القدس - معا - دانت مؤسسة الحق جريمة قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة أثناء قيامها بأداء عملها الصحفي في وقت قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بهجوم عسكري على مخيم جنين صباح اليوم، الأربعاء، الموافق 11/5/2022، وإصابة زميلها علي سمودي بجراح في كفته جراء إطلاق النار عليه من قبل جنود الاحتلال.
ووفقًا لتحقيقات مؤسسة الحق الأولية، فإن قوة من جيش الاحتلال هاجمت مخيم جنين، شمال الضفة الغربية، عند الساعة 5 من صباح اليوم تقريباً، وقامت بمحاصرة منزل يعود لعائلة الحصري الواقع في منطقة المخيم الجديد في مخيم جنين. وبعد وصول قوات الاحتلال ومحاصرتهم للبيت ومهاجمتهم له وإطلاق النار والقنابل الصوتيه داخله وفي محيطه، ومهاجمة من تواجد داخله من سكانه المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال بحجة البحث عمن تسميهم " مطلوبين لها" من سكان المنزل المذكور، وانتشار خبر مهاجمة الجنود للبيت، بدأ مقاومون فلسطينيون بإطلاق النار باتجاههم. استمر تواجد الجنود في المكان، لفترة تقدر بساعة تقريبًا، تم خلالها إطلاق النار بشكل متقطع من قبل مقاومين باتجاههم ومن قبل الجنود باتجاه المقاومين. حينها بدأ عدد من الصحفيين الفلسطينيين بمن فيهم الصحفي علي سمودي بالتجمع في منطقة دوار العودة ( المدخل الغربي لمخيم جنين) الواقع على شارع جنين -برقين شمال مكان وقوع الأحداث، وكانوا يرتدون زيهم الذي يدل على طبيعة عملهم/ن بوصفهم/ن صحفيين وصحفيات.
في تلك الأثناء وصلت مركبة بث تلفزيوني تابعة لقناة الجزيرة الفضائية الاخبارية، ونزلت منها الصحفية شيرين أبو عاقلة برفقتها طاقم صحفي، وكانت ترتدي زيها الصحفي. بدأ الصحفيون/ات بالسير في شارع جنين -برقين باتجاه الغرب للوصول إلى شارع يتفرع عن الشارع الرئيسي المذكور والذي تنتشر فيه المركبات العسكرية الاسرائيلية، حيث مسرح الأحداث.
في تلك اللحظات أصبح الصحفيون/ات متواجدين داخل الشارع الفرعي بعدة أمتار تقابلهم جنوباً المركبات العسكرية الاسرائيلية، وإلى الناحية الشرقية من هذا الشارع الفرعي ومن مكان تواجد المركبات العسكرية الاسرائيلية تواجد مقاوم أو أكثر.
وبذلك بات الصحفيون/ات الفلسطينون مرئيين بوضوح للجنود الاسرائيليين لعدم وجود أي حائل طبيعي يمنع الرؤية، ولكنهم في زاوية غير مرئية للمقاومين. توقف الصحفيون في ذلك الشارع لدقائق قليلة بهدف تمكين جنود الاحتلال من رؤيتهم/ن وتمييزهم/ن بوصفهم/ن صحفيين/ات. ومن ثم واصل الصحفيون/ات -يتقدمهم الصحفي علي سمودي- تقدمهم من المركبات العسكرية ببطء استعداداً للتصوير. كان علي السمودي في منتصف الشارع تقريباً، بينما تقدم الصحفيون/ات الاخرون بمحاذاة جدار خاص بمصنع طوب وشجرة عريضة الجذع. في هذه الأثناء، ووفقًا للمعلومات الميدانية، فإن مقاومًا أطلق النار باتجاه المركبات العسكرية، من الجهة الشرقية للمركبات العسكرية تقريبًا، وحسب المشاهدات الميدانية فإن زاوية تواجد المقاوم لا يمكن أن يتم منها إطلاق النار منها باتجاه مكان تواجد الصحفيين/ات. وهنا وقع إطلاق نار باتجاه الصحفيين من الجهة الجنوبية لهم، أي مكان تواجد الجنود. ومع إطلاق الرصاصة الأولى أدرك الصحفي على سمودي أن الرصاص يأتي باتجاههم، فاستدار وهو يصيح " إطلاق رصاص"، فأصيب برصاصة في أعلى كتفه الأيسر من الخلف وخرجت من الأمام، فركض للخلف باتجاه الشارع الذي قدم منه الصحفيون، أي شارع جنين – برقين، وهنا شاهدت الصحفية شيرين أبو عاقلة الصحفي علي سمودي وهو يركض ومصابًا، فصاحت " أصيب علي"، توقف الصحفيون عن التقدم، وكانت الصحفية شيرين تقف بمحاذاة الشجرة المذكورة مقابل الجنود، بينما كانت الصحفية شذى حنايشة تتستر بجذع الشجرة وبجوار شيرين.
في هذه اللحظة أصيبت شيرين برصاصة في الرأس وسقطت على الأرض مباشرة. ورغم ذلك، واستنادًا لمعلومات قدمتها الصحفية شذى حنايشة وبعض السكان المتواجدين في المنطقة، فقد استمر إطلاق الرصاص باتجاه مكان تواجد الصحفيين/ات. ووفقًا للصحفية شذى حنايشة فإنها كلما كانت تحاول سحب شيرين أبو عاقلة كان يتم إطلاق النار في الاتجاه.
كما تم إطلاق النار باتجاه كل من حاول الاقتراب من مكان إطلاق النار على الصحفيين. ولكن تمكن أحد السكان المتواجدين من القفز من على الجدار السابق ذكره وحاول عدة مرات إنقاذ شيرين، رغم تواصل إطلاق النار، تمكن في النهاية من سحب شذى لخلف الجدار، وعاد وسحب شيرين لذات المكان، ثم تمكن آخرون في الموقع من حمل شيرين ونقلها إلى مركبة خصوصية إلى مستشفى ابن سينا التخصصي في جنين. وعند حوالي الساعة 6:15 أعلن عن استشهاد الصحفية شيرين جراء إصابتها. وبعد استشهاد الصحفية شيرين تم إجراء الصفة التشريحية لها، وتلخصت نتيجة التشريح في أن شيرين أصيبت إصابة مباشرة اخترقت الجمجمة والدماغ، وتم العثور على مقذوف مشوه داخل الدماغ.
وتابعت الحق: استنادًا للمعلومات أعلاه يمكن الوصول للنتائج التالية:
- إن إطلاق النار الذي لم يأت على شكل صلية، بل على شكل رصاصة تلو الأخرى، يدعو للاعتقاد بأن من يطلق النار كان يوجه سلاحة باتجاه من استهدفهم الرصاص.
- إن تواجد المقاوم/ المقاومين، كان في زاوية لا يمكن أن يصل منها الرصاص لمكان تواجد الصحفيين/ات، حتى الرصاص الذي أطلق من قبل مقاوم في لحظة إطلاق النار من قبل قوات الاحتلال لا يمكن، وفقًا للمشاهدات الميدانية، أن يصل لمكان تواجد الصحفيين/ات الذين يتواجدون في منطقة مخفية بالنسبة لمكان تواجد المقاوم، على عكس المنطقة التي يتواجد فيها جنود الاحتلال التي تكشف مكان تواجد الصحفيين/ات بشكل مباشر دون إعاقات.
- إن نتيجة الصفة التشريحية التي تم إجراؤها في معهد الطب العدلي في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ووفقًا لتصريحات الدكتور ريان العلي المنتدب من قبل وزراة العدل الفسطينية، تفيد بوجود "مقذوف مشوه" في دماغ الشهيدة شيرين، وهذا النوع من المقذوف قد يكون نوعا من الذخيرة التي تقتنيها قوات الاحتلال فقط.
استنادًا، إلى ما ذكر يمكن الاستنتاج بأن الرصاص الذي أطلق باتجاه الصحفيين/ات الفلسطينيين/ات كان مصدره جنود الاحتلال، وليس المقاومين على خلاف ما ادعته سلطات الاحتلال.
وقالت الحق : يتمتع الصحفيون بحماية القانون الإنساني الدولي شأنهم في ذلك شأن المدنيين/ات. فوفقًا للمادة 79 من البروتوكول الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع، والتي وصلت لمستوى القانون العرفي الدولي، " يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50". كما يتمتع هؤلاء بحماية القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وترفض الاعتراف بانطباقه على سكان الإقليم المحتل، تمامًا كما تنكر انطباق القانون الإنساني عليهم.
وتابعت الحق : واستنادًا للوقائع والتحقيقات الأولية فإن ما تعرضت له شيرين أبو عاقلة صباح هذا اليوم يمكن أن يندرج في إطار القتل العمد، الذي يعتبر جريمة حرب تقع ضمن اختصاص المحكمة الدولية، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. كما يعتبر حرمانًا تعسفيًا من الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويستوجب مساءلة مرتكبيه. كما أنه اعتداء على الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير المكفولة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وتابعت الحق: يأتي إطلاق النار على هؤلاء الصحفيين/ات في وقت تصعد فيه قوات الاحتلال والمستوطنون من اعتداءاتهم ضد المدنيين/ات الفلسطينيين/ات وممتلكاتهم، حيث قتلت قوات الاحتلال منذ بداية العام 49 فلسطينيًا وفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، منهم من تم إعدامه بإجراءات موجزة وخارج نطاق القانون، وفي وقت تستمر فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة إسكات أي صوت يحاول فضح انتهاكاتها ومساءلة مرتكبي الجرائم. هذا في وقت ما تزال فيه المساءلة عن هذه الجرائم غائبة، على الرغم من إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية الانتهاء من الدراسة الأولية قبل أكثر من عام والشروع بالتحقيق بشكل رسمي، دون أن يتم اتخاذ إجراءات عملية على الأرض في إطار التحقيق المعلن.
واكدت مؤسسة الحق على أن الجريمة التي تعرضت لها الصحفية أبو عاقلة وزميلها الصحفي سمودي وغيرهم من الصحفيين/ات والجرائم الأخرى التي ترتكب بشكل يومي ما كانت لتقع لو أن مرتكبي هذه الجرائم تمت محاسبتهم عليها، ولم يصمت العالم عليها ولم يتعامل بمعايير مزدوجة لانفاذ القانون الدولي.
وعليه فإن مؤسسة الحق ترى ان جريمة قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة وإصابة الصحفي علي سمودي بجراح يعدان سببان إضافيان لدفع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتسريع باتخاذ إجراءات عملية لجهة الشروع بالتحقيق بالجرائم المرتكبة على إقليم دولة فلسطين، والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف.
وقالت : على الدول الأطراف الثالثة تحمل مسؤولياتها لحماية الفلسطينيين/ات عمومًا والصحفيين/ات خصوصًا، والكف عن ازدواجية المعايير، واتخاذ إجراءات عملية للتعامل مع المسببات الحقيقة للصراع والمتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد والاستعمار الاستيطاني القائم على الفصل العنصري، من خلال تفكيك منظمومة الاستعمار وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير.
وتقدمت مؤسسة الحق ممثلة بطاقمها ومجلس ادارتها وهيئتها العامة بأحر التعازي والمواساة من أسرة الصحفية شيرين أبو عاقلة، وأسرتها الأكبر- زملائها الصحفيين والصحفيات، ودعت بالشفاء العاجل للصحفي الجريح علي سمودي.
واكدت "الحق" أنها ستواصل عملها في توثيق الجرائم وجمع الدليل لاستخدامه في مساءلة مرتكبي هذه الجرائم أمام لهيئات الدولية المعنية من اليات دولية خاصة وجهات قضائية معنية بالحالة في الأرض الفلسطينية المحتلة.