بيت لحم -معا- طرح رئيس الحكومة الإسرائيلية البديل ووزير الخارجية، بائير لبيد، اليوم الأحد، رؤيته المتعلقة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والتي تتمثل بمخطط وضعه المسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية وتعتمد على إجراءات لتعزيز قوة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وتسهيلات اقتصادية في قطاع غزة، مقابل "الحفاظ على الأمن والهدوء"، على حد تعبيره؛ مشيرا إلى أن "الظروف السياسية في إسرائيل ولدى الفلسطينيين تمنع التقدم في المحور الدبلوماسي، غير أن تهدئة طويلة الأمد في غزة قد تخلق ظروفًا أكثر ملاءمة للمفاوضات السياسية المستقبلية (التي قد تنطلق) إذا وعندما تكون الظروف مواتية".
وعرض لبيد رؤيته في خطاب ألقاه خلال مؤتمر نظمته "جامعة رايخمن" (مركز هرتسليا متعدد التخصصات) بالتزامن مع ذكرى مرور 16 عامًا على تنفيذ إسرائيل "خطة الانفصال"، أحادية الجانب، عن قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية.
وقال لبيد: "إسرائيل بحاجة للإجابة على السؤال: ماذا نريد أن نفعل بغزة؟ منذ أن غادرت إسرائيل قطاع غزة في عام 2005، واجهت مرارًا جولات مواجهة عنيفة تسببت في معاناة وأضرار للسكان والاقتصاد"، واعتبر أن "السياسة التي انتهجتها إسرائيل حتى الآن لم تغير الوضع بشكل جذري. ولم توقف عمليات الإغلاق (تشديد الحصار على القطاع) عمليات التهريب وإنتاج الأسلحة. في الليلة الماضية فقط هاجمنا قطاع غزة بعد إطلاق صاروخ (من القطاع)، ودخل السكان مرة أخرى إلى الملاجئ. نحن بحاجة لتغيير هذا التوجه".
وأضاف "ماذا علينا أن نفعل؟ الإجابة المختصرة هي أننا يجب أن نذهب إلى خطوة كبيرة تمتد على السنوات"، موضحا أن الإستراتيجية الإسرائيلية يجب أن ترتكز على معادلة "الاقتصاد مقابل الأمن"، معتبرا أن هذه المعادلة أكثر واقعية مما كان يُطلق عليه ذات مرة "إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح" من فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وقال لبيد إن "الغرض من هذه الخطوة هو تحقيق الاستقرار على جانبي الحدود من النواحي الأمنية والمدنية والاقتصادية والسياسية"، وأضاف أن "على المجتمع الدولي وسكان غزة معرفة أن إرهاب حماس هو الحاجز الفاصل بينهم وبين الحياة الطبيعية"، على حد تعبيره.
واعتبر لبيد أن هذه الإستراتيجية "ستسمح لإسرائيل بتركيز الموارد والاهتمام في الصراع الحقيقي - في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، وفي مواجهة محاولة إيران أن تصبح قوة إقليمية من خلال نشر الإرهاب والعنف"، على حد تعبيره.
وعبّر لبيد عن "دهشته" من أن "عرضا جديا للاقتصاد مقابل الأمن في غزة لم يطرح على الطاولة أبدا. بالتأكيد ليس بشكل رسمي ومن منظور شامل للقضية الفلسطينية". مشيرا إلى أن "البديلين الوحيدين المطروحين (لمعادلة الأمن مقابل السلام التي يطرحها) هما احتلال غزة، أو استمرار جولات القتال التي لا تنتهي".
وشدد لبيد على أن احتلال قطاع غزة "يتعارض مع المصلحة القومية الإسرائيلية (...) وجولات القتال المتواصلة تستنزف الجيش الإسرائيلي، وتقوض الشرعية الدولية لإسرائيل، وتضعف تماسك المجتمع الإسرائيلي". وأضاف "بالنسبة لإسرائيل، الهيئة التمثيلية للفلسطينيين ليست حماس بل السلطة الفلسطينية. لن تمنح إسرائيل جوائز لمنظمة إرهابية راديكالية أو تضعف السلطة التي تعمل معنا بشكل منتظم".
واعتبر أن "الوقت قد حان لنقل الضغط إلى حماس. ودفع أهل غزة للضغط على حماس"، مشيرا إلى أن "دفع صيغة الاقتصاد مقابل الأمن قُدُما، ومن على كل منبر، سيجبر حماس على تقديم مبررات لأهل غزة حول سبب عيشهم في ظروف الفقر والحرمان والعنف والبطالة المرتفعة ودون أمل".
وقال: "علينا تقديم خطة حول كيفية تحسين الظروف المعيشية في غزة إذا توقفت حماس عن العمل كمنظمة إرهابية راديكالية"، وأضاف "هذه بالطبع عملية طويلة. لن تقاس بالأشهر بل بالسنوات. عبء الإثبات والبيّنة يقع على عاتق الطرف الآخر. إذا كان سكان غزة يريدون الحياة، فسيتعين عليهم مطالبة حماس بالحفاظ على الهدوء طالما أن هناك عملية بناء وإعادة إعمار".
وأضاف لبيد أن "قوة الجيش الإسرائيلي تسمح لنا بحرية العمل في غزة، لكن قوته تتيح لنا أيضًا حرية العمل السياسي، وموقع القوة يسمح لنا بالمبادرة إلى خطوات بدلاً من الجلوس وانتظار الجولة التالية"، مشددا على أن "إسرائيل لن تتنازل ولو للحظة عن جهودها في مجال الأسرى والمفقودين. يجب أن تكون ‘عودة الأولاد‘ جزءًا من كل إجراء ضمن معادلة الأمن مقابل الاقتصاد".
وقال إن المقترح الأولي الذي وضعه المسؤولون في وزارة الخارجية يتكون من مرحلتين لـ"اتفاق تسوية" مع فصائل المقاومة في غزة.
المرحلة الأولى: إعادة إعمار مقابل منع تعاظم قوة حماس
وقال لبيد إن المرحلة الأولى في مخطط الخارجية الإسرائيلية يشمل "إعادة إعمار إنسانية محسنة لغزة، مقابل صراع منسق ضد التعزيزات العسكرية لحماس. تشمل إعادة الإعمار والتأهيل هذه تلبية احتياجات الحياة الأساسية. ستحصل غزة على إعادة تأهيل نظام الكهرباء، وتوصيل الغاز، وبناء مرافق تحلية المياه، وتحسين كبير في الخدمات الصحية، وإعادة تأهيل البنية التحتية السكنية والمواصلات. في المقابل، ستلتزم حماس بالهدوء طويل الأمد".
وأضاف أن المخطط يشمل التعاون مع المجتمع الدولي لتشكيل "روافع ضد حركة حماس والمساعدة في منعها من تعزيز قوتها العسكرية"، وأشار إلى أنه سيتعين على المجتمع الدولي "العمل على إحكام السيطرة على التهريب، وإنشاء آلية مراقبة اقتصادية لمنع تحويل الموارد إلى حماس".
واعتبر أنه "دون آليات الرقابة هذه، لن نتفق ولن توافق دول العالم على استثمار الأموال في غزة. لا أحد في العالم لديه مصلحة في الاستثمار وبناء البنية التحتية في مكان يمكن أن تبدأ فيه جولة أخرى من القتال في أي لحظة". وتابع "لن توافق إسرائيل على الاستثمار في تحسين الأوضاع في منطقة يتعرض منها مواطنو إسرائيل للتهديد". وأشار إلى أن "إعادة التأهيل ستكون مرحلة من مراحل المخطط الشامل، على أن يتم تخصيص فترة زمنية محددة لكل مرحلة. وأي انتهاك من قبل حماس سيوقف العملية أو يعيدها إلى الوراء".
وبحسب لبيد "ستكون السلطة الفلسطينية جزءًا من هذه العملية والجسم التشغيلي للمعابر. وسيتم النظر في إمكانية إعادة فتح معبر كارني (حاجز المنظار الذي يقع في الطرف الشمالي الشرقي من قطاع غزة). مصر ستواصل السيطرة على معبر رفح". وأشار لبيد إلى "أهمية الدور المصري الحاسم لنجاح العملية برمتها"، وقال: "هذا لن يحدث بدون مساعدة ومشاركة الشريك المصري، وبدون مقدرتهم على الحوار مع جميع الأطراف".
المرحلة الثانية: دور كبير للسلطة وبموجب قرار لمجلس الأمن
و"مع نجاح المرحلة الأولى"، أوضح لبيد أنه سيتم الانتقال إلى المرحلة الثانية "التي ستلعب فيها السلطة الفلسطينية دورا مركزيا وستتم بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي". وقال لبيد: "في المرحلة الثانية سيتم وضع خطة منظمة ومفصلة لمخطط الاقتصاد مقابل الأمن، والتي ستوضح الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه مستقبل غزة إذا قبلت حماس شروط الرباعية الدولية".
وأضاف "سيحصل سكان غزة وأعضاء المجتمع الدولي على خطة عملية وشاملة توضح كيف ستبدو الحياة في غزة إذا ومتى توقف تعزيز القوة العسكرية (لفصائل المقاومة)، والحفاظ على الهدوء، وتنفيذ صيغة الاقتصاد مقابل للأمن".
وتابع أنه "كجزء من المرحلة الثانية، سيتم الدفع بمشروع الجزيرة الاصطناعية قبالة سواحل غزة، مما سيمكن من بناء ميناء بحري. وبناء شبكة مواصلات لربط قطاع غزة بالضفة الغربية"، وتشمل المرحلة الثانية "تعزيز الاستثمارات الدولية في قطاع غزة والمشاريع الاقتصادية المشتركة بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية. وإنشاء مناطق صناعية وتوظيفية كبيرة بالقرب من معبر إيرز (بيت حانون)".
وأوضح أن إدارة الاستثمارات وتنظيمها في قطاع غزة بموجب مخطط الخارجية الإسرائيلية ستوكل "للجنة المانحين التي ستضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وستنضم إليها دول خليجية وعلى رأسها الإمارات".
وأضاف "في المرحلة الثانية، ستصبح السلطة الفلسطينية الطرف الأساسي الذي سيعمل مع إسرائيل لتنفيذ مختلف المشاريع. وستتولى السلطة الإدارة الاقتصادية والمدنية للقطاع".
ماذا عن حل الدولتين؟
وقال لبيد إن "المخطط المقترح لا يشير إلى حل الدولتين، لكن موقفي من القضية معروف جيدًا وهو: على إسرائيل أن تعمل على تقوية السلطة الفلسطينية، والتفاوض معها بهدف الانفصال إلى دولتين"، واستدرك بالقول: "الظروف السياسية - في كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية - لا تسمح بإحراز تقدم على المحور السياسي حاليا، ولكن في غزة يمكننا ويجب علينا التحرك الفوري".
واعتبر أنه "في سياق واسع، يمكن القول إن بدء العملية في غزة سيخلق ظروفًا أكثر ملاءمة للمفاوضات السياسية المستقبلية إذا وعندما تنضج الظروف. لقد رأينا في الماضي أن جولات القتال في غزة تضر أيضا بفرص العودة إلى طاولة المفاوضات".
وأوضح لبيد أن المخطط عُرض على رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، ووزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، وأكد أنهما "يوافقان عليه من حيث المبدأ"، كما لفت إلى أنه أجرى "العديد من المحادثات التمهيدية مع المسؤولين في العالم العربي والعالم الغربي، الذين يدرسون الفكرة. بما في ذلك السلطات المصرية، والقادة في دول الخليج، مع وزيرة الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والاتحاد الأوروبي".