الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شيخ الأسرى فؤاد الشوبكي.. كم يساوي زمن السجن الباقي؟

نشر بتاريخ: 30/11/2021 ( آخر تحديث: 30/11/2021 الساعة: 13:04 )
شيخ الأسرى فؤاد الشوبكي.. كم يساوي زمن السجن الباقي؟



بقلم: عيسى قراقع

الجنرال العجوز الاكبر سناً في سجون الاحتلال الاسرائيلي اللواء فؤاد الشوبكي 80 عاماً، رفضت محاكم الاحتلال اطلاق سراحه بعد رفع التماسات عديدة من قبل مؤسسات حقوق الانسان نظراً لخطورة وضعه الصحي وبسبب اصابته بمرض السرطان وضعف النظر ومشاكل في القلب وعدم قدرته على الحركة والتنقل وخدمة نفسه، واصابته بضعف شامل في كافة اجهزنه الحيوية، اضافة الى قضائه ثلثي مدة حكمه البالغة 17 عاماً.

هذه الاسباب لم تقنع محاكم الاحتلال وقضاتها الذين ادعوا ان الشوبكي العجوز المريض لازال يشكل خطراً على دولة الاحتلال، وأنه لم يبد الندم على ما فعل، وعليه ان يقضي شيخوخته داخل السجن، فالبحر المتوسط حسب ادعاءات القضاة لا زال هائجاً في عروقه، وسفينته لم تغرق في امواج المحتلين، وأنهم لازالوا يسمعون عقارب ساعة عمره تدق تدق.

اعتقل فؤاد الشوبكي عام 2002 بتهمة تهريب سفينة( كارين ايه) المحملة بالأسلحة الى انتفاضة الاقصى العارمة، ونقل الى سجن اريحا تحت رقابة وحراسة بريطانية وأمريكية، وفي عام 2006 اقتحم جيش الاحتلال السجن وهدمه فوق رؤوس السجناء واختطف الشوبكي واحمد سعدات وكافة الأخوة والرفاق المعتقلين، ولأن الشوبكي من جيل الثورة الأول صدر بحقه حكماً رادعا، ورفض الاسرائيليون كل المطالبات بالأفراج عنه حتى لا يتكامل الماضي مع الحاضر ويرتفع النشيد على المسافة والمرايا والغياب.

ان ما يقلق المحتلون الاسرائيليون هو ان زمن فؤاد الشوبكي الاول لم يتوقف حتى الان، ها هي الاجيال الجديدة، الفتيان، الفتيات، الشباب، القصائد، الرسومات، الشعارات، المظاهرات، الأغاني، يحملها البعيد الى القريب، الميت الى الحي، هي منظومة فكرية قيمية ثقافية متولدة متجددة تتفاعل مع الزمان والمكان، تتردد في لغة الحرية والهوية بين الزمن الذاتي والجمعي، الذاكرة لم يجرفها الاحتلال كما جرف الارض وبنى المستوطنات، الرموز حية متفاعلة لم يستطيعوا طمسها او قلعها كما قلعوا الأشجار ونهبوا الذكريات.

لقد سعى الكيان الصهيوني بكل مؤسساته العسكرية والأمنية والقضائية على تصميم السجن بانظمة ولوائح وقيود وتشديدات لقطع صلة الاسير بالزمن، تخريب مقومات رغبته بالعيش والعزيمة والفعل، وبهدف عزل الاسير عن احلامه وطموحاته وصلاته الاجتماعية ، ان يسجن الاسير في قبر الزمن الاسرائيلي، ان يضمحل ويتلاشى وتتعطل حواسه داخل زمن السجن الدائري المغلق، اراد الجلادون ان يكون للاسير حياة اخرى مختلفة عن سائر البشر ، حياة لا اساس لها ولا غد ، حياة بلا وقت، بلا مواعيد، حياة تتسرب من بين الايدي رويداً رويداً ليتحول الاسير الى مجرد شئ او رقم بلا نبضات.

ما هو زمن المؤبد في سجون الاحتلال؟ يقول شيخ الاسرى فؤاد الشوبكي: انه زمن متجمد متكلس، زمن يتحول الى وحدات ميكانيكية يتعامل مع الاسير بأنه لم يعد انساناً، لا يسمح ذلك الزمن للاسير الا لقضاء الحاجات التي تضمن استمرار الوظيفة الحيوية، اكل، نوم، فسحة قصيرة، زيارات متباعدة محروسة باتقان، هذا هو عالم السجن الحديدي الذي يعمل على تدمير الامنيات والرغبات.

مفهوم السجن حسب التصميم الاسرائيلي لم ينجح في تطويع الأسرى وصهرهم داخل الزمن الذي ابتغوا منه ان يطحن البشر ويقضي على كرامة الاسرى وهويتهم النضالية والانسانية وتطلعاتهم المشروعة الى الحرية والاستقلال، يقول الشوبكي: زمن السجن لا يقاس بزمن الساعة، كل يوم، كل اسبوع، كل شهر، كل عام، بنفس الطول التي لا صلة لها بالانسان، فالاسير لا تحكمه القوانين المعنية بالاشياء المجردة من الحياة والروح، فالزمن الداخلي للاسرى تحرك الى الخارج، الى فضاء الكون ومعارجه، حول الاسرى المطلق الى نسبي عن طريق مقابلتها باللانهائي، صار زمن السجن اليفاً للاسرى وصديقا لهم، سفيراً لهم الى الحياة، انها مدة قصيرة بين الحرية و الانعتاق والثورة، زمن الأسرى اما ان نكون او لا نكون.

شيخ الاسرى فؤاد الشوبكي لا يحسب سنين عمره وفق تقويم السجن، لهذا يخاطبه قائلاً: ايها العمر المتنامي على عجل تريث قليلاً، فأنت اكثر جمالاً ورقة، فأن كان الموت يمثل نهاية حتمية لكل مخلوق، فأنه لا يستطيع قهر الأرادة والفكر، فالسجن ليس هو الأزل، والموت ليس هو القضية، ان التضحيات والنضالات ومعاني الصمود والشرف الانساني والوفاء هي تعويض الاحرار عن الزمن الضائع، ويقول الوقت متوقف ومتشابه، ولكن أحلامنا تنحدر كالنهر نحو البحر وتصب في الحقول وترتمي بين أحضانه.

الأسرى اشتبكوا مع زمن السجن، حركوا دولابه الفولاذي، الوقت صار له معنى وقيمة، لا فراغ بين صدى الحيطان، صار السجن مدرسة وجامعة، مئات الخريجين في الثانوية العامة وفي الجامعات، شهادات على مقاعد الحياة القادمة، 86 نطفة منوية مهربة صارت اطفالا اولاداً وبنات، خرج النور من الظلمات، ابداعات فكرية وثقافية وأدبية وفنية حلقت في الفضاء ، مواجهات واضرابات حتى اذاب الملح والجوع زمن السجانين، انها ارادت حركت الدنيا، اطلقت العدالة الكونية واشعلت الانتفاضات.

شيخ الاسرى فؤاد الشوبكي يستعرض اكثر من 52 عاماً على وجود الاحتلال، الهيمنة على الزمن والواقع بالقوة والسيف والعنف والبطش والقتل والاستيطان والاعتقالات والاعدامات، الزمن الاسرائيلي هو زمن حربي وعسكري وفاشي وعنصري، الزمن الاسرائيلي لا يأخذ الاسرائيليين الى الأمام، يعود بهم الى عصور البربرية والانحطاط الاخلاقي والحضاري، الاسرائيليون وصلوا الى نهاية زمنهم، زمن التشظي والخوف والقلق الوجودي، يقول الشوبكي : عمري اطول من عمر الاحتلال حاضرا وماضيا ومستقبلا، ابتكر البداية من النهاية واكسر الدائرة، بعد قليل اقايض عمري بزهر الشهيد ليولد الوقت الجميل.

زمن الاسرى له لغة خارج نظريات وعبقريات الامبرياليين وخبراء السيطرة والسلبطة وتحوير الانسان، الكرامة لا تقاس بالدقائق والساعات والسنين، الكرامة سرمدية ابدية افشلت سياسة التجارب على البشر، منذ متى كان الموت اجمل من الحياة؟ ومنذ متى يحمل الاسرى مئات السنين فوق اكتافهم لا يهرمون، الوقت ملك اياديهم في عمرهم الطويل.

شيخ الأسرى فؤاد الشوبكي: قرأت رسالتك الاخيرة الموجهة الى المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الانسان التي اعترفت بأننا بلا حقوق منذ الولادة، تسألهم بعد 80 عاماً: كم يساوي زمن السجن الباقي؟ مليون اسير آخر، مليون مستوطن ومستوطنة، مليون شهيد وجريح ويتيم ومشرد ومقعد، مليون صاروخ وطلعة جوية في سماء غزة، مليون بيت يهدم وشجرة تقلع، كما يساوي زمن السجن الباقي وفق التقارير والدراسات والمؤتمرات الاقليمية والدولية وهي تبحث عن سلام احترق في منظومة الجرائم الرسمية المتعمدة، كم من الوقت لأبقى حياً وارى الحقيقة؟