليف التي أزالتها مؤسسة الضمان الاجتماعي عن القطاع الخاص فيما يتعلق بإجازة الأمومة قانونياً، حيث تغطى من قبل أصحاب العمل وانتقلت هذه المسؤولية على مؤسسة الضمان الاجتماعي من خلال مساهمة العمال/ات وحدهم/هن، حيث أصبح صندوق الأمومة في الضمان الاجتماعي هو صندوق تضامني بين العمال ذكوراً وإناثاً على اعتبار أن ذلك سيسهم إيجاباً في رفع مشاركة المرأة في سوق العمل لتجنب أرباب العمل توظيف النساء لاعتبارات إجازة الأمومة.
الذين دققوا في تجاذبات الضمان الاجتماعي، يعلمون ويدركون أن الأمور انفجرت حينما تم طرح بند "الحافظ الأمين"، والمقصود به المصرف/البنك الذي ستودع به أموال مؤسسة الضمان الاجتماعي، والتي يعتقد المطلعون/ات أنها لم تكن ضمن إجراءات عالية الشفافية. وقدمت بعض البنوك شكوى لدى ديوان الرقابة المالية والإدارية بسبب اعتماد أحد البنوك المحلية حافظاً أميناً لأموال الصندوق.
تغييب البعد التنموي الاستراتيجي
ينظر بعض أطراف القطاع الخاص بعين ضيقة إلى التكلفة والأعباء التي سيتكلفون بها كمساهمات، التي تعتبر بالأساس حقوقاً للعاملين/ات في قانون العمل الفلسطيني، لكن القدرة على تجاوز الحقوق الواردة في قانون العمل من قبل بعض المشغلين/ات تصبح شبه مستحيلة لعدم قدرتهم/هن على فعل ذلك في قانون الضمان الاجتماعي نتيجة العقوبات المحددة في القانون. بالإضافة إلى انخفاض الدخل نتيجة الاقتطاعات من العاملين/ات دون التدقيق في الفوائد التي يمكن جبايتها من الاشتراك في الضمان الاجتماعي.
ولا يجب تجاهل دور بعض وسائل الإعلام التي روجت لمواد قديمة في قانون الضمان جرى تعديلها في العام 2016، وتم تقديم تلك المواد (كتوريث المرأة لراتبها التقاعدي ومسألة أموال العاملين/ات في "إسرائيل" واستحقاقات راتب الوفاة... إلخ) للأفراد على أن هذا ما سيتم تطبيقه لنشر الخوف أكثر وتجنيد رأي عام مناهض للضمان الاجتماعي. علماً أن قضية أموال العمال/ات في "اسرائيل" كانت من أهم المواد التي جرى تعديلها في النظام التكميلي في الضمان الاجتماعي والذي أصبح اختيارياً بعد التعديل.
في هذا السياق، يجب التذكير أن مئات الموظفين/ات والعاملين/ات والذين فقدوا/ن حياتهم/ن منذ العام 2019 إما نتيجة إصابات العمل أو نتيجة لوفاة طبيعية كان بإمكان عائلاتهم الاستفادة من رواتب تقاعدية يكفلها قانون الضمان الاجتماعي.
يوصي المرصد بأن إعادة فتح الحوار أو محاولة تطبيق قرار بقانون الضمان الاجتماعي سيصطدم بنفس العقبات السابقة، وبما أن الضمان الاجتماعي يعتبر من القوانين المهمة وذات الأثر الكبير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ فيجب ترك نقاشه وإقراره لمجلس تشريعي منتخب.