الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف لنقاط مضيئة أن تخلق دولة مستقلة؟

نشر بتاريخ: 19/01/2022 ( آخر تحديث: 19/01/2022 الساعة: 16:51 )
كيف لنقاط مضيئة أن تخلق دولة مستقلة؟

بقلم: د. صبري صيدم

يبدو للمتابع للشأن الفلسطيني، على حاله اليوم، أن إمكانية تحقيق نتائج على الأرض في مواجهة الاحتلال معدومة، جراء حالة الانقسام، واختلاف مدارس النضال الفلسطيني بأشكاله ومشاربه، علاوة على حالة الانبطاح العربي جراء التطبيع المتواصل، ما ظهر منه وما استتر، ومحاولات إسرائيل المستمرة لتعزيز هذا النهج، إضافة إلى تقهقر أولوية القضية الفلسطينية أمام القضايا الإقليمية والدولية، وغياب الرعاية الدولية المتفرغة لإنهاء الصراع، بما فيها انهزام مواقف الإدارة الأمريكية وإذعانها الصريح لرغبات حكومة الاحتلال الصهيوني.

ولعل تشقق جدران منظمة التحرير الفلسطينية وغيابها المؤثر عن المشهد، ساهم في تعزيز الحالة الانهزامية التي يرى البعض أنها تسيطر على المشهد الفلسطيني.

أمام هذا كله فإن الشعور المذكور ربما يكون واقعيا بالنسبة للكثيرين، إلا أن المراقب على الأرض، يرى بعض النقاط المضيئة التي شكلت نجاحات قد تكون بسيطة من حيث الأثر، لكنها كبيرة من حيث الدلالة على إمكانية تحقيق النضال الفلسطيني اختراقا نوعيا وملحوظاً. ومع تعاظم أعداد الاختراقات والنقاط المضيئة وتوازيها وتكاملها فإن المشهد الفلسطيني حتماً لن يبقى على حاله. هذا الكلام ليس من باب العاطفة أو الادعاء أو تهويل الأمور خارج نصابها، وإنما انعكاس لمشاهدات ميدانية يلحظها الكثيرون.

انتفاضة البوابات الحديدية في المسجد الأقصى، شكلت في السنوات الخمس الأخيرة باكورة النقاط المضيئة، لتعقبها مواجهات الشيخ جراح وباحات الأقصى التي صاحبها دخول قطاع غزة على الخط والمدن العربية داخل الخط الأخضر، وما توج هذا الجهد من اشتباك مباشر وانتفاضة إلكترونية قلبت موازين التعاطف الدولي، وأحدثت انقلاباً إلكترونياً إنسانياً ووجدانياً غير مسبوق.

ولعل نجاح تجارب المواجهة في بلعين والنبي صالح وكفرقدوم وحمصة وبيتا ومسافر يطا في التصدي لسياسة الترحيل والإحلال الصهيوني، قد شكلت أيضا دوام مهمة ونقاطا مضيئة أسست للشعور العام بإمكانية الاختراق الميداني، ليتبع ذلك انتفاضة النقب الفلسطيني، وقدرة العراقيب وغيرها من القرى المهجرة على إعادة بناء ذاتها مئات المرات، في دليل قاطع على أن النكبة الفلسطينية لن تتكرر. كما أن ثبات الخان الأحمر وأبو نوار ووادي أبو هندي والسواحرة وغيرهم من محاور المواجهة والمناطق المحاذية للمشروع الأهم، الذي تسعى سلطات الاحتلال لفرضه والمعروف بـ E1، قد أدى إلى إحباط أو تأجيل هذا المشروع في مسعى لوقف تمدد الثعبان الاستيطاني، الذي كان سيفضي إلى المزيد من تقسيم الضفة الغربية.

وقد جاءت تجربة قرى برقة وسبسطية وبزاريا في محيط محافظتي نابلس وجنين، لتبرهن على كم التآخي والحمية التي يتحلى بها الفلسطينيون والقدرة على التعاضد والإسناد الأهلي في مواجهة غول الاستيطان، وهو ما راكم المزيد من النقاط المضيئة، التي تداعى فيها أهالي القرى المذكورة وخارجها لمواجهة المستوطنين عبر إسناد بعضهم بعضا.

أمام هذه النقاط المضيئة التي تعززها غزة بصمودها، رأينا تجربة عائلة صالحية النوعية في القدس العربية قبل يومين، التي استعانت بسلاح الإصرار لتبقى في منزلها وتهدد بحرقه أو تفجيره في حال أقدمت قوات الاحتلال على إخلاء أصحابه منه، ونقل ملكيته عنوة إلى المستوطنين، بحيث برهنت العائلة على أن الفلسطيني لا يحتاج لجيوش مجحفلة ولا لقوات مجوقلة لتحقيق الاختراق الميداني المطلوب، بل يحتاج إلى الإسناد المعنوي والمادي، إضافة إلى سلاح واحد يساهم في تعزيز المكانة الوطنية الفلسطينية وتحويل النقاط المضيئة إلى دولة مضاءة بالحرية والاستقلال، ألا وهو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

وربما سيقول قائل إن هذه المسؤولية تقع على عاتقنا كسياسيين، وأن الشعب الفلسطيني قد ملّ الحديث في هذا الأمر، وأن المحاولات على تكرارها ستعيدنا فعلا لمربع الفشل، هذا الكلام في معظمه صحيح، لكنه لن يبقى مستحيلا، إما في إطار هزة سياسية ميدانية ضخمة تفرض حالة الوحدة، أو في ظل ولادة قناعة دامغة لدى الجميع، بأن الانقسام لن يكون في مصلحة أحد وأن الوحدة الوطنية ستشكل انقلاباً ملموساً على واقع ترسخ منذ حوالي خمسة عشر عاما، أو ربما يرى البعض الخلاص من خلال تعزز الشعور لدى الشارع الفلسطيني بأن الفصائل أو بعضها لم يعد مواتياً لإنجاز المشروع الوطني، ما سيعني ولادة ردة سياسية وعزوف ميداني وطلاق بائن من تلك الفصائل أو بعضها، وهو ما سيقود لولادة حركات او فصائل أخرى تستعيض عن سابقاتها بنهج جديد.

لذلك وأمام سيل النقاط المضيئة والحالة السياسية الراكدة وطنيا فإن تحرك المستقنع السياسي الفلسطيني عبر الوحدة الوطنية سيشكل الحل المرجح، الذي يوفر منصة الخلاص المرجوة، ليصبح الاحتلال في دائرة الخطر، وليكون الشعب الفلسطيني قد أعاد تكرار غيره من الدول التي استطاعت ان تحقق لذاتها الحرية والاستقلال.

إن بناء الجدران والمستوطنات وتغيير الواقع على الأرض خاصة أمام محاولات التهجير المتواصلة، لن تمر بل ستعزز حالة النقمة على كل المتخاذلين ليكتسب الفلسطيني من جديد رونق الحضور وبراعة البقاء اللذين يمكنانه من تحقيق انتصاره وخلاصه من محتليه.

[email protected]