بيت لحم- معا- في السادس عشر من شهر كانون الاول توفيت سيدة تعيش في احدى حارات مخيم الدهيشة للاجئين، وبالتحديد في حارة السلام، حارة بسيطة، فقراء سكانها، تتداخل البيوت بها بشكل مخيف، وتتشارك فيها القصص بشكل مرعب، حارة السلام التي لم تنعم يوماً بالسلام.
توفيت هذه السيدة زَهرة، الجميلة، الحنونة والام لستةِ اطفال، اثر مرض عضال نهش اعضاءها واحداً تلو الاخر، خطفها من ربيع شبابها، ومن شبابها، تركتهم مبكراً، اصبحوا شباباً واكبرهم اختهم نجوى، اما الذكور اكبرهم كان يبلغ من العمرِ ثلاثة عشر ربيعاً اسمه ماجد، يتلوه امجد، ومحمد، ونادر، ومن ثم رياض، واصغرهم مازن، لم تكتفي الحياة بيتمهم، بل حاولت بشتى الطرق تشتيتهم، لم يسلموا من قساوتها، خاصة انهم يعيشون تحت اسوأ احتلال، احتلال اشتموا غازه المسيل للدموع احياناً، واحيانا اخرى استشهد اصحابهم، ودائما كان احدهم في الاسر، اي ان طاولة الطعام دوماً كانت تنقص الام من ناحية ومن ناحية اخرى تفتقد احد على الأبناء على الاقل، لأنه حتماً معتقلاً في احد سجون او زنازين الاحتلال، تناوب الاخوة الستة على السجون حتى اصبحت مكاناً يلتقون به.
يقول رياض (أحد الاخوة):" احنا كنا ست إخوة، أول ما بلشت الانتفاضة الأولى بلشنا ننسجن واحد ورا الثاني، ولما اجا دوري واخدوني كنت اصغر أسير فلسطيني، مكنتش لسا مكمل 13 سنة، وبتذكر وقتها انطخيت رصاصتين وحدة في اجري والثانية في ضهري ومنيح اللي اجت ع هيك ".
وأضاف:" من بداية الانتفاضة الأولى في 87 ل 94، عمرنا احنا الاخوة ما التقينا كلنا برا السجن مرة وحدة مع بعض، سبع سنين كاملات ما التقينا مع بعض في مكان واحد."
الشهيد: أمجد فرج
فقد تزامن مرارا وجودهم جميعاً في سجن جنيد، حتى ان اوسطهم امجد قضى ستة سنوات متواصلة في احد سجناته، وكما كل الاسرى الفلسطينيين كان لا يتلقى الا اسوأ انواع الاكل، و نهش عظامه البرد والاهمال الصحي، واصيب على اثره بالسرطان، وبقي الستة يصارعون الحياة مكسورين ونحن نعلم ماذا يعني ان تفتقد اخيك، فُقِد امجد قبل استشهاد ابيهم بستةِ اشهر، والذي كان يعمل حارساً في احدى المزارع، عاد من عمله وجلب الحليب والخبز لبيته، ولكن عودة الفلسطيني لبيته لم تكن يوماً طبيعية خاصة في فترة الانتفاضة الثانية، فقبل ان يصل بيته وصلته سبع واربعين رصاصة ام ستة عشر من جندي يقف على الجهة المقابلة له، تلطم الخمسة هذه المرة، ومن يومها حتى هذا اليوم التاسع عشر من كانون الثاني لعام الفين وواحد وعشرين، لم تعد اكتافهم مسنودة كما كانت من قبل، ولم يكف الاحتلال عن تنغيص وتجريد الفلسطينيين من ابسط حقوقهم.
بقلم: تالا فرج