الكاتب: منجد صالح
أنظر وأشاهد من خلال نافذتي المُطلّة على "شارع الشجر" يومٌ صيفيٌّ مشمسٌ اخترق حدود فصل الشتاء البارد القارص اللاذع و"أشهر" سيف الدفء تنبلج منه إشعاعات الشمس في غير أوانها ولا موعدها.
ما أجمل إشعاعات الشمس في غير أوانها، ما أجمل دفء الشمس في أوج الشتاء والبرد!!!
هل أسرد لكم قصة ذلك البدوي الذي يقضي ليلته يرتجف من البرد الصحراوي الليلي الزمهريري، يرتجف وتصطك أسنانه بأسنانه ويحلف الأيمان الغليظة، ألف يمين ويمين، بانّه سيسري فجراً إلى السوق لشراء عباءة تُدفئه، وعندما يخرج صباحا من باب خيمته تلفح إشعاعات الشمس ودفئها وجهه، فيتراجع عن أيمانه الغليظة ويقول:
"هلا هلا بدفء ربّي".
ما أجمل قدرة الله وتدبيره بأن خلق الخليقة فأحسن خلقها، خلق الإنسان في أحسن تقويم، وبسط الأرض ونصب الجبال وخلق البحار والمُحيطات.
خلق الصيف وخلق الشتاء وجعل بينهما الربيع والخريف، لوحة ربّانيّة فريدة من إبداع الخالق، وسخّر كلّ ذلك لعباده.
في حوض الكاريبي وجزره الصغيرة البديعة، بما فيها جزيرة كوبا الكبيرة، التي تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة فلسطين الطبيعية من البحر إلى النهر، فيسود فيها الطقس المداري الحار، حرارته أقل حدّة من الطقس الإستوائي شديد الحرارة، لكنه حار و"مبلول"، أي يرافقه درجة رطوبة عاليه، ولا توجد فيه أربعة فصول كما في طقس البحر الأبيض المتوسط، وإنما فصلان: الفصل الجاف والفصل الماطر، والفصل الماطر هو الأكثر حرارة، فأمطاره تهطل بغزارة في درجات حرارة تصل حتى 35 درجة مئوية، مناخ أمطار موسميّة.
وأمّا في قمم سلسلة جبال الأنديز الشاهقة في أمريكا الجنوبية، ونخصّ بالذكر جمهورية بوليفيا، حيث تقع عاصمتها "لاباس" (السلام بالإسبانية) على ارتفاع أربعة آلاف متر، فإنّ هناك نقصا في الأكسجين بحوالي 35 بالمئة عن أكسجين سطح البحر.
والشمس في لاباس تحرق ولا تُدفء، فمن يقف تحت اشعة الشمس مباشرة لا يشعر أبدا بالدفء وإنما بإشعاعات الشمس تلسع رأسه ووجهه وجلده.
لهذا يلبس الهنود الحمر هناك، رجالا نساء، ملابس دافئة مُتعدّدة الطبقات وفي نفس الوقت يلبسون على رؤوسهم قبّعات تشبه قبعات رعاة البقر (الكاوبوي).
أمّا في البيرو جارة بوليفيا، وعاصمتها ليما، تقع على ساحل المحيط الهادي، فإن الطقس في العاصمة ليما لا يُمطر مطلقا، مع أنّها مدينة جميلة نظيفة "مدبوزة" بالحدائق والزهور. وسبب عدم هطول المطر فيها هو أن سلسلة جبال الأنديز الشاهقة تُحيط بها من ثلاث جهات وتمنع عنها الغيوم والتيّارات الهوائية، فتُلقي بغيثها بمشيئة الله خارج حدود الجبال المحيطة بها، حيث يتسرّب منها سيولا وشلالات "تغمر" المدينة وسكانها بالماء الصافي العذب.
وفي فنزويلا تقع أعلى شلالات في العالم، شلالات "سالتو ألتو" (القفزة العالية)، وليست شلالات نياغارا الواقعة في منطقة البحيرات الخمس الكبرى عل حدود الولايات المتحدة الشمالية وحدود كندا الجنوبية، وهي أشهر شلالات في العالم، ولا هي شلالات "فوس دي إغواسو" على نهر الأمازون على الحدود ما بين البرازيل والبراغواي والأرجنتين، وهي أوسع وأغزر شلالات في العالم.
إحدى جزر بحر الكاريبي الكبيرة هي تلك الجزيرة التي تنقسم وتتقاسمها سانتو دومينغو وهايتي (تاهيتي)، يفصل بينهما حدود هلامية طبيعية، لا يفصل بينهما لا جبال ولا أنهار.
لكنّ الغريب العجيب أن سانتو دومينغو دولة جميلة مستقرّة سياسيّا وافتصاديّا واجتماعيّا، ثقافتها ولغتها اسبانية فقد كانت مستعمرة اسبانية وسكّانها مزيج من البيض والسود وأجناس أخرى، وشواطئها غاية في الروعة والجمال والدفء.
أمّا هايتي فثقافتها ولغتها فرنسية فقد كانت مستعمرة فرنسية، وسكّانها معظمهم من الزنوج، لكنها جزيرة منكوبة بكل ما في الكلمة من معنى، منكوبة بكثرة وقوّة الزلازل التي تتعرّض لها، منكوبة بإقتصادها ونظامها السياسي فمعظم رؤسائها يذهبون إغتيالا.
في فلسطين لدينا طقس فريد من نوعه في العالم، فالمسافة بين رام الله وأريحا، أقدم مدينة في العالم، وأخفض بقعة في العالم، تُقدّر ب 35 كيلومترا.
في الصيف رام الله بارتفاعها مدينة "مصيف" بامتياز، بينما أريحا تنوف درجات حرارتها عن ال 45 درجة مئويّة.
وينقلب الحال في الشتاء:
رام الله مدينة طقسها بارد وزمهريري، وفي نفس الوقت فإن مدينة أريحا "مشتى"، تنوف درجات الحرارة فيها عن 25 درجة مئوية.
كاتب ودبلوماسي فلسطيني