بقلم: د. صبري صيدم
اعتدنا في عالمنا العربي أن لا نأخذ مباريات كرة القدم على براءتها، بل نربطها بعالم السياسة لا محالة، فالنزال في ميدان المستديرة ليس رياضياً بحتاً، بل هو نزال سياسي بامتياز.
ولعل مباريات كأس العرب الأخيرة أبرزت وبشكل فاقع حجم الاختلاف العربي، لتكون قضايا الربيع العربي وإفرازاته، والتطبيع العربي الإسرائيلي، والصحراء الغربية جميعها حاضرة بين الإخوة الفرقاء.
وكان لارتداء الكوفية الفلسطينية والتلويح بعلم فلسطين بين عديد الدول، فرصة لإرسال رسائل سياسية في كل الاتجاهات، حتى تحول الأمر إلى سجالات متواصلة على صفحات الإعلام الاجتماعي، وبصورة وصلت إلى حدود التصادم الرقمي الناجم عن اختلاف المواقف واضطرابها.
ولعل عثرات كأس افريقيا جاءت لتعكس أيضاً حجم التحديات التي تواجه تنظيم هذه الكأس، وغياب الضبط الناجع لتفاصيل هذه الكأس، وعليه لم يكن غريباً أن ترى أخطاءً في استخدام الاعلام لبعض الدول، واستعراضات السلام الوطني والتعليق والتحكيم، والقائمة تطول، مما شاهده المتتبع لعالم المستديرة، كما أن حال افريقيا لم يكن في أبعاده السياسية ليختلف عن حال العرب، لتصبح البطولات وكؤوسها منصات فضائحية وسياسية بامتياز.
وقد شكل خروج بعض العرب من أدوار مبكرة انتكاسات معنوية كبيرة، قادت إلى انحسار آمال العرب في الفريق التونسي والموريتاني والقمري والمغربي والمصري، وعليه شخصت الأنظار إلى مباراة تونس ونيجيريا، ليتحول الفوز الصعب لتونس إلى فرصة عربية لالتقاط الأنفاس رغم التحديات السياسية والاقتصادية والرياضية التي تعيشها تونس الخضراء.
الفريق القمري المنكوب في المقابل، خاض مباراة صعبة في مواجهة العملاق المنظم للبطولة الكاميرون، بصورة عكست مرارة الحال في جزر القمر، إذ لم يتمكن الفريق من توفير 11 لاعباً للمباراة، ولا حتى حارساً لمرماه، فقرر خوض المباراة بعشرة لاعبين وتكليف أحد لاعبي الدفاع بحراسة المرمى. الفريق القمري وعلى صعوبة هذه الحال، بل ربما على كارثيته، فاجأ الجميع بأدائه، الذي لو ساعده القدر لربما قاده للفوز على الكاميرون، حتى سجل الفريق هدفه اليتيم بشكل خارق حارق وبصورة رائعة من وسط الملعب، بينما تألق حارسه المكلّف في صد العديد من الضربات، لولا نسيانه لفكرة أنه حارس مرمى وليس لاعبا، ليواجه إحدى الهجمات بينما تشابكت يداه خلف ظهره وهو ما قاد لتمكن الكاميرون من تسجيل هدف الصدارة. القمريون الطيبون خذلهم التجهيز والمال، وخذلتهم السياسة وحال دولتهم المنكوبة المنهوبة المحتلة جزئياً، وسط استمرار تشكيك البعض بكل أسف بعروبتها وانتمائها.
أما بقية الأفارقة فحالهم ليس بأحسن وقعاً من نظرائهم العرب، فبينما كان فريق بوركينا فاسو يخوض مباراة الترشح للربع النهائي أمام الغابون، كان الجيش البوركيني يحضر للاستيلاء على السلطة، مستفيداً من انشغال الناس في المباراة المذكورة، ليعلن بعدها بساعات وعبر التلفزيون الرسمي عن إتمامه لعملية الانقلاب، ووضع رئيس الدولة تحت الإقامة الجبرية في العاصمة واغادوجو، لتدخل البلاد في مرحلة حرجة من المواجهة بين الجيش الحاكم والميليشيات الإسلامية المتوثبة والمناهضة للجيش، ليجد بعض اللاعبين أنفسهم في مهب الريح لكونهم مقربين من النظام المخلوع.
ولو شئنا التمحص أكثر في حال الأفارقة، لوجدنا من الكوارث ما يدمي القلب جراء حجم التناقضات والتناحرات القائمة حتى باتت الملاعب المنصة الفضائحية الأولى لحجم المصائب.
مصائب العرب ومعهم الأفارقة من غير العرب، وإن فضحتهم الملاعب، فإن حالهم السياسي والاقتصادي مع تفشي كورونا وسواد النكبات، لا يبشر بحال أفضل في بطولاتٍ مقبلة، وعليه فإن مسلسل الفضائح سيبقى مستمراً لبعض الوقت.. لا محالة!