الكاتب: نداء يونس
اشتغلت "صبيا" لدى الشعر؛
كان علي ان اتعلم تنظيف القذارات،
قطع القماش الملونة،
الحشوات من الريش والعظم وحتى شَعْرٍ النساء
وملابسهن الداخلية
وروائحهن،
وخجل الشاعرات
والنكهات الاصطناعية،
ثم كان علي ان ارتب فوضى الاسماء والصفات،
وان اطرد الطيور التي تأكل الجيف،
والسعالي،
والضباع،
وان القي الزوائد في المجاري التي عادة ما تكون طافحة
حيث لا تعمل عربات النضح عادة،
حيث لا تهتم المؤسسات الرسمية
بتركيب حفر امتصاصية،
حيث الرمل مصاب بعسر الهضم ولا يحكي
يحاول ان يعالج نفسه بالمعلقات
وفائض الحنين
ولزوم ما لا يلزم
حتى حرف الكاف تعلمت ان اهذبه،
وان ارمي الفرح الطبيعي حين تنتهي قصيدة في سلة المهملات،
وان اخاف.
كان علي ان اشتغل على نقش الظل،
ان اتجاوز الانفعالات الجاهزة،
القوالب المعدة سلفا لصب المشاعر والكلام
حتى موضوعات الكلام،
والكتابات التي تليق ببرنامج ما يطلبه المستمعون،
او باشتراطات مؤسسات ثقافية تشتغل حارسة للفضيلة اغلب الوقت،
تخاف من كلمة عانة مثلا
وتعتقلها على اول حاجز معرفي،
وفي اوقات الفراغ تحكي عن دور الثقافة في تغيير الفكر
وابتناء الصرح الحضاري
على شكل خيمة
لا تنحاز الى الفوضوي،
الى دهشة كالملح،
الى نسيج الكائن،
الى جهة سائلة في الكلام.
كان على ان اتخلص مما لا يمكن ان ان يقول شيئا:
التجاورات اللفظية المضحكة،
اللغة الخشبية،
لدانة الكلمات التي كالزيت الحار تغرق،
تحرق،
ولا تُشفَى،
ثم كان علي ان اتخلص من السرد،
من الوصف،
من خفة الغنائي،
من ابتذال تسول الاعجابات،
والتشابه - الذي يسبب جفافا حادا في الدم-
بين القصيدة والمجتمع،
والنصوص التي كأن من يكتبها شخص واحد،
وتلك المصابة بباركنسون،
او شلل الاطفال،
التي تستدر التعاطف،
التملق،
والمجاملة،
التي لا تخرج من مصحة نفسية،
ولا ترتدي ملابس سباحة للصلاة،
التي تعمل مرآة للغباش،
ولا تخمش،
التي بلا مسرحة
تؤدي دورها الخطابي،
التي مثل ممثل فاشل،
او وجه بلاستيكي،
او نظام مساعدة على التنفس.
ثم بعد هذا
علمني الشعر
ان احمل مطرقة- مطرقة كبيرة،
واسكت.