غزة- معا- كرَّمت الهيئة العامة للشباب والثقافة بغزة، الاثنين، الأديب الراحل حنا دهده فرح، وذلك ضمن مشروع "عاش هنا"، والذي تسعى من خلاله إلى تخليد ذكرى عدد من القامات والرموز والمبدعين الذين ساهموا في إثراء الحركة الثقافية والفنية والفكرية في فلسطين.
جاء ذلك خلال حفل في بيت العائلة بمدينة غزة، بحضور رئيس الهيئة الأستاذ أحمد محيسن، ومدير عام العمل الأهلي والآداب الأستاذ سامي أبو وطفة، ومدير عام الفنون والتراث الأستاذ عاطف عسقول، ورئيس بلدية غزة الدكتور يحيى السراج، والأديب والروائي غريب عسقلاني، بالإضافة إلى أسرة الراحل، وممثلين عن الطائفة المسيحية ولفيف من الشخصيات الاعتبارية والمثقفين.
وفي كلمة له، أوضح محيسن أن مشروع عاش هنا يهدف إلى تكريم المبدعين الراحلين من أبناء الشعب الفلسطيني، تقديرًا لإسهاماتهم المؤثرة في العمل الوطني ودورهم الريادي في النهوض بالثقافة الفلسطينية ونشرها ونقلها إلى العالم، مشيرًا إلى أنه تم من خلال المرحلة الأولى من المشروع تكريم نخبة من الشخصيات الثقافية، من شعراء وأدباء وفنانين ومفكرين ومؤرخين من قطاع غزة.
وقال محيسن: "نحتفي اليوم بتكريم واحد من جيل الرواد الأوائل الذين ساهموا منذ بدايات القرن العشرين في النهضة الأدبية في فلسطين، بالإضافة إلى حضورهم وتأثيرهم الفكري والسياسي والاجتماعي، ودورهم في رفع مستوى الوعي بين أبناء الشعب الفلسطيني خاصة حول القضايا الوطنية والمشروع الصهيوني والمؤامرات والمخططات التي تُحاك ضد فلسطين".
وأضاف: "يملك شاعرنا سيرة عطرة ودورًا مميزًا في تعزيز النسيج الاجتماعي وتقوية أواصر المحبة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وترك إرثًا ثقافيًا مميزًا، فقد كان متعدد المواهب والقدرات إلى جانب إسهاماته الأدبية، حيث كان ضليعًا في أسرار اللغة العربية، بالإضافة إلى نشاطه الصحفي والاذاعي، وعمله في مجال التعليم وتربية الأجيال وتنشئتها".
من جانبه أكد السراج أن الراحل يُجسد حالة الوحدة الوطنية والتكاتف والمصير المشترك بين أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف توجهاتهم الدينية والفكرية والسياسية، وأن الفلسطيني قادر على وأد بذور الفرقة والانقسام والعيش بسلام ومودة، لافتًا إلى أن مدينة غزة كانت وستبقى منارة علمية وثقافية.
من جهته، أوضح عسقلاني أن الشاعر فرح يُعد نموذجًا يحتذى للشعراء والأدباء الشباب، مبينًا أنه كان شاعرًا مثقفًا موسوعيًا وساعده على ذلك تمكنه من اللغة العربية والإنجليزية واليونانية، وتعمقه في التراث الإسلامي والمسيحي، ما جعله على معرفة ودراية واسعة وعميقة بالآداب والفنون والتاريخ والفلسفة.
من جانبها، ألقت كريمة الشاعر الراحل الهام فرح كلمة العائلة، ثمَّنت خلالها مبادرة تكريم والدها، مستعرضة أبرز المحطات التاريخية التي مر بها وأعماله الأدبية ومواقفه الوطنية.
وتم في ختام الحفل إزاحة الستار عن لوحة مذهبة باسم "عاش هنا" تحمل اسم الراحل حنا دهده فرح وتاريخ ميلاده ووفاته (1906-1985)، وضعت على مدخل بيت العائلة تقديرًا لمسيرته الأدبية الخالدة.
يذكر أن الشاعر حنا دهده فرح ولد في مدينة غزة عام 1906، ألحقه والده بالكتّاب كغيره من أبناء جيله، فتعلم القراءة والكتابة، وعندما شعر والده بنبوغ ابنه أرسله إلى دير الروم في مدينة القدس ليكمل تعليمه، فتعلم هناك اللغة اليونانية وحفظ ترانيمها وأصبح مرجعًا لها، وحفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره.
بعد أن أنهى دراسته في مدرسة دير الروم، عمل مدرسًا في مدينة إربد، ثم عاد إلى غزة، وأنشأ أول ناد أرثوذكسي فيها، ثم انتقل إلى مدينة بيت لحم وعمل مدرسًا للغة العربية، واشتهر بإجادته للغة العربية بمهارة عالية، وعُرف بأشعاره التي كان يكتبها في كل مناسبة.
انتقل إلى مدينة الناصرة وعُين مديرًا للمدرسة الابتدائية هناك، وكان يخصص المدرسة خلال العطلة الصيفية لاستقبال الأطفال لتعليمهم الأخلاق والفنون وممارسة النشاطات الترفيهية المتنوعة، بالإضافة إلى تنظيم رحلات للأطفال إلى مدن وقرى فلسطين، وخلال الرحلة كان الأطفال ينشدون أناشيد من تأليفه، جمعها في كتاب بعنوان (باقة أزهار)، واستعار لها ألحانًا من الفلكلور الفلسطيني ليسهل على التلاميذ حفظها، وكانت معظم قصائده تدلل على حبه الشديد لوطنه.
عمل الراحل في المحطة الإذاعية التي كان يديرها الشاعر الكبير إبراهيم طوقان الذي أعجب بكتاباته ومقالاته، فخصص له مقالًا اسبوعيًا في الإذاعة، وكانت مقالاته مميزة ينتظرها المستمعون بفارغ الصبر، حيث كان من خلال مقالاته ينتقد بعض التصرفات السلبية بطريقة كوميدية.
وبعد ذلك اجتاز امتحان المعلمين الأعلى بتقدير امتياز، وحاز على شهادتها عام 1926، وانتقل ليعمل مدرسًا للغة العربية في مدرسة غزة الثانوية وهي المدرسة الثانوية الوحيدة في ذلك الوقت، واستمر في كتابة مقالاته الناقدة، فأصدر جريدة أسبوعية خاصة بالمدرسة سماها (الخازوق)، كان ينتقد فيها واحدًا من زملائه المدرسين كل أسبوع بطريقة تضحكهم وتصلحهم دون أن تؤذي مشاعرهم، ثم قام بتغيير اسمها إلى (الخازوق الدوار) عندما وجد أن جميع المدرسين يحبون أن يروا أنفسهم موضع اهتمام ونقد بناء.
ثم عُين الأستاذ حنا مديرًا لمدرسة هاشم بن عبد مناف الابتدائية (الهاشمية)، فألف كتابًا في التربية الاجتماعية للصف الثالث الابتدائي وأسماه (الفريد)، ثم تم تعينه مفتشاً للمواد الاجتماعية في المدارس الابتدائية زمن الإدارة المصرية لقطاع غزة، حيث عمل في حقل التعليم لأكثر من 30 عامًا.
خلال عمله مديرًا لمدرسة الهاشمية كتب أول مسرحية إسلامية ليقدمها أطفال مدرسته في عيد المولد النبوي الشريف، وكان اسم المسرحية (مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، كان أولها يخرج أحد المجوس إلى المسرح، ويرى نجمًا عظيماً في السماء، فيعرف أن أحد الأنبياء العظام قد ولد فيقول: الحمد لله ثم الشكر للصمد باري الوجود ومحصي الخلق بالعدد، رب كريم عظيم لا شريك له كالجوهر الفرد لم يولد ولم يلد.