بقلم: د. صبري صيدم
الجزائر والسودان والقائمة حتماً ستطول، كانتا على موعد مع النجومية لحصولهما على ميدالية ذهبية جديدة من الشعب الفلسطيني مرصعة بحب وتقدير العالم الحر لهما لإرادة مواطنيهما من فرسان الرياضة أن يترجلا من الألعاب الأولمبية رفضاً للتطبيع مع إسرائيل.
ولعل البعض يرى بأن انسحاب لاعب أو اثنين في عالم الأولمبياد ليس حدثاً يذكر، إلا أن المتمعن في الخطوة يرى عدة أمور لا بد من ذكرها:
١- إن الانسحاب قد جاء في أوج اعتقاد البعض أن الطريق بات مفتوحاً أمام التطبيع مع إسرائيل دون ضوابط أو رقابة أو حساسية أو محاذير، وأن الشعوب لا بد وأنها ستساق أمام إرادات حكوماتها إن هي شاءت التطبيع مع دولة الاحتلال والارتماء في أحضانه، وهنا أقول بأن الأمر طبعاً لا ينطبق على الجزائر التي رفضت بكل قوة مغريات وحوافز التطبيع، بينما أذعنت حكومة السودان الحالية أمام وعد برفعها من قوائم الإرهاب، ومساعدات مالية وصفقات تجارية وضمانات مائية وغيرها الكثير مما لا نعرفه.
٢- إن التطبيع مع الاحتلال لا يعني تطبيعاً مع الشعوب مهما حاول البعض ترويجه وطلاءه بالعسل، والدليل هو حجم السعادة التي اكتسحت العالم العربي تقديراً لهذه الخطوات وما صاحب ذلك من نداءات شعبية لبقية اللاعبين.
٣- تضحية اللاعبين بمنصة مرموقة ومهمة لإنجازهم الشخصي وإنجاز دولهم، خاصة وأن الوصول إلى الأولمبياد إنما هو بمثابة تطور ثمين لصاحبه ربما يكون بمثابة الإنجاز الأهم في حياة هؤلاء الرياضيين، ومع ذلك، تنازل هؤلاء عن مجدهم الشخصي إكراماً لفلسطين وشهدائها وجرحاها وأسراها.
٤- استحضار اللحظات المشرقة لمحطات الفخار التي سجلتها تلك الدول وشعوبها بما فيها مواقف الجزائر العديدة والتي شملت نصرة فلسطين «ظالمة أو مظلومة» حسب مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله، ووصولاً إلى موقف الجزائر قبل أيام في التقليل من قيمة استئناف إسرائيل لعضويتها المراقبة في الاتحاد الافريقي.
ولا ننسى طبعاً لاءات الخرطوم الثلاثة التي ولدت في القمة العربية عام 1967: لا صلح لا اعتراف لا تفاوض، والتي استمرت لتكون بمثابة سلاحٍ مهمٍ حملته السودان طيلة عقود من الزمن إلى أن تخلت عنه مؤخراً على المستوى الرسمي وليس الشعبي.
إن موقف الرياضيين النشامى إنما يأتي في سياق التعبير عن حالة الغضب الشعبي جراء هرولة البعض لتقديم أوراق اعتمادهم لدولة الاحتلال الصهيوني باستخدام فقاعات هنا وفزاعات هناك.
الاحتلال الإسرائيلي ما هو إلا نمر من ورق إن استعدنا لحمة بيتنا الداخلي، وتصاعد الرفض الشعبي العربي للتطبيع، وتعاظم دور المؤسسات التي تناضل ضد ممارسات الاحتلال وتسعى لحصاره شعبياً ودولياً وتجارياً، إضافة إلى تولد القناعة لدى الدول المطبعة بعدم جدوى التطبيع، وأن إسرائيل قد استخدمت فزاعات وهمية ومحاولات ترهيبية ومارست دور الفتوة دون أن تقدم لشركائها الجدد ما يستحق الثناء .
وعليه علينا أن نقتنع أن خطوة الرياضيين الاثنين لا تأتي لرفضهم لاستكمال المنافسة بل هي تعبير صارخ عن رفض هؤلاء والعالم الحر لاستدامة الاحتلال على حساب فلسطين وشعبها، على أمل أن نرى هذه الظاهرة تتكرر من قبل نادي باريس سان جيرمان المملوك قطرياً لتكرر موقف نادي برشلونة الأخير برفض اللعب في القدس المحتلة ودولة الاحتلال.