السبت: 21/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

احتلال ديمقراطي! كيف؟

نشر بتاريخ: 02/02/2022 ( آخر تحديث: 02/02/2022 الساعة: 10:00 )
احتلال ديمقراطي! كيف؟



بقلم: د. صبري صيدم

لم يترك وزير خارجية الاحتلال يئير لبيد أي نعت من النعوت المعتادة، إلا وأطلقها على تقرير منظمة العفو الدولية الأخير، والمنظمة ذاتها، وأمينها العام، وصولاً إلى تأنيب الأخير بسبب موقفه بشأن الرئيس الشهيد أبو عمار، الذي اتهم فيه إسرائيل، على حد زعم لبيد، بقتلها لعرفات عبر استخدامها للسم.

تصريحات لبيد وموقفه التقريعي الاستعلائي، بدا وكأنه استعطاف واسع للعالم، وتوظيف متصاعد لكل الاتهامات التي نعرفها، فيما بدا أيضاً وكأنه يعيش صدمة كبرى لتجرؤ منظمة معروفة عالمياً بانتقاد الاحتلال، على الرغم من كل ما فرض ويفرض من حصار ورقابة على كل رافض للاحتلال، سواء على أرض الواقع أو عبر الواقع الافتراضي، وبتواطؤ صريح من قبل بعض منصات التواصل الاجتماعي المعروفة.

فحصار حملات المقاطعة، ومعاقبة ناشطيها، ومتابعة المنتقدين للاحتلال، أو ملاحقة السياسيين الرافضين لمواقف إسرائيل، إعلامياً ومعنوياً، أعطى لدولة الاحتلال شعوراً واضحاً بأن أحداً لن يتجرأ على انتقادها، فكيف لمنظمة دولية مرموقة أن تتجاوز تلك الحدود، وتمعن في إدانة الاحتلال وفق تقريرها الأخير؟ بل تذهب إلى حد تنظيم مؤتمر صحافي تعلن فيه تفاصيل ذلك التقرير، بوضوح ومن دون مواربة!

اللافت في موقف لبيد ليس ما ورد في سيل اتهاماته، بل في الإصرار على الادعاء بأن دولة الاحتلال دولة ديمقراطية، ديمقراطية كيف؟ كيف لأكذوبة من هذا النوع أن تنطلي على أحد؟

ديمقراطية… بينما ترفض أن تنصاع لرغبة شعب بأكمله في الحرية، فتقارع سكان الأرض الأصليين، وتهدم بيوتهم وتصادر أراضيهم وتحرمهم من أبسط الخدمات، وتصدر قوانين تعزز قوميتها على حسابهم، وتحرمهم من حقهم في لم شمل أسرهم بينما تغذي الجريمة وسطهم وتجارتي السلاح والمخدرات؟

أي ديمقراطية.. تلك التي في إطارها المزعوم، تفرق بين حي ومدرسة ومنطقة وقرية ومدينة عربية وإسرائيلية؟ والتي لن تأخذك سوى دقائق معدودة لتلمس الفارق على مستوى البنى التحتية والخدمات والأمن والسلامة، وحتى السلم الأهلي بين منطقة عربية وتلك الإسرائيلية؟

ديمقراطية.. تصادر حق شعب بأكمله في الاستقلال والحرية وإقامة دولته وفق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، بينما تعتقل أبناءه وبناته وأطفاله في باستيلات مصّفحة؟

ديمقراطية تلك التي تستمر في قضم الأرض العربية، وتوسيع المستوطنات وبناء جدار الفصل العنصري وحرمان الناس من أموالها وضرائبها؟ ديمقراطية تلك التي تحتاج فيها إلى تصاريح للتنقل والعبور وزيارة القدس والداخل؟ لتتنقل على شوارع مخصصة للعرب وشوارع مخصصة للإسرائيليين؟

ديمقراطية.. تلك التي تصادر المياه لتوفر لرعايها 8 أضعاف المتاح للسكان الأصليين، بينما تحكم قبضتها على الطيف الترددي، لتمنع حق النفاذ إلى ترددات الجيل الرابع والخامس للاتصالات بحجة أمنها القومي؟

ديمقراطية.. تلك التي تستورد مستوطنيها لتزرعهم على قمم الجبال، وتوفر لهم الماء والكهرباء والبيوت مسبقة الصنع، أو كتلا إسمنتية محصنة ليتحولوا إلى عصابات لقطع الطرق ومهاجمة دور العبادة المسيحية والإسلامية وبيوت الآمنين وممتلكاتهم؟

ديمقراطية تقتل وتطارد وتحاصر وترفض الالتزام باكثر من 70 قراراً صادراً عن الشرعية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والجهات العدلية؟ ديمقراطية.. خارج حدود التعريف الشائع لمعنى الديمقراطية الحقيقية، لا تذعن لدعوات العالم بإنهاء الصراع ولا بضرورة إنهاء الاحتلال، بل تبتكر مفاهيم سياسية جديدة، كالدولة المؤقتة والسلام الاقتصادي؟

إسرائيل لا تحتاج لأن تسوق تهمها الجاهزة وقوالب الإدانة المعدة مسبقاً لترهيب الآخرين، إسرائيل تحتاج إلى لحظات حقيقية لمصارحة الذات بأمر يرعبها: أن الديمقراطية واستدامة الاحتلال، وما أورده هذا المقال من مآس، لا يلتقيان، ولا يمكن ترويجهما، أو تسويقهما للعالم ولو بالقوة! وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأنّ شعباً سامياً كالشعب الفلسطيني، يرفض معاداة السامية، والإبادة، والعنصرية، والنازية، والفاشية، والقتل، والدم، وينتصر دائماً لإنسانية البشرية وحقهم في العيش والتطور والازدهار..

يقول العالم اليهودي المرموق إسحق نيوتن في قانونه الثالث للحركة: لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوٍ لها في المقدار ومعاكس لها في الاتجاه! فكيف للاحتلال والديمقراطية أن يجتمعا؟!