بقلم: د. صبري صيدم
ما أن أعلن نبأ رحيل اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي عن ناديه الأم برشلونة، حتى انقلب العالم رأساً على عقب، وبدأت وسائل الإعلام بنقل الخبر بكامل تفاصيله وحيثياته، وخصصت وكالات الإعلام مساحات غير مسبوقة من الصور والمقابلات، والمقالات التحليلية حول الظروف المفاجئة وراء قرار نجم الكرة العالمية.
صدمة من العيار الثقيل سددها نادي برشلونة في مرمى البشرية، بصورة اشتعلت معها وسائل الإعلام قديمها وحديثها.
ولعل ما أجج هذا الحال هو تاريخ الرجل مع برشلونة، وقناعته الراسخة بأنه لن يغادر ناديه الذي وفر له مساحات من الاحتضان والتألق، جعلت ولاءه مطلقاً وغير مشكوك فيه، بخلاف بعض أقرانه السابقين.
ولعل استدامة تعامل النادي مع الأمر كونه غير قابل للنقاش، قد رسخ تلك القناعة، قناعة أن ميسي لن يغادر برشلونة في أي وقت في مسيرته المهنية، لذلك رأينا الناس تقول وبأريحية مطلقة: إن ميسي برشلونة، وبرشلونة ميسي.
ولربما كان للخروج المفاجئ لرئيس النادي معلناً الطلاق المقبل للنجم الثلاثيني، أثره الكبير في تعزيز مفهوم الصدمة لدى الجميع، بمن فيهم خصوم النادي، كون هذا الخروج يعني أن الطلاق بائن لا محالة، لكن لحظة الذروة كانت مع دموع ميسي التي صاحبت مؤتمره الصحافي بصورة هزت مئات الملايين من البشر.
ولربما وجود أبناء النجم الكروي في الصف الأول في المؤتمر الصحافي قد فاقم من مفاعيل البعد العاطفي للموضوع.
ميسي لا يحتاج للمال ولا للشهرة، ولا حتى للعمل في حياته، بما فيها ممارسة كرة القدم، فهو الأكثر نجومية في العالم، وربما الأكثر مالاً بين الرياضيين، والأكثر قدرة على قيادة أمانيه حيثما يشاء.
ميسي الباكي على المايكرفون، الملياردير بامتياز، الموهوب باقتدار، المشهور باحتراف، والتاريخي بجدارة.. يبكي بطريقة هزت العالم، وروّعت قلوب محبيه، لنجده فعلاً يملأ الدنيا ويشغل الناس.
ومع هذا الزخم، تجند الإعلاميون والفضائيات ورجال المال، لنقل الأخبار، وترويج الإشاعات ونثر التوقعات وذر التخمينات، إضافة إلى المغالاة في الأمنيات.
أصحاب المال العربي هم أيضاً كان لهم في الجدل نصيب، فلم يغيبوا عن الحدث بحثاً عن احتمالية استيعاب النجم المكلوم في ناديهم، وبصورة عّبر عنها سيل من التغريدات والتصريحات والأقاويل، وأيضاً التوقعات بصورة انشغل فيها، كما تقول الأرقام، أكثر من ثلثي سكان الكرة الأرضية.
مال وجاه وإعلام ودموع وحيرة وحضور وأمنيات، شكلت مجتمعة وبحضور المال العربي بصكوكٍ مفتوحة لاحتضان النجم القاهر، جعل من الرجل مالئاً للدنيا وشاغلاُ للناس، حتى بتنا نسأل، ماذا لو كان لفلسطين هذه الحظوة عند أبناء جلدتنا؟ هل تصبح ظاهرة كظاهرة ميسي متاحة وكافية لتحرير فلسطين.