بيت لحم-معا- تنظر مؤسسات حقوق الإنسان الموقعة أدناه بخطورة بالغة إلى شهادات محاميي الأسرى المتحررين المعاد اعتقالهم من الذين نجحوا في التحرر من سجن "جلبوع" الإسرائيلي وهم كل من: (محمود العارضة، محمد العارضة، زكريا الزبيدي، يعقوب قادري، أيهم كممجي ومناضل نفيعات). إذ وفقاً لشهادة المحامين فقد اعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي عليهم بشكل قاسٍ من لحظة الاعتقال، ما تسبب بإصابات جسدية متعددة، الأمر الذي استدعى نقل بعضهم للمستشفى بحالة صعبة نتيجة استخدام العنف غير المبرر وجرائم التعذيب ضدهم، كما يتم حرمانهم من النوم، والتحقيق معهم بعد تعريتهم بالكامل وفق ما رشح من معلومات حتى اللحظة، إضافة إلى تعرض بعضهم للتهديد بالقتل من قبل المحققين، واعتقال أقربائهم تعسفياً ولغايات الانتقام.
في ممارسات متكاملة تهدف لكسر عزيمتهم وإرادتهم، ومخالفةٍ صريحة لأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ومبادئهما المستقرة ذات العلاقة بالأشخاص المحرومين من الحرية وبالحق في عدم التعرض لكافة أشكال التعذيب والمعاملة المهينة والقاسية وإساءة المعاملة، وبوجه خاص المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمواد (7، 9، 40) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمواد (12 – 32) من اتفاقية جنيف الثالثة 1949، والمواد (90- 98) من اتفاقية جنيف الرابعة 1949، واتفاقية مناهضة كافة أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة، وقرار الجمعية العامة رقم (30/د/3452) لعام 1975 بضمان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
تشدد المؤسسات الحقوقية على أن الاحتلال الاستعماري الاستيطاني ونظام الأبارتهايد العنصري بذاته جريمة، والهروب من سجونه مدفوعاً بالرغبة في التحرر والانعتاق وبدافع الكرامة الوطنية فضلاً عن كونه واجب أخلاقي، بطولة وشرف محمي بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية سواء إعلان بروكسل 1874 أو اتفاقية لاهاي 1907 أو اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، الأمر الذي حذا بالعديد من الدول الديمقراطية فضلاً عن تجريم التعذيب ضد كل الأشخاص وفي كل الأوقات النص صراحة على منع تعذيب الأسرى/المعتقلين الذين ينتزعون حريتهم من السجون على وجه خاص، والاكتفاء بالعقوبة على الهروب الذي يخلف ضرراً في الممتلكات والأرواح، فكيف ووجود الاحتلال بكُلِه وسجونه جريمة مستمرة.
ينبغي التذكير، بأن استمرار الاعتقال بذاته يتناقض مع جوهر وصريح المادة (118) من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن الإفراج عن أسرى الحرب، والتي أوجبت الإفراج عنهم دون إبطاء، وهو ما يضع مسؤولية خاصة على الجهات والأطراف الفلسطينية التي وقعت على اتفاقيات "أوسلو" وفشلت في إلزام "إسرائيل" قوة الاحتلال في القيام بأدنى واجباتها، إذ التقطت دولة الاحتلال هذا التغافل والخطأ التاريخي بتجاهل موضوع الأسرى في مفاوضات التسوية، عبر تحويل ملف الأسرى إلى ورقة ضغط وابتزاز سياسي، وتحويل الإفراج الفوري عنهم من واجب قانوني دولي على قوة الاحتلال إلى مِنة يتم فيها الإفراج وفق الرغبة تحت مسمى "بوادر حسن النية"، وهو ما تعاظم ضرره بالقبول بالتقسيم الجغرافي والزمني والحزبي للأسرى على أساس الصِفة و "الضرر"، وقبول تقسيمهم إلى أسرى الضفة الغربية وأسرى قطاع غزة، وأسرى القدس، وأسرى عام 1948، وأسرى عرب، وأسرى مصنفين احتلالياً "ملطخة أيديهم بالدماء" وغيرها من التصنيفات البائسة.
وإذ تدين المؤسسات الحقوقية بأشد العبارات وأقساها، التجاهل الكامل لكل هذه المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق، عبر مواصلة "إسرائيل" القوة القائمة بالاحتلال اتباع إجراءات ممنهجة وسياسيات طويلة الأمد على المستويات التنفيذية والتشريعية والقضائية تُفضي لانتهاك ممنهج لحقوق المعتقلين والأسرى في السجون الإسرائيلية ضمن رؤية استعمارية، والتي طالت في جانب منها حقهم في السلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب، وحقهم في ضمانات العدالة وفي الرعاية الصحية. تشدد المؤسسات الحقوقية على أن معاناة المعتقلين والأسرى دفعت بهم إلى استخدام أمعائهم الخاوية في خوض إضرابات مفتوحة عن الطعام احتجاجاً على القمع الواسع الممارس ضدهم، والذي تشكل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية جزءاً فاعلاً منه.
يجب لفت النظر إلى رعاية القانون، إذ أن "إسرائيل" القوة القائمة بالاحتلال الدولة الوحيدة ومعها الولايات المتحدة التي شرعنت التعذيب وقوننته رسمياً. صادق "الكنيست" في العام 1987 على توصيات لجنة "لنداو" ، وأجازت التوصيات للضباط والمحققين الإسرائيليين استخدام التعذيب تحت مسمى "الضغط الجسدي/ الاستجواب المعزز"، في حين أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا قرار رقم (94/5100) عام 1999 والذي أكد على استخدام وسائل "خاصة للضغط الجسدي" في حال التهديد الأمني الوشيك، لتعود في العام 2018 وتوسع ذلك ليشمل الحالات التي لا تشكل تهديد أمني وشيك، في تأكيدٍ بالغ الوضوح على تكامل أركان المنظومة الاستعمارية وفي الصميم منها سلطتي التشريع والقضاء.
وفي حين أن المعتقلين والأسرى عرضة لأساليب تعذيب متعددة وممنهجة ناتجة عن سياسة عنف بنيوية وتشريعية وممارساتية وثقافية متبعة ضدهم، ومنها الشبح، والضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، وفتح المياه الباردة أو الساخنة جداً مع تيارات هوائية متقلبة، والحرمان من النوم، والخنق، والإيهام بالغرق، وحرق الجلد، والهَز بحيث يقوم المحققين بإمساك المعتقل وهزه بشكل منتظم وقوي وسريع للغاية وصولاً إلى إصابة المعتقل بالإغماء نتيجة الارتجاج الدماغي، والحرمان من النوم، وصلب الأسير على رأسه، والتعذيب النفسي باستخدام التهديد، والحبس الانفرادي، والحرمان من الزيارة، وغيرها من ممارسات التعذيب الوحشية، وأن عدداً من الأسرى والمعتقلين لم ينجُ ليروي ما حدث، والذين نجوا خرجوا بصدمات نفسية وآلام جسدية وعاهات دائمة،
تشدد المؤسسات الحقوقية، على أن نظرة الذات الإسرائيلية الاستعمارية لنفسها على أنها متحللة ومترفعة وفوق القانون، وسياسة الإفلات من العقاب، جزءاً أساسياً من استمرار هذه الممارسات دون اعتبار، وهو ما يتطلب مواجهته بكل حزم وصرامة عبر جلب المجرمين للعدالة وإنصاف الضحايا، ويجعل الصمت الرسمي الدولي شريكاً مباشراً بالتواطؤ.
رسماً على ما سبق توصي المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية الموقعة أدناه بالقيام على وجه السرعة بما يلي:
1. تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة ونزيهة من كفاءات مشهود لهم بالخبرة، تقف على ظروف وملابسات اعتقال الأسرى المتحررين تمهيداً لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
2. دعوة الشعوب في الدول العربية في كافة الأقطار، والجاليات العربية في الخارج إلى تشكيل حالة ضغط ومناصرة فاعلة للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، عبر الاحتشاد في الميادين المختلفة وإثارة قضيتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، إسناداً ودعماً لهم.
3. مطالبة الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف بالقيام بأدوارها بموجب المادة الأولى المشتركة في كفالة احترام الاتفاقيات، وتحويل الواجب القانوني بموجب الاتفاقيات إلى سلوك وممارسة فعلية واقعية، عبر الضغوط القصوى على دولة الاحتلال لغايات المساءلة والردع.
4. ضرورة قيام المحكمة الجنائية الدولية، صاحبة الولاية والاختصاص في الأرض الفلسطينية المحتلة، بملاحقة مرتكبي جرم التعذيب وتوسيع نطاق المسؤولية عنه ليشمل كل من يساهم بأي شكل فيه والاستفادة في ذلك من شهادات مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية المشفوعة بالقسم.
5. حث جامعة الدول العربية وأذرعها المختلفة على القيام بدورها في دعم وإسناد الأسرى والمعتقلين، وتفعيل قضاياهم على المستوى الدولي.
6. ضرورة قيام المقررين الأمميين الخاصين وعلى الرأس منهم المقرر الأممي الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بأدوارهم الفاعلة في تسليط الضوء على جرائم التعذيب الممنهج التي يتم ممارستها ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وإثارة القضية على أوسع نطاق في أروقة منظمة الأمم المتحدة.
7. أهمية متابعة أوضاع الأسرى والمعتقلين وأهاليهم في المجالات كافة، وتقديم الدعم والرعاية لهم من الجهات الرسمية والمدنية وبالذات على المستويات النفسية والصحية والاجتماعية والقانونية.
8. تعزيز وتفعيل دور هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ومساندتها بحيث تمارس دوراً أكبر في رعاية الأسرى والمعتقلين والاستجابة لاحتياجاتهم باعتبارها الإطار الرسمي الفلسطيني المسؤول عن ذلك، إضافة إلى دور نقابة المحامين النظاميين الفلسطينيين واتحاد المحامين العرب في جلب مجرمي الحرب الإسرائيليين للعدالة ودور نقابة الصحفيين الفلسطينيين في فضح ممارسات الاحتلال.
9. تعزيز قيام الدبلوماسية الفلسطينية بتسليط الضوء على قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في المحافل الدولية، والعمل على حشد الدعم الدولي والمناصرة في اتجاه صيانة وحفظ حقوقهم الإنسانية ووقف جرائم التعذيب الممنهجة الممارسة ضدهم.
10. دعوة منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والعربية والدولية، إلى القيام بأدوارها في مجال الرصد والتوثيق والقيام بجهود الضغط والمناصرة التكاتفية، والاستفادة من عضوية الائتلافات التي تشارك فيها، فيما يتعلق بجرائم التعذيب التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلين والضغط باتجاه الإفراج عنهم.
11. مطالبة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تبنى مقترحات المندوب الفلسطيني في جنيف وتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
12. مطالبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتولي مهامها ومسؤولياتها القانونية والإنسانية والقيام بدورها بفاعلية في التواصل مع الأسرى والمعتقلين والإشراف والرقابة على أوضاعهم في السجون وإبلاغ عائلاتهم بأوضاعهم.
13. تسليط الإعلام العربي التقليدي والحديث الضوء على قضية الأسرى والمعتقلين بشكل دائم، في إطار تحشيد الرأي العام للالتفاف حول قضاياهم.