السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حب لا يمكن إخفاؤه!

نشر بتاريخ: 08/12/2021 ( آخر تحديث: 08/12/2021 الساعة: 10:41 )
حب لا يمكن إخفاؤه!



بقلم: د. صبري صيدم

هناك وعلى دكة المشجعين تفتقت القرائح دعماً لفريق على حساب آخر، فصاحت الجماهير وأطلقت العنان لأغانيها وأهازيجها وهتافها. اللاعبون المرتعدون خوفاً لا يهمهم سوى الفوز، رغبة بنصر مؤزر أو خوفاً من عقابٍ حكومي محتم.

بطولة كأس العرب في الدوحة، كانت المنصة التي استحضرت أناشيد الدول العربية قاطبة، ومعها رأينا أولئك الذين بدلوا أنظمة حكمهم فغيروا معها علم بلادهم، وأولئك الذين حافظوا على بلدانهم وأعلامهم، وأولئك الذين كانوا على حافة التغيير، فأبقى القدر على علمهم وحكامهم.

أمة عربية أفلت بعض دولها وازدهرت دول أخرى، تبدلت معها الأولويات والاهتمامات، فجاهر البعض بحبه لفلسطين، بينما خشي البعض الآخر سطوة الساطين فأخفض رأسه، أو أزاح الستار عن حقيقة علاقاته، أو أعاد جدولة أولوياته.

ومع صخب المد والجزر في ميدان المتعة الكروية، وبينما كانت قيادة بلاده تستعد لاستقبال رسمي للقيادة الفلسطينية، أطل قائد المنتخب الجزائري ليقول وبصريح الفم: أتمنى أن لا تلتقي الجزائر فلسطين، ليس خوفاً من جبروت المنتحب الفلسطيني، الملقب بالفدائي، وليس ارتعاداً من الصواريخ النووية الفلسطينية، ولا فرقاطات وبوارج وقاذفات الشعب الفلسطيني، وإنما لأن الجزائر لا ترضى أن تسجل في تاريخها مذ لعبت فلسطين والجزائر على أرض الجزائر قبل أعوام بسيطة، أنها هزمت فلسطين!

الله أكبر، على رهافة الحس، وأصالة الانتماء، وروعة الموقف، وعظمة الأخلاق، وتاريخية المروءة، وجمالية الثبات، وصلابة الوفاء، ورجولة الولاء.

الجزائر لا تريد لفلسطين أن تخسر، حكاية ليست جديدة، بل حكاية ضاربة في التاريخ، تاريخ من الأصالة والشجاعة والكرامة والحصافة والرجاحة.

حكاية أعادت إلى الأذهان مشهد المشجعين الجزائريين في المباراة المذكورة، الذين ذهبوا ليشجعوا فلسطين في مباراتها ضد فريقهم، فألغوا جميعاً فكرة دعم فريقهم، وتفرغوا لنصرة منتخب فلسطين، فأطلقوا حناجرهم وهتافاتهم وصيحاتهم لفلسطين، حتى جاءت لحظة الذروة فبدأوا مع احتدام المواجهة بنهر لاعبيهم ونهيهم عن الوصول إلى منطقة الجزاء الفلسطينية، رافضين أن تسجل الجزائر هدفاً في شباك فلسطين.

وفي أوج المباراة الشهيرة صاح أحدهم: يا ولدي ما نقبلش فلسطين تخسر على أرض الجزاير. ومع تسجيل فلسطين لهدف المباراة اليتيم الذي قاد لفوزها بنتيجة1- 0 على الجزائر، انفجر الملعب، وانفجرت معه العاصمة الجزائرية وعموم التراب الجزائري فرحاً بالهدف وبانتصار فلسطين.

شعب ومشجعون ومنتخب جميعهم يتمنى الخسارة في مقابل فلسطين! شعب وأرض يستحقان الحب بلا هوادة، والعشق بلا حدود، والغرام بلا قيود. ليس لموقف واحد، بل لتاريخ طويل، ثابت، صامد، أصيل لم يتبدل ولم تنل منه الرياح. موقف هو في صدر كل عربي لا محالة، لو أن محاذير السياسة لا تفرض ذاتها.

الجزائر دولة المليون ونصف المليون شهيد، تستحق ترليون ونصف ترليون قبلة في زمان العروبة التي تعيش الهوان والتراجع والتواطؤ والتآكل والتهاوي والتهافت.

الجزائر التي كانت وما زالت وستبقى تنتصر لفلسطين: ظالمة أو مظلومة! كما قالها الرئيس الراحل هواري بومدين، هي ذات فلسطين التي تحارب امرأة مكلومة فيها عصابات المستوطنين لتحمي زيتونها، والتي تقارع راهبة على ثرى قدسها جيش الصهاينة، لتبقي أبواب الكنيسة مشرعة للبشرية، ويقاتل شيخ ليحمي محراب المسجد الأقصى من التدنيس.

هي ذات فلسطين التي تحاول أم أن تريح مآقيها من دمعٍ لا يتوقف وداعاً لطفلها المترجل أو انتظاراً لعودة ابنتها الأسيرة. وهي ذات فلسطين التي قال عندها معلق قطري في خضم مباريات كأس العرب: لقد استمعنا في حفل افتتاح هذه البطولة لعزف السلام الوطني لجميع الدول العربية لكن السلام الوطني الفلسطيني وعلم فلسطين وصياح الجماهير كانوا مجتمعين، لحظة زرعت الدمع في عيوننا.

فلسطين وهي تحب الأوفياء، الصادقين، الثابتين، الشجعان تحتاج الدمع لا محالة، لكنها تحتاج اليوم وأكثر من ذي قبل، الموقف! فهل يسمع الغافلون؟