بقلم: د. صبري صيدم
بهدوء وصمت ملحوظين رحل قبل أيام المطرب اللبناني المحبوب سامي حبيقة والمعروف بسامي كلارك، الذي غنى خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي مقدمة برنامج الأطفال الشهير جريندايزر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس آنذاك، لما امتلكه من قوة ضاربة وأسلحة فتاكة، جعلتنا نتساءل في طفولتنا وبسذاجتنا المتوقعة، عن سبب عدم قيام جريندايز بسلاحه الجبار بتحرير فلسطين.
ومع غياب كلارك ارتفعت نسبة مشاهدة جريندايزر من جديد، تقديراً للمطرب الراحل واستحضاراً لبطولات جريندايزر وقدراته الخارقة.
ومع تقاطع هذا الاهتمام مع التسخين الحاصل على الجبهة الروسية الأوكرانية، وكثافة المادة الإعلامية عن صنوف السلاح الروسي الخطير والمتطور، وما تمتلكه موسكو من قدرات قد تستخدمها، فقد عدنا تلقائياً للشعور بأن جريندايزر يعود هذه المرة بهوية وإرادة روسية.
وقد وجد هذا التسخين من يهول ويعظم فيه بصورة استحضرنا معها حرب الخليج الثانية، وصورة محمد سعيد الصحاف آخر وزراء إعلام الرئيس الراحل صدام حسين، الذي اتهم بالمبالغة في تهويل الأمور وتضخيمها، في إطار مساعيه لمواجهة الماكنة الإعلامية الأمريكية الضخمة. ومع سقوط بغداد أدرك العالم، أن الصحاف لم ينقل الحقيقة، وإنما بالغ في بث الإشاعة ولي ذراع الوقائع والحقائق.
مسيرة الإعلام اليوم وفي معالجتها للملف الروسي الأوكراني، إنما تعيد جريندايزر والصحاف إلى الميدان، بصورة تدفع المشهد نحو اندلاع الحرب، عبر إشعار موسكو بأنها تستطيع أن تكون جريندايزر العصر، بينما تمارس منصات الإعلام دور الصحاف في تضخيم الأمور وتهويلها. كارثية التهويل ومصيبة التغني بصنوف السلاح من قبل المطبلين والمروجين، تجانبان الحقيقة الصارخة التي عبرت عنها عضو الكونغرس الأمريكي عن هاواي الهندوسية الأصل والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020 تولسي جابرد، التي وضعت في مقابلتها الأخيرة مع إحدى المحطات الإخبارية الأمريكية النقاط على الحروف بشأن الصراع الروسي الأوكراني.
جابرد قالت إنها لا تفهم سبب عدم إقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم السماح لأوكرانيا بالانضمام لحلف الناتو، وهو ما قد تم الاتفاق بشأنه إبان تفكيك الاتحاد السوفييتي عام 1991 وبالتالي سحب فتيل الحرب.
وتمضي جابرد بالإجابة على سؤالها بالقول، إن الرفض الأمريكي، يأتي بسبب رغبة أمريكا في أن تقدم روسيا فعلياً على الحرب بهدف فرض حصار اقتصادي عليها، وإنهاكها مالياً، واستخدام تلك الحرب لإعادة تفعيل الحرب الباردة، وعودة شركات صناعة السلاح، التي تقول جابرد بأنها تسيطر على إدارة بايدن، إلى تصنيع السلاح بعد أن خبت نيران الحرب على القاعدة وانخفضت معها مستويات التصنيع والربح.
تهويل الأمور وتضخيم قوة موسكو ونزوات مصنعي السلاح، وما بينهم من حروب السيطرة على مصادر الغاز العالمي، والتحكم بأسعار النفط ومشتقاته، تشكل الخلفية الحقيقية لتحفيز طبول الحرب.
ويدعم هذا النهج الرغبة الأمريكية في استبدال المزود الروسي للغاز بمزود آخر عبر خطوط تمر عبر فلسطين المحتلة، وصولاً إلى البحر المتوسط، وهو ما سيدفع لاتفاق عربي حتمي مع إسرائيل، إضافة إلى استخدام حجة الحرب لترحيل حوالي 200 ألف أوكراني يهودي إلى دولة الاحتلال، وهو ما سيساهم في تحقيق الغلبة الديمغرافية على الفلسطينيين الذين باتوا الأكثرية السكانية في فلسطين من بحرها إلى نهرها.
حرب الروس إن حصلت، فإن إعادة ترتيب خريطة العالم السياسية والاقتصادية والنفطية مقبلة لا محالة، بينما ستتأثر أحوال العالم المترنح أمام ضربات كورونا اللامتناهية ومواجعها المالية.
كما أن الحرب لن يوقفها الثاقب الدوار، ولا الرزة المزدوجة ولا الصحن الدوار، ولا حتى شعاع اليد التي شكلت في مجملها أسلحة جريندايزر الفتاكة.
لذلك سنرى وبكل أسف إلى حين أن تحسم روسيا أمرها الكثير من النسخ المكررة للصحاف، التي ستسعى لتهويل الأمور وتضخيمها وتعظيمها بغرض دق طبول الحرب، لكن قرار الحرب لن يكون في النهاية، إلا مستنداً إلى حكمة قيصر موسكو، فهل ترى عنتريات الصحاف النور من جديد؟ أم يعود جريندايزر إلى ثكنته وتخبو نار الحرب؟!