بقلم: د. صبري صيدم
على أرض النقب الصامد عاش العالم مشهداً سياسياً، غير معهود حمل شعار التواصل بين خصوم الأمس، في إطار ما قيل إنه محاولة لتنسيق المواقف الأمنية! وقد شارك في هذا المشهد بطل العالم في الكذب والمراوغة رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت مدعياً حرصه على تهدئة الوضع الأمني.
وبينما كانت طقوس اليوم المشهود قيد التطبيق، حل العاهل الأردني ضيفاً على فلسطين لتحاول بعض وسائل الإعلام العبرية القول إنه ربما يكون الضيف العربي الخامس، الذي يشارك في لقاء النقب. لكن مجريات الأمور فندت تلك المزاعم، لنجد أنفسنا في يوم واحد أمام مفارقتين غريبتين ومشهدين عجيبين.
في النقب يتصدر زعيم المراوغة مشهد اليوم، بينما تعيش رام الله توارد الأخبار تباعاً حول اقتحام المستوطنين والمستعربين، مدعومين بجيش الاحتلال، البتراء الفلسطينية في القدس، التي يجسدها فندق البتراء الفلسطيني التاريخي في باب الخليل، فما طبيعة الرسالة التي أراد بينيت إيصالها للنقب ورام الله؟
تذاكي بينيت لن ينطلي على أحد ممن يعرفون تماماً أن إسرائيل طالما دأبت على إيصال رسائلها عشية حضور أي زائر قد يذكّر تل أبيب بحقوق الفلسطينيين، وذلك في تجسيد واضح لمفهوم التعالي والغطرسة واستعراض العضلات. فعن أي تهدئة نتحدث؟
من ذا الذي يمارس العربدة كل يوم، فيصادر الأراضي ويوسع المستوطنات ويقتحم المدن ويعتقل الناشطين ويهّود القدس ويمارس الإحلال، بينما يستمر في حروبه على الشعب الفلسطيني في سلوان والشيخ الجراح والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة؟ المسؤول عن كل هذا التصعيد هو من يستحق اللجم والضبط والربط، لا الفلسطينيين الذين دأب البعض وجراء خوفهم من الاحتلال أن يقولوا: على الطرفين ضبط النفس! سبحان الله.
مواربة ومسخرة، بل مهزلة القدر أن يستمر هذا الخطاب، فموازاة الضحية والجلاد لا يحدث إلا في الصراع العربي الإسرائيلي. صراعٌ فضحت الحرب الروسية الأوكرانية كامل تفاصيل ازدواجية المعايير فيه، لكنه ومع ذلك مستمر، ليس من باب الإنكار والتطاول فحسب، بل من أبواب استمرار الهجوم الصهيوني وتصاعده، وتصاعد وتيرة التطبيع بصورة أقل ما يقال عنها بأنها محزنة.
فهل صدق أشقاؤنا العرب أن ذئب المراوغة قد أصبح الحمل الوديع؟ وهل يستمر العالم في تبني القناعة بأن بقاء شعب بأكمله رهينة الاحتلال، وأسير نزواته وغطرسته سيبقى فعلاً مستداماً في حاضرة التاريخ؟
التاريخ الذي لن يرحم أحدا، لا في الهند ولا في السند ولا في بلاد العرب ولا في البتراء الفلسطينية.. لن يجعل من الذئب حملاً مهما حاول أن يلبس ثوب البراءة والطهارة، فالاحتلال احتلال مهما طال الزمان.