الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مذكّرات ترانيم اليمامة

نشر بتاريخ: 18/03/2022 ( آخر تحديث: 18/03/2022 الساعة: 22:55 )
مذكّرات ترانيم اليمامة

الإصرار والتحدي يصنعان المعجزات ليالي القبض على الأحلام

بقلم الكاتب: نصير أحمد الريماوي

أهدتني مجموعة من الأسيرات المناضلات المحررات مشكورات باكورة مما رنّمته أقلامهن ومذكّراتهن من ملاحم بطولية سطّرنها في غياهب سجون الاحتلال، وهي هدية أعتز بها أيما اعتزاز متمثلة في كتاب يحمل عنوان" ترانيم اليمامة- مذكرات أسيرات محررات ".

لقد تم إنجازه خلال دورة الكتابة الإبداعية للأسيرات المحررات، وتبنّته وأخرجته إلى النّور "بلدية بيتونيا" ومكتبتها تكريما لتضحياتهن الجسام، وتوثيقا لنضالات الحركة الأسيرة التي تعتبر جزءا من نضالات شعبنا الفلسطيني.

هذا الكتاب المكوّن من(207) صفحات،الصادرعن" دار طباق للنشر والتوزيع" هو الطبعة الأولى - وفق ما كُتب على صفحته الثانية- وتزيّن غلافه لوحة فنيّة معبرة عن الحرّيّة والانعتاق من قبور الحرّيّة الصهيونية للفنان"أيمن حرب".

يحتوي هذا الكتاب على عشر قصص إنسانية واقعية ساهمت في نسجها وتطريزها بخيوط من رحم المعاناة والآلام كل من المناضلات: شريفة أبو نجم، تغريد سعدي، عطاف عليان، أريج عروق، لينا جربوني، جيهان دحادحة، نهاد وهدان، منى قعدان،عهود شوبكي ومي الغصين بإشراف ابتسام أبو ميالة.

الأسلوب الذي اعتمدته الكاتبات في كتابة قصصهن هو الأسلوب التسجيلي الذي يعتبر لونا من الكتابة السرديّة بهدف إبراز وقائع وأحداث موثّقة لما واجهنه المناضلات من ويلات أساليب التعذيب الجسدي والنفسي الوحشي داخل سجون الاحتلال.

باعتقادي أن ما دفعهن إلى اللجوء لمثل هذا اللون من الكتابة كان سببه نتيجة للظروف القاهرة ونقل الواقع المعاش بأدق تفاصيله، ولتحويل إبداعهن إلى مرآة عاكسة لما جرى من أحدات، وما سطّرنه من صمود و تحدّي خلف القضبان وفي سراديب الظلام الدامس داخل الزنازين المُعتمة، وفي ليالي القبض على أحلامهن، ويطلق على هذا الأسلوب " الأدب التسجيلي".

"ترانيم اليمامة" يحمل في أحشائه ليس مذكّرات الأسيرات فحسب بل وشهادات شفوية من الأسيرات لما اقترفته أيدي الجلاد بحقهن وكرامتهن في سراديب التعذيب.

أثناء قرأتي للكتاب لاحظت مدى أهمية استعمال الصور الأدبية كوسيلة لاظهار التجارب الشعورية، وأسوق لكم بعضا منها اقتطفتها من بعض القصص للتدليل على ذلك لتبيان مدى قوة وعمق الصورة وتأثيرها، حيث تقول بعض الأسيرات:" تنتظرجدران الزّنازين النّتنة من يحررها من ألوانها القاتمة لتزيّن بألوان الحريّة"..

يذكر أن بعض هذه الأسيرات وقعن في الأسر وهن في سن الطفولة (14- 15) سنة، فتحولت هذه الطفولة المعذبة في غياهب السجون إلى طفلات كبيرات حملن على عاتقهن قضة شعبنا وهمّ الوطن.

من يقرأ هذا الكتاب يدرك تماما بأن الاصرار والتحدي يصنعان المعجزات في كثير من الأحيان.

ترانيم اليمامة، كتاب جديد مليء بالدررالثمينة يضاف للمكتبة العربية، ومرجعا مهما لنضالات المرأة الفلسطينية التي لا تتوقف حتى زوال الغاصب، ومرشدا لمن لم يخض التجربة الاعتقالية في حياته.

لا أغالي إذا قلت بأن هذا الجهد المشكور يجب أن يدرّس في الجامعات والمدارس لما تحويه هذه القصص من تجارب وأساليب فريدة في مقارعة ظلم العدو، ولأن "قصصنا لن تنتهي قبل إنهاء الاحتلال و نحن الشعب الفلسطيني كلما زادونا ضربا إزددنا علوا مثل الكرة" كما قالت "تغريد السعدي"(ص 33 و47).