بيت لحم- كتب حسن عبد الجواد- دعا التجمع الوطني للفعاليات العربية المسيحية، في محافظة بيت لحم، العرب المسيحيين في فلسطين، إلى المشاركة في مواجهة كل التحديات التي يتعرض لها الوطن والكنيسة على حد سواء، والى المشاركة في البناء، وفي الانتقاد البنّاء، لتقديم الحلول العملية، وإلى عدم الهجرة والتمسك بالأرض والوطن، و تمكين الشباب، وتوسيع الفرص أمامهم لتشجيعهم على البقاء في وطنهم، وعلى الانخراط مع كل المواطنين في الشأن العام، وفي العمل السياسي والاجتماعي والريادي، لبناء وطن هو في أمس الحاجة إلى جميع مواطنيه.
جاء ذلك خلال المؤتمر الذي عقده التجمع، تحت شعار"أصيلون ومتجذرون في هذه الأرض" في قاعة المركز الثقافي، في جامعة بيت لحم، وأدارت عرافته الصحفية رنا أبو فرحة، بحضور البطريرك السابق لطائفة اللاتين ميشيل صباح، ورئيس بلدية بيت لحم المحامي انطون سلمان، والمطران منيب يونان، والباحثة المقدسية د. فارسين اغابيكان، والاخ يوسف ظاهر ممثلا لمجلس الكنائس العالمي في سويسرا، وممثلي عشرات المؤسسات والفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية والأكاديمية والبحثية والكشفية، العاملة في مدن بيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جالا.
وأكد المتحدثون في المؤتمر، ان الوطن في حالة صراع من أجل حريته واستقلاله، وتصحيح الوضع، بمقاومة الاحتلال والتفرقة العنصرية، هو التحدي الأكبر لوجودنا كفلسطينيين وكمسيحيين. وواجب كل مواطن، وواجب كل مسيحي بحكم وصية المحبة، هو الإحساس والاهتمام بكل آلام الشعب ومقاومة هذا الوضع السياسي القائم.
ونص البيان الختامي للمؤتمر، على أن المسيحيون على هذه الأرض فلسطينيون شرقيون، شربوا ماء العروبة يفتخرون بها، ولا وجود لهم من دونها، وان المسيحيون مخلصون لإيمانهم وللكنيسة التي أسسها يسوع المسيح في فلسطين منذ يوم العنصرة قبل ألفي سنة، ومتمسكون بالهوية الوطنية الفلسطينية والمسيحية والتراثية، وكل مواطن وكل مسيحي مدعوٌّ إلى التحلي بالحكمة والوعي والعمل الجاد في هذا الوقت الصعب الذي يمر به وطننا. وان وثيقة وقفة حق/ كايروس فلسطين تمثل مرجعاً وبوصلةً نهتدي بها وندعو لتبنيها فهي الوثيقة التي تعبر عن الفهم الديني والدنيوي للمسيحي الفلسطيني.
بإرادتنا وصمودنا سنصل ولو أغلق العالم دوننا أبواب الحرية والاستقلال
والقي البطريرك صباح كلمة افتتاح المؤتمر قال فيها: "في هذه الأيام التي تسبق عيد الميلاد، ونسميها زمن المجيء، أي مجيء السيد المسيح، الذي يذكِّرنا بحياة جديدة وفرح جديد وسلام جديد.
وأكد ان هذا الاجتماع جهد مسيحي، من أجل وحدة المسيحيين، ومن أجل مزيد من المحبة بين المسيحيين. ولكن الكل يعلم ونريده أن يعلم أن محبة المسيحي تفيض على كل الأطر المسيحية، فتخرج من كنائسنا وكل مؤسساتنا الاجتماعية لتفيض وتشمل كل الناس. محبتنا المسيحية محبة لكل خلق الله، للمسلم والمسيحي. كلنا إخوة مهما كان الدين، والوطن بحاجة إلى مؤمنين، إلى مسيحيين مؤمنين وإلى مسلمين مؤمنين، والمؤمن الصحيح هو الذي يرى أن جوهر الدين هو عبادة الله ومحبة كل خلق الله. فالكل إخوة كما يقول علي بن أبي طالب: الناس اثنان، إما أخوك بالدين وإما نظيرك في الخلق. في كلا الحالتين، من دينك أو من غير دينك، الآخر هو أخوك. وهذا في الإسلام والمسيحية على السواء.
ولفت بان هذا التجمُّع مسيحي هو تجمُّع إخوة من أجل خير الإخوة جميعًا، وليس تجمُّعًا طائفيًّا. ليس تجمُّعًا لمواجهة أحد، أو للحلول محل أحد، بل لمساعدة كل أحد، وللقول لكل أحد: أنت أخي، وأنا أخوك.
وقال ان هذا التجمع في هذا المساء، هو ثمرة جهود كثيرة سبقته، لتوحيد الجهود ولتوحيد المحبة، ليكون الجميع قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة. كنائسنا بحاجة إلى وحدة في القلب وإلى محبة. ووطننا بحاجة إلى وحدة، وإلى محبة، بهما يوجَد ويُبنَى. بوحدتنا وبمحبتنا بعضنا لبعض، وبإرادتنا وصمودنا، سنصل، ولو أغلق العالم دوننا أبواب الحرية والاستقلال، كما هو الحال، ولو أغلقوا القدس، كما هو الحال. أمام المحبة والوحدة تُفتَح أبواب الحرية والاستقلال، وتفتح أبواب القدس أيضًا لصلاتنا ولمحبتنا، فتكون عاصمة لنا، لقلوبنا، ولصلاتنا، ولدولتنا.
وحيا البطريرك صباح، تجمع الفعاليات المسيحية في فلسطين. ودعاهم إلى المثابرة والتعاضد والتكاتف، والسير إلى الأمام في إطار هذا التجمع لأنه ليس لفئة دون فئة. وهو قوة للجميع وللشعب الفلسطيني، وحاجتنا إليه كبيرة، حاجة مجتمعنا وكنائسنا وجهدنا لاستعادة الحرية، بحاجة إلى قوة تحب.
منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد
وقال المحامي انطون سلمان رئيس بلدية بيت لحم إن وجودنا، وانتمائنا، ومسؤوليتنا كعرب فلسطينيين، ونحن نمر بأوقات مصيرية صعبة من جراء بقاء الاحتلال الإسرائيلي جاثما على أرضنا، محتلٌ لوطننا، وما ينجم عن سياساته القمعية من نكبات، وعن سلوكها لهمجي وعنجهيته من تحديات تعيق ممارستنا لحقنا المشروع بتقرير المصير والحرية وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس تحت راية وقيادة ممثلنا الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية .
ولفت الى إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي لا تفرق ولا تميز بين مكونات شعبنا الدينية او الاجتماعية او مشاربه السياسية أو بين الأفراد أو الجماعات، مما يحتم علينا أن نطلق صرخة حق،صرخة واجب يفرضها علينا وفاؤنا لأرضنا وشعبنا، لنعمل بجد واهتمام بدون كلل أو ملل على تعزيز هويتنا، وترسيخ المواطنة الصالحة في ضمائرنا وسلوكنا، وننبذ الهجرة لنبقى على هذه الأرض ونستمر في ارتباطنا بهذا الوطن .
لذا علينا بذل الجهد للتأسيس لمستقبل أجيالنا على أسس وطنية وإيمانية سليمة تحمينا من العبث بمقدراتنا، وتعزز من هويتنا الوطنية والدينية كعرب فلسطينيين مسيحيين لنستمر بالعيش على هذه الأرض المقدسة شهودا لميلاد الطفل يسوع كجزء أصيل من مكونات المجتمع العربي الفلسطيني.
واعتبر إن التقوقع على الذات، وإغلاق أفق التعاون والتواصل، لا يمكن لهما أن تعبران عن انتمائنا وهويتنا الوطنية،أو تحافظان على كرامتنا الإنسانية كعرب فلسطينيين مسيحيين، لذا فإننا نطالب من على هذا المنبر أن تعملوا من أجل احترام التعددية الاجتماعية، والدينية، والثقافية في المجتمع العربي الفلسطيني،وأن تغرسوا في الشخصية المسيحية المفاهيم الوطنية، والمبادئ الإنسانية لتعزيز قيم الإخوة، والمحبة،والتسامح، والتعاون، والعيش المشترك، وقبول بعضنا البعض، وانتمائنا لهذا الوطن وهذا الشعب فكرا ومنهجا.
الشراكة والتعددية والطابع الديمقراطي للمجتمع
وهنا جمال هماش باسم لجنة التنسيق الفصائلي، في محافظة بيت لحم، بحلول موسم الأعياد الميلادية المجيدة. وقال: "إن نجاح أي فكرة أو رؤية ترتبط إلى حد كبير بواقعيتها وموضوعيتها وشموليتها وعمقها الاستراتيجي وآفاقها، بما يخدم تطلعات الشعب الفلسطيني الوطنية والقومية السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية في الحياة اليومية، وعلى المدى البعيد .. وقد عبرت وثيقة إعلان الاستقلال الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1988.
وقال ان أهمية توحيد الرؤيا والمواقف للفعاليات العربية الفلسطينية المسيحية في المحافظة اتجاه مختلف القضايا السياسية و المجتمعية، عبر الحوار الديمقراطي والتكافل المجتمعي، وبما يخدم الوجود العربي المسيحي و تطوره و تعزيز دوره ومكانته، باعتباره جزءاً أصيلا من الوجود التاريخي للشعب العربي الفلسطيني ، وإن إقامة تجمع للفعاليات العربية المسيحية في محافظة بيت لحم، خطوة هامة يمكن البناء عليها في مختلف المحافظات الفلسطينية، لمواجهة كافة مخاطر الانقسام والأزمات والفلتان التي تتهدد شعبنا الفلسطيني، وهذا الوجود التاريخي الأصيل من أبناء شعبنا.
وأشار الى إن نجاح هذه الفكرة من وجهة نظرنا مرتبط إلى حد كبير بمدى إيماننا والتزامنا بالتعددية والشراكة والطابع الديمقراطي لمجتمعنا الفلسطيني، ودورنا الجماعي، وتحديد الآليات الواقعية و العملية وذات الكفاءة، للانتقال لمرحلة متقدمة من العمل، والاستجابة لمتطلبات وأولويات مكونات الوجود العربي الفلسطيني المسيحي .
وأكد هماش على أهمية التوافق على القواسم المشتركة، المتعلقة بأولويات الوجود العربي الفلسطيني المسيحي، والتي من شانها تُعَمِيق و ترسيخ هذا الوجود في فلسطين، وأهمية ارتباطه بنصوص وثيقة إعلان الاستقلال، التي تعتبر الخيار الوطني الصحيح، لمواجهة سياسة الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي للاحتلال، وأية مخاطر تواجه الوجود العربي الفلسطيني المسيحي، في فلسطين.
كلنا شعب واحد، ومواطنون في وطن واحد
وقال رفعت قسيس عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي قرأ البيان الختامي:"كلنا شعب واحد، ومواطنون في وطن واحد، مسلمين ومسيحيين ندعو إلى الحوار البناء والأخُوّة بين جميع المواطنين. ونحن واثقون أننا قادرون، مسيحيين ومسلمين، أن نبني مجتمعًا مؤسَّسًا على الأخوة والمواطنة الواحدة، في ظل القانون الواحد. وندعو كل المواطنين، المسيحيين والمسلمين،إلى عدم الانعزال والتقوقع على الذات، وإلى الانفتاح، حتى نبني معًا الوطن الذي نريده وطنًا للجميع. معًا علينا أن نتعلم كيف نكون إخوة يبنون وطنًا واحدًا. ونتعلم كيف نكون مواطنين متساوين لا يفرق بيننا الدين، بل يجمعنا ويزيدنا أخُوّة، و نشجع المواطن المسيحي والمسلم على العمل على تدعيم قنوات التواصل معًا، وعلى التواصل المباشر، وخصوصاً في المدارس والجامعات وعمل الأنشطة التي تساهم في بناء الثقة والمودة والعمل معًا. وعليه نرفض أي نوع من أنواع التعصب الطائفي والديني بين الأديان المختلفة، وندعو الجميع إلى احترام حرية الضمير والحرية الدينية والمساواة بين الناس.
ودعا البيان المسيحيين على تعدد كنائسهم أن يحبوا بعضهم بعضًا، فيكون كل واحد سندًا لأخيه، متعاونًا معه في بناء المجتمع، وتشجيع الكنائس والرعايا والمؤسسات المسيحية على التنسيق المباشر فيما بينها، في ما يخص المشاريع والنشاطات المختلفة، بهدف دمج المسيحيين مع بعضهم البعض حيث أمكن، والى التواصل المباشر والفعّال مع القادة الفلسطينيين من مختلف الشرائح والأحزاب ومؤسسات العمل المدني من أجل العمل على خلق جو من الألفة والثقة بين الناس، ولبناء مكون سياسي واجتماعي مبني على المساواة بين جميع المواطنين.
ودعا المشاركون السلطة الوطنية الفلسطينية الى: توفير الأمن والأمان لجميع المواطنين وإلى دعم سيادة القانون واستقلاله، وإلى تعزيز الحوار البنّاء والفعال بين مختلف فئات الشعب، والعمل على تطوير المناهج الدراسية وخصوصا تلك المتعلقة بالتاريخ والوطنية بحيث تحوي المحتوى المسيحي من تاريخ وثقافة ولاهوت وتراث شعبنا ووطننا. وبذل الجهد في سبيل استمرار الحضور المسيحي ومساعدة الناس وتشجيعهم على البقاء في أرضهم من خلال تطوير المناطق السياحية والاقتصادية ودعمها.
نداء إلى الدول والكنائس في العالم
وفي رسالتهم للدول والكنائس في العالم أكد المشاركون في المؤتمر على ان الشعب الفلسطيني شعب نريد السلام، ونعمل على استعادة حريتنا. ونقول إن الاحتلال الإسرائيلي احتلالاً لا بد من زواله، ولا بد من إيجاد علاقة حياة جديدة في هذه الأرض المقدسة، علاقة حياة واستقلال وكرامة ومساواة. وعليه، ندعو الأسرة الدولية، وكنائس العالم، إلى العمل الجاد من أجل تطبيق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية لوضع حد لهذا الصراع، ولاحترام حق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
كما دعوا الأسرة الدولية إلى ضمان الوضع القائم "الستاتيكو" في مدينة القدس، واحترام رعاية الأردن الشقيق لمقدساتها الإسلامية والمسيحية بالتعاون مع الكنائس والأوقاف الإسلامية. مدينة القدس يجب ان تكون مفتوحة للجميع ويمنع اي تغيير أحادي الجانب من اي طرف او تغيير هويتها المتنوعة. ووجهوا دعوة لجميع الحجاج من جميع الدول والكنائس إلى زيارة القدس وبيت لحم بعد هذه الازمة الوبائية العالمية ونقول نحن جاهزون.
وقدم حسام وهاب عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر، تعريفا بالتجمع، وشرحا لأهم البنود الرئيسية التي تحكم عمل التجمع.
وخلال المؤتمر وصلت رسائل تأييد للمشاركين فيه، من المطران وليم الشوملي النائب البطريركي للاتين في الأردن وفلسطين، والمطران عطالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، ومن المطران سني عازر مطران الكنيسة اللوثرية في الأراضي المقدسة.
وشاركت الباحثة المقدسية د. فارسين اغابيكان بعرض معلوماتي حول واقع الوجود والحضور المسيحي بالأرقام والتحليل والتطلعات، حيث اكدت ان المسيحيين مكون اصيل وأساسي في فلسطين، وهم يشكلون اليوم 1,6 – 1,8 %، منهم 130 الف مسيحي في أراضي ال 1948 ، يتمركزون في منطقة الجليل، فيما يتواجد 50 ألف مسيحي في الضفة من مجموع 5,300000 يتمركز منهم 22 ألف في مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، فيما يصل عددهم في غزة إلى حوالي ألف نسمة، أما عدد مسيحيي فلسطين في العالم فيصل إلى مليون مسيحي.