انقرة- معا- بعد الحملة التي قامت بها المعارضة التركية تجاه اللاجئين في البلاد، وما شهدته أنقرة من شجار بين لاجئين سوريين ومواطنين أتراك، فقد اتخذت السلطات إجراءات عدة فيما أكدت موقفها أنها لن تتحمل عبء موجة لجوء جديدة من أفغانستان.
يأتي ذلك بعد الأحداث التي شهدتها أنقرة، قبل أسابيع، والتي نجم عنها مقتل شاب تركي وإصابة آخر على يد شاب سوري، ومهاجمة الأتراك لممتلكات ومنازل السوريين.
وتعد مسألة اللاجئين السوريين في تركيا، من ضمن القضايا الشائكة في الساحة الداخلية بالبلاد، وتأتي في إطار العنصرية المتزايدة التي يعاني منها السوريون، الذين فروا من سوريا بسبب الحرب المتواصلة منذ عشر سنوات.
وأمام التطورات الأفغانية، وسيطرة حركة طالبان على البلاد بالكامل، فإن أنقرة تخشى أن تكون محطة موجة اللجوء الأفغاني والتي زادت وتيرتها على الحدود مع إيران، فيما قامت ببناء جدار فاصل ونشر القوات للحد من ذلك.
وفي الوقت الذي أكدت فيه تركيا أنها ليست لديها القدرة على تحمل أزمة هجرة جديدة، فقد أشارت إلى أنها تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، فيما قال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، إن بلاده ترفض إبقاء اللاجئين الأفغان بصورة مؤقتة على أراضيها.
صحيفة "ملييت" التركية، ذكرت أن المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية الحاكم ناقش في اجتماعه الأخير مسألة اللاجئين لا سيما في المدن الكبرى (أنقرة- إسطنبول- إزمير).
وأوضحت الصحيفة، أن الاجتماع ناقش قرارات تشمل إعادة اللاجئين الذين يعيشون في المدن الكبرى، على الرغم من أنهم مسجلون في مناطق أخرى، وإرسالهم إلى تلك المدن التي سُجلوا فيها.
أما اللاجئون السوريون الذين لا يحملون (بطاقة اللجوء المؤقتة) والتي تمنحها السلطات للاجئين، ويتواجدون بالبلاد بشكل غير نظامي، فقد تقرر أن يتم إرسالهم إلى المخيمات في المناطق الحدودية أو إلى المناطق السكنية الجديدة التي يتم إنشاؤها على الحدود (في إشارة إلى تلك التي في إدلب).
وذكرت الصحيفة، أنه في الاجتماع الذي استمر لمدة ساعتين، أثيرت مسألة البحث عن صيغة جديدة لوقوف ردود الفعل تجاه طالبي اللجوء، بعد التوترات التي حصلت في منطقة ألتنداغ في أنقرة.
وبحسب الدراسات الميدانية، فقد لوحظ أن الشكوى الأكثر شيوعا كانت من المواطنين تجاه "التقوقعات السورية" في المحافظات الكبرى، والتي قد تتسبب في أحداث جماعية، حيث سيتم اتخاذ خطوات بشأن اللاجئين غير المسلجين.
ولفتت الصحيفة، إلى أن التنفيذ التجريبي بدأ من العاصمة في أنقرة، كما أنه تقرر وقف منح البطاقات المؤقتة للاجئين الجدد في المدن الكبرى، وسيتم تكثيف عمليات التفتيش خاصة في المباني المهجورة والمناطق المحيطة بالمحافظات بخصوص المهاجرين غير الشرعيين.
وتتضمن الحملة، تطبيق عقوبات على أماكن العمل التابعة للاجئين الذين ليس لديهم تراخيص، أو "أذون عمل" في كافة المحافظات.
الكاتب التركي، عبد القادر سيلفي، قال إنه ومع تصريحات الرئيس أردوغان التي قال فيها إن بلاده ليست ممرا لأحد، تبين أن هناك تغييرا في السياسة تجاه اللاجئين.
وأشار في مقال على صحيفة "حرييت"، إلى أن أردوغان عندما قال إن تركيا ليست مستودعا للاجئين في أوروبا، فقد "أدركت أنه يتم إعداد نهج وسياسة جديدة تجاه اللاجئين".
وأضاف أن النقاش الذي دار في المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية بشأن اللاجئين كان مهما للغاية، وجاء بالتزامن مع أحداث أفغانستان والخشية من موجة اللجوء الجديدة.
وأوضح أنه جرى النقاش على ضرورة التواصل مع الحكومة التي سيتم تشكيلها في أفغانستان، وإذا تم التوافق بشأنها فسيتم إعادة اللاجئين جميعا إلى بلادهم.
ولفت إلى أن الأمر لا يتعلق بالأفغان فقط، بل إن هناك مقاربات جديدة ستجرى تجاه اللاجئين السوريين أيضا، لافتا إلى أن الإجراءات الجديدة المتخذة في أنقرة خطوة أولى في هذه السياسة الجديدة.
الكاتب التركي، تونجا بينغين، أشار في تقرير على صحيفة "ملييت"، إلى أن القرارات ستكون أكثر صرامة تجاه اللاجئين السوريين، وستتم متابعة أولئك الذين تتم إعادتهم إلى المحافظات المسجلين فيها.
ونقل الكاتب عن رئيس مركز الأبحاث حول اللجوء والهجرة في تركيا متين جوراباتر، تعليقه على تصريحات زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو حول اللاجئين السوريين وفتح قنوات الاتصال مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، لإقناعه بإعادتهم.
وقال جوراباتر، إن الأسد إذا كانت لديه نية فعلا بهذا الشأن، فلا حاجة للتفاوض من خلال كليتشدار أوغلو، مشيرا إلى أنه لا يمكن التعامل مع رئيس النظام السوري بقوله إنه أصدر عفوا وإنه فرض الأمن والاستقرار في البلاد، مشددا على أنه يجب أولا تبليغ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشأن تفاصيل هذا العفو أولا، وماذا يشمل وما هي ضماناته.
وتابع المسؤول التركي، بأنه "عندما تقول حكومة قمعية وقتلت عشرات الآلاف من مواطنيها: لقد أصدرت عفوا، عودوا! فإنه لا أحد سوف يعود".
ولفت إلى أن المسألة السورية معقدة للغاية، لافتا إلى أن كليتشدار أوغلو إن وصل إلى السلطة، فهل يعتقد بأن الأسد ينتظره وسيصافحه، وأن الولايات المتحدة ستمول تركيا من أجل إعادة الإعمار في سوريا؟.. "هل المسألة بهذا القدر؟".. موضحا أن "هناك روسيا وهناك دول التحالف ضد تنظيم الدولة، وهناك الاتحاد الأوروبي، وبمعنى آخر فإنه لا يمكن لكليتشدار أوغلو أن يقول إنه سيحل المشكلة السورية ويعيد اللاجئين".
ورأى أن تصريحات كليتشدار أوغلو تأتي في سياق السياسة الداخلية والتلاعب من أجل الانتخابات، ومن المعروف أن مسألة اللجوء تثير قلق المجتمع التركي، لكن تحويل هذه القضية إلى مادة سياسية داخلية لن يخدم المعارضة والحكومة.
وتابع، بأنه ليس من السهل تحميل اللاجئين السوريين في الحافلات وإرسالهم إلى بلادهم بالطبل والزمور، أو كما يقترح البعض فتح الحدود الغربية وإتاحة الأمر لهم للذهاب إلى أي مكان يريدون.
وشدد على أن إرسال السوريين إلى بلادهم يجب أن يسبقه أولا وقبل كل شيء، إيجاد حل سياسي ودستوري في سوريا.