الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة عاجلة من السيد المسيح!

نشر بتاريخ: 29/12/2021 ( آخر تحديث: 29/12/2021 الساعة: 12:36 )
رسالة عاجلة من السيد المسيح!


بقلم: د. صبري صيدم

نقترب رويداً من ربع قرن بعد الألفين الميلادية، وما زال البعض يبحث في تفاصيل السيد المسيح، بينما لا يحتدم النقاش إلا مع ذكرى ميلاده، ليحاول البعض أن ينفي فلسطينية المسيح، وأن يقول إن بيت لحم حيث ولد لم تكن فلسطينية، حتى أن البعض يحاول الادعاء بأن المسيح إنما ولد في مكان مختلف تماماً.

أصحاب رسائل التشويه هؤلاء هم ذاتهم الذين يحاولون في كل يوم سرقة الموروث الثقافي الفلسطيني، وصولاً إلى المحاولة البائسة الأخيرة التي رأيناها قبل أيام، وشهدنا فيها ارتداء الثوب الفلسطيني من قبل المشاركات، في ما سمي بملكات جمال الكون، على أنه لباس إسرائيلي. ليتحول المشهد بالنسبة لكل فلسطيني ونصير له إلى مسابقة ملكات قباحة العالم، قباحة الروح والأدب والخلق والتاريخ.

سارقو الموروث والفلكلور والثقافة الفلسطينية، تسببوا من حيث لا يعلمون بانتفاضة ثقافية فلسطينية آنية وقصيرة، وحدت أبناء الشعب المكلوم بنار الانقسام السياسي، فهبت النساء من كندا إلى أستراليا وما بينهما من دول وأمم، ومعهم جيش أصغر من الرجال لارتداء الزي الشعبي الفلسطيني، وتنظيم حلقات الدبكة والعرض والغناء، انتصاراً للثوب والقمباز والهوية والكلمة، ورفضاً لاغتيال التاريخ. المحزن في الأمر من جديد هو حال البعض الذي ما أظن إلا وأن أرسل إليهم السيد المسيح عليه السلام رسالة عاجلة، يطالبهم فيها بالتعقل ومراجعة الذات ورفض التساوق مع التطبيع والتطبيل وقذارة السياسة.

السيد المسيح، لا بد أنه طلب من بنات جلدتنا اللواتي شاركن في مهزلة السرقة، التي نفذت في وضح النهار بالانسحاب فوراً ليس فقط نصرة للتاريخ، ورفضاً لظاهرة السرقة الممنهجة للموروث الثقافي الفلسطيني فحسب، بل تجنباً لهدم روابط الأخوة التي جمعت أبناء العروبة أيضا، وحفاظاً على أواصر اللغة والتاريخ والدم والدين والمصير.

السيد المسيح، كما كل الأنبياء بمن فيهم موسى عليه السلام، لا بد أن يرفض القتل والنهب والاحتلال في الكون كله، فما بالك في أرض الديانات ومهبط الرسالات وحاضنة إسراء ومعراج النبي الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه.

ولعل انسحاب ملكتي جمال اليونان وجنوب افريقيا، ساهم في التقليل من سوداوية مشهد القبح الذي شكلته مسابقة ملكة قباحة الكون الصامت على الاحتلال الصهيوني المقيت، لكن الأجمل كان لو انسحبت اللواتي جمعنا بهم اللسان والروح من أبناء وبنات العروبة. لكن من الواضح أن الغلب الناجم عن الهوان والانبطاح والترهيب الصهيوني، قد امتد لقلوب وعقول البعض، فأصبحوا مغلوبين على أمرهم وقرارهم.

ومع ذلك فإن صحوة العقل والضمير لا بد أن تصبح أمراً واقعاً ذات يوم، بعد أن يكتشف إخوتنا ممن أضاعوا المسار، أن لا فائدة معنوية من هذا التطبيع مهما حاولت أرقام البورصة ومجاميع التجارة المتبادلة أن تثبت حلاوة ذاك التطبيع وأفضاله، إذ لا قيمة بأن تربح المال والسياسة وتخسر ذاتك ومحبة الناس.

المسيح في ميلاده، لا بد أنه رفض الظلم والغدر والهوان في عالم البشر، فما بالكم في أرضه التي ولد فيها واحتضنت تلك المغارة المباركة يوم هبوطه الآمن على تراب الحياة الفلسطينية.

أما عن المسيح ذاته، فلسطينيا كان أم لا فلا داعي لمراجعة قائمة طويلة من الإثباتات يكفي فقط مراجعة مشهد الميلاد برمته في المغارة والخيمة ومن فيهما، ليعرف أن القادم الجديد ما كان إلا فلسطينيا «تلحميا» عربيا كنعانيا أصيلا اسمه عيسى بن مريم. أما رسالة عيسى المسيح فستكون بأن قسمات وجه والدته وثوبها ورباط رؤوس الناس وعقال الرجل الموجود في خيمة الميلاد لتؤكد أن هوية تلك الوجوه والثياب ما هي إلا كما هوية المسيح.. فلسطينية خالصة. المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة… عاشت فلسطين حرة عربية.