بيت لحم-معا- تسعى هيئة سوق رأس المال، الى تحقيق الشمول المالي في فلسطين، والذي يهدف إلى رفع مستوى الوعي والقدرات المالية للمجتمع بمختلف شرائحه وضمان وصول كافة الأفراد والمجتمع الى الخدمات المالية من مصادرها.
فالشمول المالي أداة استراتيجية فعالة في تطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار، وتحقيق الاستدامة المالية. فهو من جهة يساهم في مواجهة تحديات الفقر والبطالة، ومن جهة أخرى يعزز النمو الاقتصادي من خلال الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة.
ماذا نقصد بالشمول المالي:
يمثل حلقة مهمة لخلق فرص العمل والتخفيف من تأثير التقلبات الاقتصادية والمالية، ويعتمد على عدة ركائز أهمها: اتاحة الخدمات المالية، واستخدام الخدمات المالية للمواطنين؛ وتوفير الجودة المناسبة للخدمات المالية.
هذه العناصر مجتمعة تؤدي الى تعزيز التنمية الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة لدى المواطنين، و تعزيز الثقة بمزودي الخدمات المالية، وتثقيف مستهلكي الخدمات بالحقوق والواجبات المترتبة عليهم لحماية حقوقهم.
كذلك أن يجد كل فرد أو مؤسسة في المجتمع منتجات مالية مناسبة تلبي احتياجاته، مثل: حسابات التوفير، وخدمات الدفع والتحويل، والتأمين، والتمويل والائتمان، والتأجير التمويلي على أن تقدم من خلال البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية المرخصة.
التحول الى الرقمنة المالية:
تعمل هيئة سوق رأس المال وضمن خطتها الاستراتيجية (2021-2025) على تعزيز دور قطاع التأمين في الشمول المالي، وذلك من خلال التوسع الأفقي لخدمات ومنتجات التأمين، وتوفير البيئة الممكنة لتطوير منتجات تأمينية مبتكرة تلبي احتياجات فئات مختلفة، تحديداً صغار المزارعين وأصحاب المشاريع الريادية، مثل منتجات التأمين متناهي الصغر والتأمين الزراعي المستند الى المؤشر وغيرها.
كذلك تعمل الهئية على تعزيز الوعي التأميني لدى الفئات المستهدفة من جهة ومن جهة أخرى نسعى لتطوير منظومة لمعالجة الشكاوى وحماية حقوق مستهلكي الخدمات والمنتجات التأمينية.
وتسعى الهيئة ضمن شراكتها في برنامج “الاتجهات المبتكرة للشمول المالي الخاصة بالمشاريع الصغيرة و المتوسطة في فلسطين" المنفذ من قبل GIZ بالنيابة عن وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية (BMZ) الى تعزيز حضور فلسطين في عالم التكنولوجيا المالية.
لكن الوصول الى الشمول المالي يتطلب تظافر الجهود في وضع البرامج والخطط اللازمة وتوفير بنية تحتية ملائمة، لاسيما أن الدول التي نجحت في تعزيز استخدام أدوات الدفع الالكتروني في التعاملات المالية، كانت البداية لديها بالقطاع الحكومي.
وعليه، فإن تطبيق الشمول المالي يجب أن يشمل كافة القطاعات الاقتصادية المصرفية وغير المصرفية مثل قطاع التأمين، لكن هذا القطاع حسب هيئة سوق راس المال، بحاجة الى تطوير لان المحفظة التأمينية تركز حاليا على تأمين المركبات فقط. بالتالي لا تتوفر تأمينات تلبي احتياجات فئات محددة من المجتمع، زد على ذلك ضعف الثقافة التأمينية لدى أفراد المجتمع. وبحسب الاحصاءات الحالية يظهر تدني نسب انتشار صناعة التأمين في فلسطين، حيث لم تتعد نسبة الاختراق التأمينية حاجز 2%مع نهاية 2021، في حين بلغت حصة الفرد من محفظة التأمين حوالي 68.4 دولار أمريكي فقط.
التحديات أمام تنفيذ استراتيجية الشمول المالي
منذ البدء بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في العام 2018 واجهتها صعوبات وتحديات استثنائية، من هذه التحديات: سياسة الاحتلال وحجز أموال المقاصة ثم جائحة كورونا وتداعياتها.
ووفقا للهيئة فأن نسب تطبيق الشمول المالي لن يشهد ازدياداً ملحوظاً بل ثباتا. وفي ظل الظروف الراهنة يعد انجازاً في حد ذاته. فتراجع مستويات الدخل الكلي لدى المجتمع، يضعف القدرة الشرائية للمواطنين، واضمحلال الفرص الاستثمارية امام الحصول على الأموال والاستثمار من التحديات التي تواجه تعزيز الشمول المالي. كما تأثرت مستويات الثقة بشكل سلبي خلال فترة جائحة كورونا وما تبعها من انقطاع العمل وتأجيل سداد أقساط القروض.
الوصول إلى الفئات المستهدفة بالشمول المالي
هنالك مجموعة من البرامج والأنشطة التي تهدف الى الوصول للفئات المستهدفة في الاستراتيجية، كالمناطق النائية وصغار المزارعين، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تهدف الى تعزيز استخدام التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا التأمين إضافة الى تطوير منتجات مالية مستحسنة ومبتكرة، ومن الأمثلة التي تعمل الهيئة على إيجادها، يقول د.بشار ابو زعرور مدير عام الإدارة العامة للابتكار والتمويل الرقمي في الهيئة، توفير الإطار التنظيمي والرقابي لعمل المنصات الالكترونية لبيع خدمات مالية غير مصرفية، كذلك تطوير منتجات التأمين متناهي الصغر، وتوجيه السياسات نحو إيجاد وتوفير منتجات تأمين. كما ان جوهر الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي هو توسيع نطاق القطاع المالي الرسمي على حساب النظام المالي غير الرسمي وينعكس ذلك أيضا وبشكل جلي في استراتيجية هيئة سوق رأس المال، ويأتي ذلك من خلال التوعية والتثقيف، وحث مزودي الخدمات وتوجيههم الى تطوير منتجات مالية تلبي احتياجات الفئات التي تعمل في الاقتصاد غير الرسمي، و الحصول على خدمات التأمين والتأجير التمويلي عبر منصات الكترونية والدفع بوسائل الدفع الالكتروني.
يضيف د. ابو زعرور، "جزء من الجهود المبذولة من قبل سلطة النقد الفلسطينية وشركات الدفع الالكتروني هي السماح لكافة شرائح المجتمع بالحصول على محافظ الكترونية دون الحاجة الى وجود حساب مصرفي. هذا يسهم بشكل مباشر في دمج الشرائح والفئات التي تعاني من الإقصاء المالي أو تتعامل بالقطاع المال غير الرسمي الى الوصول والدمج في القطاع المالي الرسمي بسهولة ويسر".
التعاملات الإلكترونية الامنة
الأمن السيبراني والخصوصية من المخاطر التي تترتب على استخدام الوسائل التكنولوجية، لكن الهيئة- يقول د. ابو زعرور-تتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحد من هذه المخاطر والسيطرة عليها، ويخضع أي ابتكار قبل أن يتم اطلاقه في السوق المالي الى فترة تجربة، ضمن مجموعة من الضوابط والشروط، لكن يبقى من الصعوبة توفير ضمانات شاملة فيما يخص الأمن السيبراني، لأن مثل هذا النوع من المخاطر هو متلازم باستخدامات المعاملات الالكترونية.
غير أن الجهات الرقابية مثل هيئة سوق رأس المال، يؤكد ابو زعرور" وللحد من المخاطر السيبرانية، قد شارفت على الانتهاء من تطوير وإصدار تعليمات ترخيص منصات الكترونية لبيع خدمات مالية غير مصرفية، توفرها الشركات المرخصة من الهيئة، وبموجب هذه التعليمات ستصدر ضوابط تنظيمية صارمة تهدف الى ضرورة وجود مجموعة من الإجراءات والضوابط من قبل مشغلي هذه المنصات والشركات المزودة للخدمات والتي تهدف الى الحد من المخاطر السيبرالية وأمن المعلومات".
التكنولوجيا المالية في فلسطين
هي وسيلة يتم استخدامها لتعزيز الشمول المالي، من خلال تسريع عمليات الوصول للخدمات المالية، اضافةً الى استحداث منتجات مالية تستند الى التكنولوجيا المالية مثل صناديق التمويل الجماعي، والتمويل متناهي الصغر والتأمين المستند الى المؤشر وغيرها.
كما تسهم بشكل كبير في زيادة كفاءة العمليات التشغيلية وفي هذا السياق عملت هيئة سوق رأس المال في استراتيجيتها الخمسية للأعوام 2021- 2025 على توظيف التكنولوجيا المالية في القطاعات التي تشرف عليها، واستحدثت الإدارة العامة لخدمات التمويل الرقمي والابتكار ووطورت واطلقت منصة "ابتكر" وتهدف الى توفير التوجيه والارشاد الرقابي للمبتكرين في مجال التكنولوجيا المالية وفي مراحل مبكرة من بداية بزوغ الفكرة.
و أضاف ابو زعرور "أن هيئة سوق راس المال، تسعى الى توظيف استخدامات التكنولوجيا المالية في القطاعات المالية غير المصرفية وهذه القطاعات هي: قطاع التامين، قطاع الأوراق المالية، قطاع التأجير التمويلي، تمويل الرهن العقاري، وحديثاً قطاع التخصيم، ويمثل قطاع التكنولوجيا المالية عاملاً مشتركاً بين كافة هذه القطاعات".
وتعمل الهيئة على توفير البيئة الحاضنة لذلك إضافة الى رسم السياسات وتهيئة بنيتها الداخلية، وقد عملت الهيئة في بداية العام 2021 على انشاء الإدارة العامة لخدمات التمويل الرقمي والابتكار وهي إدارة مختصة بكل ما يتعلق بالتكنولوجيا المالية والمنتجات المالية المبتكرة.
منصة ابتكر وأهدافها
"ابتكر" هي أول منصة توجيه رقابي وإرشادي في المنطقة العربية للقطاع المالي غير المصرفي تابعة لهيئة سوق رأس المال الفلسطينية. يقول د. أبو زعرور: "إنها تهدف الى تعزيز وتسهيل التواصل ما بين الهيئة وأصحاب الابتكارات والأفكار الريادية في مجال التكنولوجيا المالية والتأمين، من خلال الإجابة على استفسارات المبتكرين واستقبال أفكارهم الريادية عبر المنصة، ومن جهة أخرى تسهم في تنفيذ توجهات وسياسات الهيئة الرامية الى تعزيز البيئة الصديقة للابتكارات المالية وتعزيز الشمول المالي وزيادة نسب الوصول للخدمات والمنتجات المالية غير المصرفية، والمساهمة في استقرار ونزاهة القطاع المالي وحماية حقوق المتعاملين به .
الاستعدادات لليوم العربي للشمول المالي
يأتي اليوم العربي للشمول المالي والذي يصادف 28 نيسان من كل عام، انسجاماً لرؤية صندوق النقد العربي والذي يضم في عضويته كافة الدول العربية حيث قرر الصندوق قبل بضع سنوات اعتماد هذا التاريخ، حيث تعمل خلاله الدول الأعضاء على تنفيذ أنشطة وفعاليات مرتبطة بتعزيز الشمول المالي لديها.
في فلسطين، يقول د. ابو زعرور، هذا العام سوف يتم تنفيذه في 27/ 4/2022 قبل نهاية شهر رمضان المبارك، وسيتم نشر مجموعة من الرسائل التوعوية والفيديوهات ذات العلاقة بالشمول المالي عبر وسائل التواصل، إضافة الى نشر ورقة موقف تناقش فيها الهيئة أبرز التحديات التي واجهت تطبيق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي منذ اطلاقها وحتى تاريخه، وما هي الخطوات المستقبلية التي يتم اتخاذها على ضوء تقييم شامل سيتم تنفيذه لهذا الغرض خلال العام الحالي، وانعكاس المستجدات الناجمة عن جائحة كورونا وأثرها على تعزيز الشمول المالي في فلسطين.