رام الله -معا - أصدر المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الورقة السادسة ضمن الأوراق السياساتية النقدية التي يصدرها المركز للعام 2021، وتناولت هذه الأوراق قضايا سياساتية داخلية وخارجية تهم المجتمع الفلسطيني وصانع القرار.
وتناول عمر شعبان في الورقة وهو مؤسس ومدير مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، وكاتب باحث متخصص في الاقتصاد السياسي الفلسطيني، "منذ حدوث الانقسام الفلسطيني في يونيو2007 بات قطاع غزة منطقة جغرافية ذات سياق سياسي وقانوني مختلف عن الضفة الغربية. قطاع غزة منطقة صغيرة بحجمها لكنها كبيرة بمشاكلهاـ يخضع القطاع لحكم حركة حماس غير المعترف به عربيا ودوليا. فرضت إسرائيل حصارا شاملا على القطاع إثر سيطرة حركة حماس عليه وتعرض القطاع إلى أربعة حروب طويلة مدمرة وعشرات المواجهات المسلحة المحدودة على مدار 14 عاما. خلقت سياسة الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل، إضافة إلى الحروب والهجمات العسكرية المتكررة، أزمة إنسانية غير مسبوقة وأنتجت دمارا هائلا في البنية التحتية وفي كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية. [1] من المفترض أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أراضي السلطة الفلسطينية والدولة المنشودة حسب القرارات الدولية واتفاق أسلوا الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل. لكن كونه غير متصل جغرافيا بباقي الاراضي الفلسطينية وجعله الانقسام المستمر منذ 2007 خارج سيطرة السلطة الفلسطينية. أعاد الفشل في كافة محاولات المصالحة والوحدة طرح السؤال الكبير: ما هو مستقبل قطاع غزة في الخمس سنوات القادمة؟ وهو محور هذه الورقة.
معطيات أربع:
تنطلق هذه الورقة من الافتراض بأن المعطيات الأربع التالية لن تتغير خلال السنوات القريبة المقبلة:
بقاء الانقسام الفلسطيني وبقاء سيطرة حماس على القطاع: لقد فشلت المحاولات العديدة في تحقيق المصالحة وعودة السلطة إلى حكم قطاع غزة والتي كان آخرها تشكيل حكومة الوفاق في يونيو 2014 نتيجة لاتفاق الشاطئ للمصالحة الموقع في إبريل من ذلك العام. بعد انقطاع لعدة سنوات تجددت جولات الحوار بين ممثلي حركتي حماس وفتح في لقاءات استضافتها العواصم الإقليمية إسطنبول والقاهرة والدوحة في سبتمبر 2020 [2]إلا أنها لم تنجح في تحقيق المصالحة. إن فشل جولات المصالحة يعني بقاء حماس على سدة الحكم في قطاع غزة. من بين كافة القوى الإقليمية لا تخفي إسرائيل سعيها إلى منع المصالحة الوطنية وعودة السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة.
بقاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدون حل: لم يلبث أن تلاشى التفاؤل الذي ساد في الاوساط الفلسطينية والدولية مع تولي الرئيس جو بايدن الحكم في الولايات المتحدةـ، حيث لم تبادر الادارة الامريكية الجديدة باتخاذ أي خطوة لإعادة مسار المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. الاتصال الاول بين الرئيسين بايدن ومحمود عباس حدث بسبب الحرب الاخيرة بين إسرائيل والفصائل في غزة في مايو 2012. التدخل الامريكي، والذي جاء متأخرا بعض الوقت، حركته الحرب على غزة، لكنه اقتصر على تدخلات اقتصادية ومساعدات مالية بعيدا عن أي مسار سياسي. كما أن الاجتماع الاول بين الرئيس عباس والحكومة الإسرائيلية (بلقائه مع الوزير بيني جانتس) في أغسطس 2021 تناول فقط قضايا أمنية واقتصادية وإنسانية هدفت إلى تقوية السلطة وتعزيز التنسيق الامني ومنع الانهيار. وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات رئيس الوزراء نفتالي بينيت التأكيد أنه "ليست هناك عملية سياسية مع الفلسطينيين، ولن تكون هناك مثل هذه العملية"[3]. إذا، لا أمل بمسار سياسي على المدى المنظور.
بقاء الحصار والإغلاق: مع انتهاء جولة الحرب الاخيرة (مايو 2021) بين إسرائيل و قطاع غزة، أعلنت الحكومة الاسرائيلية الجديدة موقفها الواضح المتمثل في مواصلة الحصار على قطاع غزة ومنع عملية إعادة الاعمار وربط كل هذه التسهيلات بملف الاسرى الإسرائيليين الذين يفترض تواجدهم في غزة[4]. شهد الموقف الاسرائيلي المتعنت بعض التنازل فيما يتعلق بالحصار حيث اضطرت الحكومة الاسرائيلية الجديدة تحت ضغط الوسطاء، ولتجنب نشوب حرب جديدة، إلى تقديم بعض التسهيلات منها السماح بتحويل جزء من أموال المنحة القطرية، والسماح بدخول المواد الخام، ومنها مواد البناء، وتوسيع مساحة الصيد، والسماح بدخول آلاف العمال الغزيين إلى إسرائيل. إلا أن هذه التسهيلات لا ترق بالطبع لرفع الحصار الكلي المفروض على قطاع غزة. [5]
بقاء البيئة الإقليمية الراهنة بدون تغيير: تفترض الورقة أخيرا بقاء البيئة الاقليمية كما هي دون تغيير نوعي. تضم هذه البيئة اللاعبين الأساسيين، وهم مصر وإيران والاردن وتركيا وقطر. هذه الدول الذي تمثل الاقليم لا يجمعها موقف موحد تجاه حركة حماس وقطاع غزة. ففي الوقت الذي تتميز علاقات إيران وتركيا وقطر بالانفتاح على حركة حماس وتقديم مساعدات إنسانية وبعضا من الاعتراف السياسي، تشهد علاقة مصر والاردن مع حماس الكثير من المد والجزر، حيث يغلب عليها علاقة الامر الواقع ليس أكثر. تنعكس خلافات دول الاقليم بشكل واضح على علاقاته مع حركة حماس، وهي دول مشغولة بقضاياها الداخلية وليس لديها النية لإحداث تغيير نوعي في علاقاتها ومواقفها من حماس خاصة وقطاع غزة عامة.
استشراف المستقبل: ماذا ينتظر قطاع غزة في السنوات الخمسة القادمة؟
في ظل هذه المعطيات، تبحث هذه الورقة ماهية الخيارات المتاحة والممكنة أمام قطاع غزة في السنوات الخمسة القادمة. تعتمد هذه الورقة على قراءة مواقف الاطراف ذات العلاقة ودرجة تفاعلها مع البيئة الداخلية. كذلك تستفيد من النقاش الدائر داخل حركة حماس حول البدائل المتاحة وأي الطرق تسلك للخروج من الازمة المتواصلة من 14 عاما. في محاولة لاستشراف مستقبل قطاع غزة في الخمس سنوات المقبلة.
ويمكن رصد ثلاث خيارات متاحة، وهي:
الخيار الأول: اتمام المصالحة، عودة السلطة مع إشراك حماس في الحكم:
يفترض هذا السيناريو تحقق المصالحة الوطنية بشكل كامل. منذ حدوث الانقسام لم تتوقف محاولات الوصول لذلك الهدف، رغم العديد من اتفاقيات المصالحة (عدن 2008، القاهرة 2011, الدوحة 2012، والشاطئ 2014 والقاهرة 2017) إلا أنها فشلت جميعا في تحقيق المصالحة. جاء المرسوم الرئاسي في يناير 2012[6] بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في مايو ويوليو 2021 ليعيد الامل بحدوث المصالحة الوطنية. ما لبث هذا الامل أن تبدد بقرار الرئيس بتأجيل الانتخابات بحجة رفض إسرائيل إجرائها في مدينة القدس. وكان قد سبق ذلك سلسلة من المحاولات العديدة تجاه المصالحة الوطنية بين حماس وفتح؛ كان آخرها في 24 سبتمبر 2020 في إسطنبول حيث أسفرت تلك المحاولة عن رؤية مشتركة تجاه الملفات العالقة بين الطرفين كإصلاح منظمة التحرير، والموقف من الاحتلال، واستخدام المقاومة الشعبية كاستراتيجية مواجهة لم تطبق بعد. [7] مع تأجيل الانتخابات والحرب على غزة في مايو 2021، التي ساهمت في رفع شعبية حماس بشكل كبير والتي رافقها تدهور شديد في موقف السلطة الفلسطينية على خلفية اغتيال الناشط نزار بنات وصفقة اللقاحات الفاسدة وغيرها، اتسعت الهوة بين الحركتين مما جعل المصالحة بعيدة المنال. يشير استطلاع الرأي الذي نفذه المركز الفلسطيني للدراسات السياسية والمسحية أن شعبية الرئيس الفلسطيني قد شهدت تراجعا بشكل كبير بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حيث هبطت من 47% في آذار (مارس) 2021 الى 27% في حزيران (يونيو) 2021. كذلك يشير الاستطلاع ذاته أن 53 % يقولون أن حماس هي الأكثر جدارة بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني مقابل 14% فقط لحركة فتح بقيادة الرئيس عباس[8] .
بعيد الاجتماع الثلاثي بين الرئيس الفلسطيني والمصري والملك الاردني في القاهرة في سبتمبر 2021 صرح الرئيس محمود عباس "بضرورة "اعتراف حركة حماس بالشرعية الدولية، وإذا اعترفت بتلك الشرعية نستطيع تشكيل حكومة وحدة وطنية فورا".[9] وهو موقف سبق لحركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية رفضه.
ليس هناك إجماع بين قيادات حركة حماس على المصالحة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح حيث كانت تصدر تصريحات عن قيادات في حركة حماس غير متسقة بخصوص المصالحة ومدى التنازلات التي يجب تقديمها. كذلك هو الحال داخل أطر حركة فتح وبعض الفصائل المتحالفة معها، لقناعة كل طرف بأنه لن يكون الرابح الأكبر. كما تمنع العديد من القضايا الشائكة تحقق المصالحة ومنها: إصرار حماس على الاحتفاظ بسلاحها وأجهزتها العسكرية والأمنية، بخلاف رغبة الرئيس محمود عباس، الذي يشترط سلاحا وقانونا واحدا، فهو يرفض نسخة لـ "نموذج حزب الله في لبنان" في غزة. وهناك صعوبة أُخرى تتمثل في الدمج الإداري والأمني للموظفين العاملين مع حكومة حماس، والجباية المالية والقضاء والأراضي ورفع العقوبات.
يسود اعتقاد داخل حركة حماس أن عامل الوقت يعمل لصالحها، حيث تراكم مزيدا من الخبرة و التأييد في الاقليم ،كما حدث مع الحرب الأخيرة. كذلك تعتقد حركة حماس أن حظوظ المصالحة ستكون أفضل في حال غياب الرئيس الفلسطيني عن المشهد. يقابل ذلك تدهور متواصل في شعبية خصمها الرئيس محمود عباس وتفجر الصراع على خلافته داخل أطر حركة فتح والسلطة ذاتها. لكل ذلك حركة حماس ليست في موقف المتسرع للذهاب للمصالحة.
الخيار الثاني: التوصل إلى هدنة طويلة مع اسرائيل
منذ سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، وهي متوترة في سلوكها تجاه إسرائيل، فهي تتأرجح بين الحاجة لتحديد موقعها كمسؤولة عن السكان وسعيها لتوكيد قدرتها على الحكم، والرغبة بالحفاظ على مكانتها كقائدة للكفاح المسلح ضد إسرائيل، واهتمامها بإعادة بناء القطاع الذي تدمرت بنيته ابان الحروب. وقعت حماس العديد من اتفاقيات التهدئة مع إسرائيل بعيد كل حرب (2009 و 2012 و 2014) لكنها كانت قصيرة المدى. تدير حماس حوارا شبه متواصل مع اسرائيل، بوساطة مصرية وقطرية وأممية كي تحصل على جملة من التحسينات الاقتصادية والمادية وفتح المعابر وإصدار التصاريح للعمال وغيرها. مع كل نزاع تقوم إسرائيل بسحب هذه التسهيلات ومن ثم يتم إعادة التفاوض حولها من جديد.
تؤكد حماس بين الحين والآخر بأنها لا تريد مزيدا من الاشتباكات العسكرية الواسعة مع إسرائيل، بل هي تسعى إلى وقف التصعيد بشرط تخفيف الحصار، لكن دون التخلي عن مبدأ الكفاح المسلح ضد إسرائيل. حماس ترى في حكمها لقطاع غزة ومواصلة خطاب المقاومة والكفاح ضد الاحتلال كعناصر ضرورية في صياغة هويتها وضمان الالتفاف حولها، والاستحواذ على اهتمام الجهات الخارجية، سواء حلفائها (قطر وتركيا وإيران) وخصومها (إسرائيل، ومصر، والسلطة الفلسطينية) على حد سواء. في ذات الوقت تتحمل حماس أعباء الحكم وتدرك أنها بحاجة لعلاقة ما مع الاحتلال بصفته المتحكم الأساسي بقطاع غزة.
لا تستطع حماس الذهاب بعيدا إلى حد الاعتراف بإسرائيل وتوقيع اتفاق سلام معها، وذلك لأسباب أيديولوجية وإدراكا منها أن مثل هذا الاعتراف يفقدها كينونتها (كحركة مقاومة) ويجعلها تخسر الدعم الرسمي والشعبي. لذا تفضل الحركة الحديث عن هدنة طويلة المدى مما يمكنها من الاحتفاظ بهويتها كحركة "مقاومة" فيما تحصل في ذات الوقت على تسهيلات اقتصادية تعزز من قدرتها على حكم القطاع (الجمع بين المقاومة والحكم). تقوم معادلة حماس على الحصول على التسهيلات والتحسينات الإنسانية وتجاوز الحصار والانفتاح على العالم الخارجي، مقابل أن تحظى إسرائيل بهدوء على الحدود لفترة زمنية طويلة. تتأرجح حركة حماس بين ماضيها كحركة مقاومة، والذي غادرته جزئيا في يونيو 2007، وبين حاضرها كحكومة حيث يقع عليها عاتقها التزامات العناية بــ 2 مليون فلسطيني، وهو مستوى لم تصل إليه بعد. تقع حركة حماس إذا في مرحلة وسطية بين التنظيم المسلح والحكومة.
الخيار الثالث: سيناريو كيانية غزة المستقلة:
يعني هذا الخيار أن يصبح قطاع غزة كيانا صغيرا يتمتع بسيادة، بحيث يصبح هو والضفة الغربية منطقتين تتمتعان بمستويين مختلفين من السيادة، حيث تشمل الضفة منطقة كنتونات أصغر مع الوقت مما عليها هي الان مع صبغة الحكم الذاتي الإداري الحالية. تكون الضفة مرتبطة شكليا مع كيان قطاع غزة الذي يتمثل فيها الحكم بشكل أوسع في الاستقلالية. إن ما يجعل هذا السيناريو مطروحا وبقوة هو بالطبع استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني لفترة طويلة دون آفاق لمعالجته وتعمق فجوة الخلاف بين حركتي حماس وفتح.
بسبب سنوات الانقسام الطويلة تنامى شعور لدى بعض الشرائح في المجتمع الفلسطيني باستحالة تحقق المصالحة وأنه على قطاع غزة التفكير جديا في إيجاد مخارج للازمة الإنسانية. لقد أحدث الانقسام تحولات مجتمعية وسياسية واقتصادية أخرى أسهمت بدورها في تعميق الانفصال بين غزة والضفة. إن مما يدعم هذا السيناريو أمنيات الامن القومي الإسرائيلي للفصل الاستراتيجي بين الضفة وغزة، الذي يتبناه الجنرال جيورا ايلاند، صاحب مشروع توسيع غزة، والذي طالب الحكومات الإسرائيلية بالخروج من الحذر التقليدي، واتمام صفقة شاملة مع قطاع غزة بما فيها تبادل الاسري، بما يفضي الى "تكريس إمارة غزة" واقعيا، وتحويل غزة الى مركز للدولة الفلسطينية، وتكون الكنتونات في الضفة بمثابة توابع لها[10].
وجهت السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح والعديد من كتاب الراي اتهامات لحركة حماس بأنها تسعى لتأسيس كينونة مستقلة في قطاع غزة.[11] وجد هذا الاتهام أرضية خصبة في الاجراءات والقرارات التي اتخذتها حركة حماس منذ توليها مقاليد الحكم في قطاع غزة. من هذه الاجراءات: تشكيل لجنة إدارية لإدارة غزة بحكم الأمر الوقع، والزيارات المكوكية للعديد من قياداتها لبعض الدول كممثلين للشعب الفلسطيني، وعرض وثيقتها السياسية في مايو 2017، التي هدفت لإصدار النسخة المعدلة الثانية من حماس وإلى تسويق ذاتها كحركة سياسية أكثر مرونة وقابلية للتكيف من متطلبات المجتمع الدولي[12]. صرحت حماس، الحركة والحكومة، في الكثير من الاحيان أن قطاع غزة يساهم في موازنة السلطة الفلسطينية وأن قطاع غزه يمكنه الازدهار في حال حصل على أموال المقاصة الخاصة به. كما تدرك حماس أن قطاع غزة لديه موارد طبيعية مثل الغاز الطبيعي، والإطلالة على البحر المتوسط، وامتلاك ثروة سمكية معقولة، وكلها إمكانيات تشجع على التفكير بأن قطاع غزة يمكنه الاعتماد على موارده الذاتية. لم تتوقف حماس عن نقض هذا الخيار (تأسيس كينونة مستقلة) والتأكيد دائما أن "لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة". في المقابل، يمكن قراءة موقف مختلف في تصريحات الرئيس محمود عباس لمجلة روز اليوسف المصرية التي اتهم فيها حركة حماس بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وفق اتفاق تهدئة قديم، يتم خلاله إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وذلك في عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، من اجل إقامة دولة في غزة. رد د. موسى ابو مرزوق على ذلك بالقول: "حماس يا سيادة الرئيس تريد دولة ليس في غزة فقط، ولكن في كل فلسطين ولا يجوز أن تتهرب من مسؤولياتك تجاه غزة المحاصرة بهذه الذرائع".[13]
مواقف الدول ذات العلاقة والتأثير:
تتباين مواقف الدول والجهات المعنية ذات التأثير على صيرورة الوضع في قطاع غزةـ. الموقف الاسرائيلي المعلن هو إبقاء الانقسام الفلسطيني بما يعفي إسرائيل من بدء مسار تفاوضي مع الفلسطينيين. في المقابل، يتلخص الموقف الثابت للسلطة الفلسطينية في منع انفصال قطاع غزة والابقاء عليه تحت سيطرتها كي تعزز من أوراقها التفاوضية مع إسرائيل والولايات المتحدة والاقليم. تتفق مع هذا الموقف كل من مصر والاردن اللتين تتخذان موقفا أيدولوجيا معاديا لحركة حماس. تنتهج مصر والاردن سياسة الامر الواقع بالتعاطي مع حركة حماس كقوة موجودة على الارض لكن دون السماح لها أن تصبح ذات كينونة معترف بها دوليا، ولا يرغبان مطلقا في مجاورة كيان مستقل تحكمه حركة هي جزء من حركة الاخوان المسلمين. باستعراض السيناريوهات الثلاث، يتضح التباين الشديد بين مواقف هذه الدول تجاه مستقبل قطاع غزة. فإسرائيل تفضل خيار المراوحة لحين نضح الظروف التي تسمح لخيار الانفصال بالنضج. يمكن إدراج مقترح وزير الخارجية الاسرائيلي يائير لابيد الذي عرضه في مؤتمر هرتسيليا هذا الاسبوع ضمن هذا السيناريو الذي يتماشى مع الموقف الاسرائيلي الاستراتيجي القائم على إبقاء الانقسام الفلسطيني وتحديد قدرات حركة حماس والفصائل المسلحة الاخرى مع تقديم تسهيلات مغرية لحركة حماس.
خلاصة
الواضح من كل الخيارات السابقة، أن مستقبل قطاع غزة من الصعب أن يرسم بدون أن تكون حركة حماس فاعلا أساسيا. أما إسرائيل، وهي المقرر الاساس في صيرورة الوضع في قطاع غزة، فليست معنية بتوقيع اتفاق سلام مع حماس، بل تميل إلى الخيار الثاني، وهو الذهاب إلى هدنة طويلة (15-20سنة). هذه الخيار يتماشى مع مصلحتها الاستراتيجية في إبقاء الانقسام الفلسطيني ومنع عودة السلطة للقطاع. كذلك، فإن إبقاء حالة العداء الراهنة يصب في صالح الطرفين إسرائيل وحماس. فكلاهما يوظف هذا العداء لتبرير وجوده وسياساته. لذا تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات للقطاع من وقت لآخر، وتستأنف أحيانا سياسة الاغتيالات والاعتقالات، و في الوقت ذاته تجري مفاوضات غير مباشرة مع حماس كي تحد من قوتها و تحصر وظيفتها " كشرطة داخلية". وهي معادلة متوازنة ذات مخرجات مدروسة بعناية تدعم سيناريو المراوحة. ففور انتهاء الجولة الحربية الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة، عادت حكومة الائتلاف بقيادة نفتالي بينت، إلى التلويح بــ "الأمن مقابل الهدوء" مع تحسينات اقتصادية محدودة، وذلك في سياق التأكيد على استمرار الانقسام ومنع انهيار حكم حركة حماس. لقد نجحت الحكومات المتعاقبة في إسرائيل في اقناع الجمهور الاسرائيلي أن استمرار الفصل بين الضفة وغزة هو لصالح إسرائيل وهو الحل الأنسب لها. تدرك إسرائيل بالطبع حاجة حماس ورغبتها في الاستمرار بحكم غزة.
إن مما لا شك فيه أن الخيار المثالي هو تحقيق المصالحة بين رام الله وغزة، وهو الخيار الذي يحفظ حل الدولتين الذي اعترف به العالم، إلا أن خيار المراوحة هو الاكثر احتمالا للتحقق في السنوات الخمس القادمة. هذا خيار لا يغضب السلطة الفلسطينية، و لن يجد اعتراضا واسعا من مصر والأردن، وهو الخيار الذي أصبح مألوفا من قبل الاقليم.
المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية
مؤسسة أكاديمية علمية بحثية مستقلة غير ربحية وغير حكومية. تأسس المركز في مطلع عام 2000 كمركز مستقل للبحوث الأكاديمية ودراسات السياسات العامة. يهدف المركز إلى تطوير المعرفة الفلسطينية وتقويتها في مجالات ثلاث: السياسات الفلسطينية الداخلية؛ والتحليل الاستراتيجي والسياسة الخارجية؛ والبحوث المسحية واستطلاعات الرأي العام. يقوم المركز بالعديد من النشاطات البحثية، منها إعداد الدراسات والأبحاث الأكاديمية ذات العلاقة بالسياسات الفلسطينية الراهنة، وإجراء بحوث مسحية حول المواقف السياسية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، وتشكيل مجموعات عمل لدراسة قضايا ومشاكل تواجه المجتمع الفلسطيني وصانع القرار ووضع حلول لها، وعقد المؤتمرات والمحاضرات والموجزات المتعلقة بشؤون الساعة، ونشاطات أخرى. يلتزم المركز الفلسطيني للبحوث بالموضوعية والنـزاهة العلمية ويعمل على تشجيع تفهم أفضل للواقع الفلسطيني الداخلي وللبيئة الدولية وبلورته في أجواء من حرية التعبير وتبادل الآراء.
يتم القيام بالنشاطات والأبحاث في المركز من خلال وحدات ثلاثة: وحدة السياسة الداخلية، وحدة التحليل الاستراتيجي، ووحدة البحث المسحي. تقوم هذه الوحدات بممارسة أربعة أنواع من النشاطات: كتابة البحوث والتحليلات السياسية، وإجراء البحوث المسحية التجريبية واستطلاعات الرأي العام، وتشكيل فرق الخبراء ومجموعات العمل، وعقد وتنظيم المؤتمرات واللقاءات. تقوم هذه الوحدات بالتركيز على المستجدات في الساحة الفلسطينية وعلى الموضوعات السياسية ذات الأهمية الخاصة والتي تحتاج إلى البحث العلمي والأكاديمي.