الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الرجوب: نعم للقيادة الجماعية والعمل المؤسسي

نشر بتاريخ: 21/11/2021 ( آخر تحديث: 21/11/2021 الساعة: 14:07 )
الرجوب: نعم للقيادة الجماعية والعمل المؤسسي

بكر أبوبكر

في لقاء هام ضم لفيفًا من الروّاد والكادرات القيادية تحدث جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" بكلام محدّد غير مرسل على عادة السياسيين، فجاء كلامًا واضح المعالم، ولربما يكون هذا من ميّزات الخطاب الصادق والصريح وأحيانًا الى حدّ الصدمة لدى البعض في عديد الأمور التي قد لاتتوافق مع رأيهم.

أعلن الرجوب بصرامة أنه ضد ما أسماه (النظام البطريركي) أي النظام الأبوي الطاغي المهيمن، والذي صبغ الثورة الفلسطينية منذ البدايات موضحًا أن المرحلة القادمة تقتضي الجماعية والمؤسسية في القيادة والإدارة بعيدًا عن هذا النظام الأبوي الذي خدم المرحلة الماضية من مسيرة الثورة، الا أنه قد يكون من الضروري تطويره بالانتقال لفكرة القرار الجماعي والشراكة في كافة الأطر القيادية.

قلّة من السياسيين كما أشرت في مداخلتي تستطيع أن تتعامل معهم بوضوح بمعنى أن تنفتح معهم، وتفهم وتتفاهم، وقلّة هي التي يتسع صدرها للرأي الآخر، وقلة تلك التي تجعل الوضوح والمصداقية دأبها وعنوان مسيرتها.

وفي خطاب جبريل حول الوضع السياسي العام صِدقية نظنها الى حد اليأس من القائم، ولكن في الاتجاه الآخر يحمل في صورة العملة الثانية تركيزًا على مكامن القوة التي لها المقدرة على تحويل الصورة اليائسة للوضع أو البائسة المحزنة الى أمل ونور وهو ما عبّر عنه بقدرة الشعب الفلسطيني على اكتشاف المخارج والالتفاف حول وحدته الوطنية وقيادته، وعلى درب ما كان يردّده الخالد ياسر عرفات أن الشعب أكبر من قياداته.

طرح جبريل الرجوب أربعة تحديات تواجه القضية والمسيرة، لاسيما وفي هذا الشهر تمرعلينا الذكرى السنوية ال17 لاستشهاد الخالد ياسر عرفات وذكرى اعلان الاستقلال، وهي تحديات: الانقسام والانقلاب والتحدي العربي الذي قال فيه كلامًا ُمرّا صعبًا جدّا ما لا نستطيع نحن التصريح به لصعوبته ودقته، ثم تحدي النظام السياسي الفلسطيني وشرعيته وحول المنظمة وانكشاف البدائل وسقوطها الذي أجبر كل القوى بما فيها الاسلاموية للانخراط في رِكاب عملية الدخول أو الاصلاح (أو الهيمنة على المنظمة) وليس العمل من خارجها حيث افتقاد الشرعية العربية والعالمية.

وأضاف الرجوب لهذا التحدي أيضًا الشوائب التي تطال بعض مسلكيات الحكومة الحالية داعيًا للمراجعة في الأطر الثلاثة أي في الإطار الحكومي، وإطار منظمة التحرير الفلسطينية، وإطار التوافق الوطني الفلسطيني المتفلت من الالتزامات لدخول عديد التأثيرات والمحاور عليه.

اما التحدي الرابع-ولا تأخذ الترتيب أنه وفق الأهمية-فهو التحدي الداخلي الفتحوي المتمثل بقرب انعقاد المؤتمر الثامن لحركة "فتح" ضمن مدّته الزمنية حسب النظام ما يشكل قفزة حقيقية وهي التي جعل الحديث عنها في البداية ضمن شعاره الفاقع بإسقاط النظام البطريركي أو نظام الأبوة المهيمن الذي خدم مرحلة ولن يكون فاعلًا في المرحلة القادمة فلا بديل عن عقلية المؤسسة.

كان خطاب الرئيس أبومازن الأخير كما ذكر الرجوب علامة مضيئة في سماء السياسة الفلسطينية واعتبره خريطة طريق ضمن المهلة الزمنية التي حدّدها بعام واحد، وأكد على أن وحدة القرار والموقف القيادي الداخلي الفتحوي والوطني الفلسطيني، ثم العربي الحامي (هذا الجدار بدأ يتهدّم فلا أحد يريد أن يكلمنا!؟ ولا حتى يقول لنا كيف حالكم!) هو النواة الصلبة لصدّ الهجمات التي تستهدف تدميرالقضية.

وحين تطرّق الأمر للنظام السياسي، والنظام بمعنى اللائحة الداخلية الضابطة لعمل الحركة طالب بالتغيير والمراجعة ضمن نفس المقولة التي كرّرها أن المرحلة القادمة ستكون مختلفة كليًا عما قبلها أي بلا الفكر والسلوك البطريركي[1]، فصلاحية أي نظام (قانون حاكم) ليست أبدية.

جبريل الرجوب في هذا اللقاء للمجلس الاستشاري لحركة فتح الذي عقد في 9/11/2021 أشار أيضًا لصلابة قرار اللجنة المركزية بعقد المؤتمرعام 2022 بالموعد المحدّد، وكما الحال مع تشكيل اللجنة التحضيرية واللجان المنبثقة عنها وأن تكون العضوية في حدود النظام الداخلي لفتح، وتوافقات مجمل اللجنة المركزية. موضحًا أن الأخ الرئيس أبومازن وكما قال للجميع أنه يترك المؤتمر بين أيديهم وحسب النظام، ولن يتدخل فيه كما يهمِس البعضُ هنا وهناك وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أنه مرتّب مسبقًا.

كانت المسلكية والقيم والأخلاق الصالحة والوطنية عنوان آخر طالب الجميع بالالتزام به مؤكدًا أن عقيدنا العروبية الحضارية، وعقيدتنا الوطنية هي الأساس الذي جرت إليه حركتنا جميع الفصائل حتى الاسلاموية مؤخرًا.

في تحدي انهاء الانقسام (ما أسمي الانقلاب، أو الحسم العسكري لدى "حماس") طرح خمسًا من النقاط الهامة كالتالي:

1-ضرورة التوافق على الاستراتيجية، والرؤية والمشروع الوطني

2-أن تتوفر لدى الكافة جاهزية وقدرة تنظيمية ضابطة.

3-أن نقنع الشعب بما نتوافق عليه، فالشعب صانعُ الانتصارات

4-أن نحلّ الترسبات السياسية والأيديولوجية والاجتماعية التي نشأت عن الانقسام في غزة والضفة.

5-أن نبعد أو نتجاوز أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية فينا، وفي الاقليم.

وفي إطار الحديث عن الأسرى أوضح أن الاهتمام الشديد بالأسرى من القيادة الفلسطينية ينبثق من الاتجاهات الثلاثة للتحركات التي تقوم بها القيادة الفلسطينية متمثلة برعاية الأسرى والمعتقلين وأسرهم ماخاضت من أجله حربًا ضد الاحتلال، وبمتابعة قضيتهم داخلياً واقليميًا ودوليًا، وفي النقطة الثالثة بالعمل على إطلاق الأسرى وحريتهم الشرط اللازم لأي حل مُعرّجًا عما يدور عن صفقة ومعتبرًا أن إطلاق أي أسير وبأي طريقة هو مكسب للشعب العربي الفلسطيني البطل.

إن مصلحة "حماس" من صفقة الأسرى التي يدور الحديث عنها هو تحسين مكانتهم في الوسط الشعبي الفلسطيني، ودغدغة مشاعر الناس وتحقيق المكاسب قد تكون هدفًا بحد ذاتها رغم تأييدنا لأي إطلاق سراح من أين جاء.

وفي ذات الإطار فإن التوقّع بأن يكون هناك صفقة شاملة رآها الرجوب ضعيفة كسيناريو، مُرجحًا الصفقة على مراحل وذلك نتيجة تشكيلة الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية المعقّدة مشددًا أن هذه الحكومة لن تستطيع أخذ قرار بالافراج الشامل حسب الطروحات.

إن الوحدة الوطنية الفلسطينية تحتاج لرؤية سياسية مرتبطة بالدولة الفلسطينية، والشراكة الدولية أي عبر القوانين والمقرّرات الدولية، وتحتاج لرؤية داخلية مرتبطة بالاستقرار الاقليمي والدولي حول القضية، وشدّد الأخ جبريل على ضرورة أن يكون هناك مبادرة فتحوية قوية وجريئة وصريحة لضبط الايقاع الوطني والاقليمي (السمفونية) المؤسسية.

إن التحديات أو الهموم كما أسماها في ظل الانقسام الحاصل تتطلب

1- تحديد قواعد الاشتباك مع الإسرائيلي وفق سمفونية واحدة، لا مجزأة نشاز، لذلك أعلن أنه مع مهلة العام الواحد التي طرحها الأخ الرئيس في خطابه.

2-أشار للضرورة القصوى لحل مشكلة البيوت المدمّرة في قطاع غزة وتحقيق الإعمار

3-كما ان الترسبات الوطنية المتعلقة بالمؤسسات في المحافظات الشمالية وتلك الجنوبية تقتضي الحل دون تمايز، وبعدالة

4-ثم أشار لضرورة بناء الشراكة كبديل لعقلية الانقسام، موضحًا ان لا شراكة إلا من خلال الانتخابات، وأن يكون الجميع تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية والتزاماتها الداخلية والخارجية.

5-أما الأمن ببعده السياسي فيجب أن يعود لمنظمة التحرير الفلسطينية.

في إطار الحديث عن الحكومة الفلسطينية رأى أن الضرورة تقتضي دومًا ان يكون الأعضاء في الحكومة محبوبين وقادرين على الحركة، ومتفق عليهم بل ومرحّب بهم وطنيًا كما شدد على أهمية أن يكون المجتمع الدولي شريكًا معنا في الحكومة لإدارة الصراع ضد التغول الصهيوني وخاصة المتمثل بالمستوطنات والارهاب الصهيوني، ولحل الترسبات وإعمار غزة والتهيئة للانتخابات.

في سياق اللقاء الهام للأخ جبريل، دعني أختم بما قلته في لقاء هام سابق بالتفكير، والتساؤل المرتبط تحديدًا ببند بمؤتمر الحركة القادم

1-هل من الممكن أن نفكر بلا شخصانية وبلا "الأنا العليا" الحاكمة، فنقدم فلان وعلان وعلنتانة من القيادات الشابة ودفعهم لتسلم الراية؟

2-هل من الممكن أن ننشيء مؤسسات حركية ثقافية ومراكز دراسات وتدريب ومسرح ودبكة، أومؤسسات اجتماعية أو رياضية، واقتصادية وغيرها من المنظمات غير الحكومية بعيدًا عن الضغط التنظيمي القيادي المباشر فنظهر وجهًا آخر له الاستمرار فلسطينيا ووطنيًا؟ بغض النظر عن المتغيرات التنظيمية في المؤتمرات أو صراعاتها غير المحمودة، وبغض النظر عن التطورات السياسية؟

3-هل نستطيع وضع الآليات المُسبقة الضابطة والمُحكمة للخروج بمجموعة من التوجهات والقرارات، والأكتاف الصلبة القادرة على رفع الأمانة؟

4-ماذا سنفعل مع المهمشين أو الخارجين أو الحردانين أو الذين انتحوا جانبًا لسبب أولآخر قد يكونوا محقين أو غير محقين فيه، فهل نبتر أم نستوعب؟ وكيف بامكاننا أن نفعل ذلك فيتسع صدرنا وينشرح؟

5-هل نستطيع أن نواجه مقولة أن المؤتمر لن يكون أفضل مما قبله بمنطق النظرة السوداوية المقترنة بالسياسة والسلطوية والنفوذ وتوزع الولاءات على حساب الكفاءات، فنرسم خطًا فاصلًا بين مرحلة ومرحلة نكون فيها قادرين على النهوض أو شحذ الهمم للاستمرار بمنطق الرسالية والثبات والنضالية والديمومة؟

في الإطار الداخلي الحركي وختامًا للقاء مع الأخ جبريل الرجوب، وكما فهمنا الافتراض أن يكون المؤتمر الحركي القادم محققًا لنقلة حقيقية على صعيد البرنامج السياسي والوطني والعربي، وعلى صعيد التغييرات المتوقعة في النظام لداخلي كما الحال في بروز وجوه جديدة، وضمن فكرة المؤسسية، أوبالقدرة على العمل الناجز وتحقيق التغيير من عقلية البطريركية الى الجماعية.