رام الله- معا- تعد أزمة كورونا وما رافقها من إعلان حالة الطوارئ بما يشمل إغلاق المدن الفلسطينية تجربة حديثة بالمعنى الاقتصادي والوبائي، وضمن المحدد المتعلق بكون الاقتصاد الفلسطيني لم يكن قبل الجائحة معافاً، وإنما يرزح تحت الكثير من القيود، ومحددات الإفقار التنموي، قام ائتلاف عدالة بإجراء دراسة موسعة تمثل مراجعة مكثفة للتجربة الحكومية في التعامل مع جائحة كوفيد-19 بجانها الصحي والاقتصادي والأمني والاجتماعي.
واضاف ائتلاف عدالة "ويمكن القول بأن أزمة كورونا فاقمت الأزمة الاقتصادية، لكن بقيت العوامل السياسية هي الحاسم الفيصل في قدرة الاقتصاد الفلسطيني على التعافي، فكان لأزمة المقاصة والتي ترافقت مع الموجه الثانية من جائحة كورونا الأثر الأكبر في مخاطر تهدد بحالة كساد عام للاقتصاد الفلسطيني، كما ان الأزمة الوبائيةكشفت ضعف وهشاشة أنظمة الحماية الاجتماعية في فلسطين المحتلة. حيث أن التدخلات السابقة والتي كانت تعاني أصلاً أزمة التمويل وأزمة الوصول لكل العائلات المحتاجة، لم تكن قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للناس، في ظل حالة الانكشاف الاقتصادي".
فتقدم الدراسة مقاربة للصحة والاقتصاد في الخطاب الحكومي وتحولاته خلال التعامل مع الأزمة، شارك في إعدادها كل من سلمي، والرياحي في مناقشاتها الأولى، مختومة بنقاش قانوني تفرد به الحية في مدى استجابة الحكومة للاحتياجات الناشئة عن أزمة كورونا، فتتناول بجزئها الأول أزمة الوباء في فلسطين، كامتداد غير معزول عن تفكيك أزمة الاستعمار والتبعية، ويتم من خلاله تدارس خطاب الحكومة الفلسطينية خلال الوباء في: إدارة الأزمة، والوقوف على جهود التنظيم والتنسيق "خطاب الانسجام"، ودور الإعلام ومحاولات احتوائه.
وتتناول في جزئها الثاني الإجراءات الحكومية ما بعد المرحلة الأولى، بتسليط الضوء على دور الأجهزة الأمنية في تشديد الإجراءات وتغليظ العقوبات بحق المخالفين للتدابير والإجراءات الوقائية والتي جاءت تعبيراً عن ضغوط القطاع الخاص للدفع باتجاه تبني سياسات التعايش مع الفايروس، كمسؤولية فردية يترتب عليها معاقبة المخالفين بشكل فردي، وأمام خيار تشديد الإجراءات الصحية والوقائية المكثفة ظل اعتبار إبقاء جميع الخيارات مفتوحة والذي أدى في المحصلة لوسم الإجراءات الحكومية بالانتقائية والعشوائية، ولاحتجاجات عديدة جماعية وفردية أشارت إلى وجود سياسات تمييزية للسلطة تنبع بالأساس من مدى نفوذ القطاع الخاص في وضع احتياجاته كاعتبار أساسي في السياسات والإجراءات التي تضعها الحكومة، مما جعل منها إجراءات عاجزة عن التعامل مع الانتكاسات الصحية والاقتصادية، إلى الحد الذي أفقدها إلزامها، وجدواها.
ويناقش الجزءالثالث الوباء بتحويله إلى قضية أمنية بالدرجة الأولى، في ظل حالة الطوارئ وما رافقها من استنفار أمني. فتم تصوير وظيفة الأجهزة الأمنية باعتبارها جزءا من القطاع الصحي، ومهماتها ووظائفها الأساسية صحية بربط مسألة الصحة بالأمن، في المقابل بقيت الاستعدادات الصحية مشروطة بالتمويل، مما أدى في المحصلة إلى انخفاض عدد الفحوصات التي تقوم بها وزارة الصحة والمراكز الصحية الخاصة، وعليه انخفاض في عدد الإصابات وارتفاع في عدد الوفيات.
ويناقش الجزء الرابع الإجراءات الحكومية في مقاربة بين متطلبات الصحة ومتطلبات حالة التبعية الاقتصادية، وفي استفهام لمقولة "خلق حالة التوازن الدقيق بين الإجراءات الصحية والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية". كما يتم التطرق إلى الفئات المتضررة من الفقراء الجدد، والعمال، في ظل انعدام منظومة الحماية الاجتماعية. أما الجزء الأخير فيبحث في مدى ضرورة إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية لمواجهة جائحة كورونا، ومدى الحاجة إليها في ظل التشريعات العادية النافذة.
وبمعالجة القضايا المتعلقة بالمساعدات الاجتماعية للعائلات الفقيرة، ودور وزارة العمل، وفاعلية صندوق وقفة عز، والمبادرات المجتمعية ومبررات حالة الطوارئ، والخطاب الرسمي الحكومي خلال الأزمة، فمن الملاحظ أن تلك الاستجابات أو المبادرات تركزت في المرحلة الأولى للجائحة سواء على الصعيد الرسمي أو المجتمعي، فيما غابت كثير من هذه المبادرات في المرحلة الثانية والممتدة منذ مطلع حزيران 2020. وهذا يعطي مجالا لتحليل التدخلات خلال الـ 6شهور من آذار/مارس حتى أيلول/سبتمبر 2020. الافتراض الذي تقوم عليه الدراسة يتمحور حول أن دخول المرحلة الأولى من الوباء قد تم بصورة مبكرة،فتم اتخاذ كافة الاجراءات في مقاربة تميل إلى صحة الناس ومحاربة انتشار الوباء، لاحقاًتراجعت هذه المقاربة ولم تستطع الحكومة الالتزام بها مطولاً مع ارتفاع صوت القطاع الخاص،فتبنت الحكومة لاحقاً خطاب التوازن ما بين الصحة والاقتصاد،ثمأصبح الاقتصاد فقط مع عودة الحياة الطبيعية إلى ما قبل آذار/مارس2020.
ومع انتشار الوباء مرة ثانية أصبح التركيز على وعي المواطن وإغلاقات متقطعة، وقلما كان هناك حديث عن أي تدخلات لإنعاش الاقتصاد. فقط السؤال الذي جرى طرحه مراراً وتكراراً من قبل الصحفيين في مؤتمرات الناطق الرسمي للحكومة عن قدرة الحكومة على صرف رواتب العاملين في القطاع العام. هذا أدخل الأداء الحكومي أزمة جديدة صعبة، فذاتالإجراءات التي رفعت من شعبية الحكومة هي التي تسببت بانتقادها مجدداً. خيارات الإغلاقات الذكية التي أعلنت عنها وزيرة الصحة في أكثر من لقاء صحفي لم تعدو عن كونها تكرارالآليات سابقة بفرض إغلاقات ضمن أيام وساعات محددة سلفاً مع إدراك الحكومة أن ذلك لن يؤثر في منحنى الإصابات وحالات الوفاة الآخذة بالارتفاع.