رام الله- معا- أصدرت وزارة الاعلام الفلسطينية، التقرير التالي بعنوان"جثامين الشهداء المحتجزة لدى سلطات الاحتلال بين السرقة والاتجار والاخفاء":
في العام، 2001 سلط الصحافي السويدي دونالد بوستروم، الضوء على قيام إسرائيل بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين والمتاجرة بها، الأمر الذي أثار أزمة دبلوماسية خاصة بعد أن رفض رئيس الوزراء السويدي في ذلك الوقت فريدريك رينفيلت، الاعتذار عما جاء في التقرير الذي كتبه بوستروم لصحفية "افتونبلاديت" التي تعتبر أكثر الصحف السويدية قراءة. ومنذ نشر التقرير الذي سلط الضوء على قتل الجنود الإسرائيليين لشبان فلسطينيين لانتزاع أعضائهم والمتاجرة بها، قادت دولة الاحتلال حملة شرسة ضد الصحافي السويدي وصحيفته، وفرضت أيضاً قيوداً على الصحافيين السويديين.
لا يدور الحديث هنا عن سرقة للأعضاء فقط، بل وللجثمان كاملا وهذا وجه واحد من عدة أوجه ضمن حملة إعلامية لاثارة قضية نبيلة تتمثل باحتجاز جثث الشهداء كاملة وليس سرقة الأعضاء فقط الامر الذي تصاعد خلال السنوات الماضية من 36 شهيدا محتجزا في ثلاجات الاحتلال في شباط 2019 الى 72 شهيدا في شباط 2021 و93 شهيدا في شباط 2022 ليرتفع الى 105 شهداء في نيسان 2022 بينما وصل عدد الشهداء المحتجزين في مقابر الأرقام الى 256، بينهم 9 أطفال، 3 شهيدات، و8 أسرى قضوا في سجون الاحتلال.
في كتابها "على جثثهم الميتة"، كشفت د. مئيرا فايس الطبيبة الإسرائيلية والخبيرة في علم الإنسان (Anthropology) عن سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، وذكرت أنه في فترة ما بين عام 1996 و2002 تواجدت فايس في معهد أبو كبير للطب الشرعي في تل أبيب لإجراء بحث علمي، وهناك رأت كيف كانت تتم سرقة الأعضاء، لا سيما من جثامين الفلسطينيين.
وقالت، "خلال وجودي في المعهد شاهدت كيف كانوا "يأخذون" أعضاء من جسد فلسطيني، ولا "يأخذون" في المقابل من "الجنود"". وأضافت "أنهم كانوا يأخذون قرنيات، وجلد، وصمامات قلبية، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن لأناس غير مهنيين أن يتنبهوا لنقص هذه الأعضاء، حيث يضعون مكان القرنيات شيئا بلاستيكيا، و"يأخذون" الجلد من الظهر بحيث لا ترى العائلة ذلك. إضافة إلى استعمال جثث الشهداء المحتجزين في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية لإجراء الأبحاث عليها". وأكدت فايس أنه &
39;الأيام الجيدة'، التي جرى خلالها حصد أعضاء بصورة دائمة وبحرية، قياسا بأية فترة أخرىوكانت وزارة الصحة الإسرائيلية أرسلت لقناة الجزيرة ردا مكتوبا، قالت فيه "أن ذلك كان يحدث"، أما اليوم فيأخذون الأعضاء وفق القانون وبموافقة مسبقة ودون ان يوضح الرد جهة استصدار الموافقات: المحاكم في دولة الاحتلال ام جيشها ام مؤسساتها الإدارية او السياسية، فيما بثت القناة الإسرائيلية الثانية في 23 نوفمبر 2015 تحقيقاً صحافياً يكشف قيام معهد الطب العدلي الإسرائيلي، بسرقة أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين التي تحتجزها دولة الاحتلال الاسرائيلي. وتضمن التحقيق شهادات أقر فيها رئيس معهد الطب العدلي الإسرائيلي السابق يهودا هس، أنه تم أخذ أعضاء بشرية وأنسجة وجلد من جثامين الشهداء الفلسطينيين، دون علم أو موافقة ذويهم.
في العام 2008، قامت شبكة (CNN) الأمريكية بنشر تقرير كشفت فيه النقاب عن معطيات جاء فيها أن إسرائيل تعتبر أكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني، وكشفت النقاب عن تورطها في جريمة قتل فلسطينيين بهدف سرقة أعضائهم الداخلية والاستفادة منها بشكل غير شرعي، والاتجار بها ضمن شبكة دولية بشكل غير قانوني، وأن دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة التي تحتجز جثامين الشهداء، وتنتهجها كسياسة، في مقابر الأرقام.
اعترفت دولة الاحتلال الإسرائيلي في تقرير نشرته صحيفة &
39; في 27 فبراير 2016 بأنها "فقدت" العشرات من جثامين الشهداء الفلسطينيين، حيث نقلت الصحفية تصريحاتٍ لمصادر في الجهازين القضائي والأمني الإسرائيليين حول فقدان 121 جثمانا للشهداء المحتجزين لدى سلطات الاحتلال منذ تسعينيات القرن الماضي وفقا لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC؛ اذ أكدت هذه المصادر على انه لا توجد معلومات حول قسم كبير من جثث الشهداء، التي تحتجز دولة الاحتلال الإسرائيلي عددا منها منذ سنوات التسعينات. وبحسب مسؤول كبير في وزارة القضاء الإسرائيلية، فإنه &39;.من الجدير بالذكر أيضا ان عملية دفن الشهداء لم تكن منظمة، وأن بعضها تمت بالاستعانة بشركات خاصة، إحداها أغلِقت ومزقت المستندات والوثائق المتعلقة بالدفن.
تعتبر مسألة احتجاز جثامين الشهداء قضية إنسانية كما انها ممارسة احتلالية غير أخلاقية تأتي جزءا من السياسات البيوحيوية – سياسات الهيمنة والسيطرة التي تهدف الى الهيمنة على جسد الفلسطيني حيا وميتا، وتتناقض مع كرامة الانسان الفلسطيني في حياته وموته، كما تنتهك هذه الممارسات التي تصفها فايس في كتابها "على جثثهم الميتة" بالعنصرية لتمييزها بين "نحن" و"هم، البند الثاني من المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية، وتتناقض وقواعدَ التعامل مع جثامين قتلى الحروب التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني العرفي. بالإضافة الى ذلك، تنتهك دولة الاحتلال الإسرائيلي باحتجازها جثامين الشهداء في ثلاجات ومقابر أرقام عدة حقوقٍ يحميها قانون حقوق الإنسان الدولي، مثل الحق في الكرامة والحق في الحياة الأسرية والحرية الدينية والثقافية وحظر كافّة أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية والمهينة وغير الإنسانية. كما تمثّل سياسة احتجاز جثامين الشهداء وفرض شروط مقيّدة على مراسم التشييع عقوبةً جماعيةً تحظرها المادة 50 من اتّفاقيتي لاهاي لعام 1907 والبند 15 و17 لاتفاقية جنيف الأولى والتي تلزم الدولة المحتلة بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم الدينية قدر الإمكان والمادة 27 من اتفاقّية جنيف الثالثة والمادة 33 من اتّفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 ، والبروتوكول الأول لعام 1977، حيث اعتبرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ان ممارسة احتجاز الجثامين ترقى إلى مستوى سوء المعاملة المحظورة، ودعت إلى تحقيق العدالة والمساءلة لوضع حد لإفلات دولة الاحتلال الإسرائيلي من العقاب.
المؤسسات الرسمية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبينها جيش الاحتلال ومؤسسة التأمين الوطني ومعهد الطب الجنائي &
39;، تمتنع عن توفير المعلومات اللازمة عن الجثامين المحتجزة، والتي قد يرقى احتجازها ورفض سلطات الاحتلال الإفصاح عن مكانها، بحكم القانون الدولي، إلى تعريف جريمة الإخفاء القسري الوارد في الاتفاقية العالمية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري .تستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثامين الشهداء لديها والذي بدأ العمل به منذ 1948 (وحيث تضم احدى مقابر الأربع التي كشف عنها خلال السنوات الأخيرة وهي مقبرة "جسر بنات يعقوب" التي تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسورية في أراضي 1948، رفات مئات الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلتهم دولة الاحتلال في حرب 1982)، كورقة تفاوضية اذ أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا يجيز للقائد العسكري في دولة الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتا لأغراض استخدامهم مستقبلا كأوراق تفاوضية، فيما يسارع أعضاء في الكنيست هذا العام، أي 2022، بالدفع لتشريع قانون يخوّل شرطة الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء، وحيث لا أساس قانونيا في دولة الاحتلال يعطي تلك الصلاحية التي تنتهك القوانين والاتفاقيات الدولية والإنسانية في طبيعتها وكممارسة، فيما تحتاج الآثار النفسيّة لعقوبة احتجاز جثامين الشهداء على أسَرهم الى تسليط الضوء إعلاميا على هذه القضية وتداعياتها طويلة الأمد ليس كممارسة مهينة اثارت الكثير من الجدل القانوني والإعلامي والأخلاقي حول سرقة أعضاء الشهداء وجلودهم وعلى احتجازهم في ثلاجات تحت درجة حرارة -40 درجة مئوية و/أو في مقابر الأرقام التي ربما يكون بعضها قد أزيل تماما من الوجود بفعل انجرافات التربة، فضلا عن الطريقة التي يتم فيها دفن الشهداء الذين يتم في أغلب الأحيان طمرهم بالرمال والطين دون وضع عازل إسمنتي، أو دفن أكثر من شهيد في نفس الحفرة، التي قد تضم شهداء من الرجال والنساء.
في ظل تشديد الإجراءات التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتسليم الجثامين وخاصة في القدس المحتلة والتي تشمل التسليم بعد منتصف الليل واشتراط الدفن المباشر لمنع ذوي الشهيد او السلطات الفلسطينية من اجراء تشريح للجثامين للوقوف من جانبها على مسالة سرقة الأعضاء والجلد وبحضور عدد محدود من الأقارب بالإضافة الى دفع الاهل غرامة تصل الى ستة آلاف دولار يصبح من الضروري بمكان متابعة هذا الملف كانتهاك بالجملة للقوانين الدولية والإنسانية وكعقوبة جماعية على شعب أعزل وكمساءلة لشرعية الاحتلال ذاته وكدعوة الى ضرورة انهائه.