رام الله- معا- عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) لقاء لرؤساء الهيئات المحلية الجدد 2021-2022 حول منظومة النزاهة ومكافحة الفساد في أعمال الهيئات المحلية، بهدف تحصينها والحث على وجود اجراءات وتدابير وقائية لمنع أي فرص فساد في عمل البلديات المحلية، الأمر الذي يتطلب تفاعلا ومشاركة بين المواطن والهيئة المحلية، من أجل إعمال أعلى درجات الشفافية والنزاهة والمساءلة الفعالة في أعمال الهيئة المحلية وفي تقديم الخدمات.
واستهل اللقاء بكلمة من عصام حج حسين، المدير التنفيذي لائتلاف أمان، والذي عرّج فيها على حق المواطن في ممارسة المساءلة المجتمعية، إذ يتوجب أن تخضع البلديات وعلى رأسها رئيس البلدية للمساءلة، حيث أن أعضاء المجلس البلدي مسائلين من قبل المواطنين الذين انتخبوهم، كما يتوجب على هؤلاء الأعضاء ممارسة دورهم في مساءلة رئيس\ة البلدية الذي/التي اختاروه/ا. وأشار حج حسين في حديثه أن نهج "الهرم المقلوب في المساءلة" هو الأكثر شيوعا في البلديات المحلية، حيث أن مجالس الهيئات تعتبر نفسها مساءلة أمام رئيس الهيئة وليس العكس. وأضاف، أن الالتزام بتقديم الخدمات بشفافية ونزاهة سيحصن الهيئة المحلية من فرص الفساد، وسيحمي في الوقت ذاته البلدية من أية اتهامات تتعلق بتدخل العشائرية أو المحسوبيات والواسطة في تقديم الخدمات للمواطنين.
وفي كلمته، أفاد حسين أن موضوع مكافحة الفساد يأتي على سلم أولويات المواطن الفلسطيني، إذ يعتقد 28% من المواطنين المستطلعة آراؤهم بأن تحدي مكافحة الفساد يجب أن يحظى بأولوية، يليها الاحتلال والقضايا الاقتصادية بذات النسبة 23% على حد سواء، ومن ثم الانقسام السياسي بنسبة 13%.
قدمت السيدة انتصار حمدان، مديرة وحدة رفع الوعي والاتصال المجتمعي عرضاً لتحليل نتائج مؤشرات نظام النزاهة في عمل الهيئات المحلية في فلسطين للعام 2022، والتي تعتبر أداة طورتها منظمة الشفافية الدولية فيما قام ائتلاف أمان بتطويرها بما يتناسب مع السياق الفلسطيني، مطبقاً المؤشر على 18 هيئة محلية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهادفاً الى تحصين بيئة عمل هيئات الحكم المحلي وجعلها مستجيبة للمساءلة المجتمعية، ورفع وعي العاملين فيها والمواطنين في المجتمع المحلي بالممارسات الفضلى الرامية الى مكافحة الفساد والمعززة للمساءلة المجتمعية.
المركزية العالية لدور وزارة الحكم المحلي تحد من عمل الهيئات المحلية
وبحسب نتائج المؤشر؛ كشف تطبيق قانون الهيئات المحلية، جوانب الضعف التي يحتويها القانون والتي تضعف وتحد من حرية ممارسة المجلس المنتخب لمهامه، من حيث درجة المركزية العالية لدور وزير الحكم المحلي في إدارة عمل الهيئات المحلية، إذ يستوجب عدد لا بأس بها من مهام وأعمال الهيئات المحلية موافقة الوزير، وهو ما يعيق عمل البلديات في بعض الأحيان، ناهيك عن نقص في التشريعات التي تنظم العلاقة بين القطاع الخاص والبلدية.
كما أن هناك بعض القوانين التي أخلت بمبدأ استقلالية الهيئات المحلية، كونها شخصية اعتبارية مستقلة، كالمادة الثالثة من القرار بقانون لعام 2008 التي اعطب صلاحية لمجلس الوزراء في حل مجلس الهيئة المحلية بتنسيب من الوزير وفقاً لسلطته التقديرية، وما أعطاه القانون من صلاحية لوزير الحكم المحلي بإقالة رئيس المجلس من رئاسة الهيئة، بحيث يقوم الأعضاء بانتخاب رئيس جديد من بينهم لرئاسة المجلس.
المعيقات التي تواجه الهيئات المحلية في فلسطين
وعددت حمدان المعيقات التي تواجه الهيئات المحلية، مشيرة الى ضعف معرفي لدى مختلف الهيئات المحلية بمنظومة النزاهة ومكافحة الفساد وبشكل خاص الممارسات الفضلى الإدارية منها والمالية، والى تغلغل ثقافة العشائرية والعائلية في إدارة الهيئات المحلية.
وقد أشارت النتائج الى إشكالة عدم انتظام انتخابات الهيئات المحلية وامتناع السلطة القائمة في قطاع غزة عن السماح بها منذ وقوع الانقسام السياسي في عام 2007، الأمر الذي أثّر على صيرورة العملية الديمقراطية والتنموية في قطاع الهيئات المحلية في قطاع غزة حيث تأثرت به 25 بلدية، إضافة الى إشكالية تداخل المهام والصلاحيات بين الهيئات المحلية وبين مؤسسات السلطة التنفيذية، وشحّ الموارد المالية، واستمرار الحكومة في التقاعس عن تحويل الأموال التي تجمعها لصالح الهيئات المحلية من خلال بعض الضرائب والرسوم، وتأخر القضاء الفلسطيني في البتّ في القضايا المتصلة بأعمال البلديات، وقلة التعليمات أو أدلّة مكتوبة ومعمّمة على المجلس المحلي أو العاملين فيه للتعرف على شبهات الفساد أو طرق الإبلاغ عنه، أو وجود برامج تأهيل وتعريف للعاملين بأشكال الفساد وأسبابه وطرق مكافحته والإبلاغ عنه.
قطاع الحكم المحلي لا يزال خاصرة رخوة تعيق جهود مكافحة الفساد
فيما أشارت حمدان الى أبرز التجاوزات في الهيئات المحلية بحسب تقارير أمان وديوان الرقابة المالية والإدارية، وهيئة مكافحة الفساد، والتي أفادت بوجود تجاوزات مالية وإدارية، وتضارب مصالح، واستغلال نفوذ وظيفي، وسوء استغلال رؤساء وأعضاء مجالس بعض الهيئات للصلاحيات والموقع العام في التوظيف والتلاعب بالبيانات المالية والبرامج المحاسبية والسجلات المحاسبية، بهدف اختلاس الأموال العامة أو الاحتفاظ بالأموال التي تتم جبايتها لاستغلالها لأغراض شخصية.
وقد أشارت نتائج دراسات أمان أن غالبية رؤساء المجالس المحلية يقدّمون تقاريرهم للمجلس شفوياً، بينما الأفضل هو تقديم التقارير مكتوبة، كما أن هناك ضعف في منظومة تلقي ومعالجة الشكاوى، وعدم وجود آليات واضحة ومنشورة حول آليات الاعتراض على قرارات المجلس البلدي في مختلف البلديات، وضعف الإشراف على الخدمات ومساءلة مزوّدي الخدمة العامة وشركات القطاع الخاص، إذ لا تعتمد العديد من البلديات آلية تلقّي التقارير الدورية المكتوبة من قبل مزوّدي الخدمة أو المقاولين إلّا إذا دعت الحاجة لذلك أو حسب الطلب، كما لم تسجّل أيّة حالة إيقاع عقوبة على أيّة شركة مخالفة خاصة في مواعيد تسليم المشاريع.
كما أن واقع الرقابة والتدقيق على أعمال الهيئات المحلية ضعيف، إذ لم يتم مأسسة عملية الرقابة والتدقيق الداخلي في العديد من الهيئات المحلية، كما أن التدقيق الخارجي لا زال حديث التطبيق، حيث يتوجب أن تُخضع الهيئة المحلية نفسها طوعا لجهة تدقيق خارجية مستقلة ومؤهلة ومدفوعة الأجر. إضافة لذلك، تعاني معظم الهيئات المحلية من ضعف في اجراءات تفعيل مدونة السلوك إن وجدت، علما أن بعض الهيئات المحلية لم تعتمد مدونة سلوك خاصة برئيس وأعضاء المجلس البلدي، أو نظام تلقي الهدايا، أو نظاما لتجنب تضارب المصالح، هناك خلل لدى بعض الهيئات المحلية في إجراءات التوظيف من حيث التوصيف والتنافس، والاعلان عن الوظائف، إذ ما زالت هناك الكثير من التحديات التي تتيح فرص التعيين بالواسطة أو المحسوبية أو للاعتبارات التنظيمية والعائلية، إضافة الى عدم الالتزام بقانون الشراء العام من قبل العديد من البلديات، وعدم وجود سياسات وأدلة إجرائية لتحديد الرسوم على الخدمات والضرائب، تضمن عدم التلاعب في دفع وتحصيل الرسوم والضرائب، وعدم وجود سياسة معتمدة للنشر والإفصاح، كما أن غالبية الهيئات المحلية عندما تلجأ للنشر والإفصاح، فإنها تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، علما أن عدد قليل من الهيئات المحلية تقوم بنشر موازناتها وتقاريرها للعامة، كما أن هناك فهم محدود للهيئات المحلية لمفهوم المشاركة المجتمعية.
يتوجب رفع وعي المواطنين وتفعيل أدوات المساءلة المجتمعية تجاه الهيئات المحلية
أطلق ائتلاف أمان عدد من التوصيات من شأنها تعزيز الحوكمة في الهيئات المحلية من خلال تعزيز قيم النزاهة بالعمل على إقرار مدونات السلوك لرؤساء وأعضاء وموظفي الهيئات المحلية، وتبني الهيئات المحلية مبادئ أكثر للشفافية في جميع ممارسات اعمالها وآليات اتخاذ القرارات ونشر التقارير الإدارية والمالية وكافة نشاطات الهيئة، والانفتاح والمشاركة للمجتمع المحلي والمواطنين، وتفعيل أدوات الرقابة والمساءلة وانشاء وحدات خاصة بالشكاوى وتحديد الإجراءات المتعلقة في هذا المجال في إطار نظام خاص بذلك، وتفعيل أدوات المساءلة المجتمعية تجاه الهيئات المحلية، والحد من الشراء المباشر في الهيئات المحلية وتطبيق قانون الشراء العام في كافة حالات المشتريات لإتاحة الفرصة للتنافس، ونشر قرارات المجلس البلدي، والعطاءات وإعلانات التوظيف، والتقارير المالية، وموازنة البلدية، ومأسسة نظام الشكاوى وتوحيده وعمل نماذج على الصفحة الالكترونية للبلدية وكافة وسائل النشر المتاحة.
واستعرض الباحث الرئيسي في ائتلاف أمان، جهاد حرب أداة أخرى وهي مؤشر الشفافية في الهيئات المحلية، والذي يقيس 44 مؤشرا فرعيا، ويهدف الى التعرف على مدى تطبيق مبادئ الشفافية في أعمال الهيئات المحلية، من خلال التزامها بسياسات ومبادئ الإفصاح وتوفير المعلومات المتعلقة بعمله، مشيرا أن أمان قام بإصدار تسعة تقارير لمؤشر الشفافية في الهيئات المحلية بين العام 2016-2022.
ضرورة نشر البلديات لمعلوماتها وتقاريرها على أثر حصولها على درجات متدنية بحسب مؤشر الشفافية
أوصت تقارير أمان الى ضرورة تعزيز مستوى الإفصاح والشفافية في البلديات، من خلال قيام الهيئات المحلية بتبني استراتيجية للإفصاح والنشر لكافة المعلومات والأعمال، خاصةً بعد حصولها وبلا استثناء على درجة متدنية، واعتماد الموقع كآلية أساسية للنشر والإفصاح عن المعلومات المطلوبة ضمن مؤشر الشفافية، ذلك إلى جانب استخدام موقع التواصل الاجتماعي كآلية ثانوية داعمة ومكملة لنشر المعلومات من خلال نشر منشورات قصيرة مضمنة برابط إلكتروني.
كذلك العمل على تعديل أحكام مدوّنة السلوك لتشمل بعض المؤشرات كالإفصاح عن الموجودات والممتلكات الخاصة برئيس الهيئة مثلاً، وضرورة إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، الذي يحدد يصنف المعلومات والبيانات على أنّها سجلات عامة من حقّ المواطنين الاطلاع عليها دون طلب رسمي وآلية الحصول عليها.
إضافة الى مطالبة وزارة الحكم المحلي وصندوق تطوير وإقراض البلديات واتحاد البلديات بتطوير برامج تأهيل وتمكين للبلديات، ورفع الوعي لدى العاملين فيها بأهمية النشر والمشاركة المجتمعية لتعزيز مبادئ الشفافية ونظم المساءلة، وتعزيز وتفعيل دور دوائر العلاقات العامة وتكثيف جهودها في مجال إنشاء، وتطوير، وتحديث المواقع الإلكترونية الرسمية، ونشر المعلومات بتفاصيلها لكي يتمكن المواطنون من الاطّلاع عليها.
كما عرّج حرب في توصياته على تكثيف وتعزيز الجهود الرقابية من قبل الجهات الرقابية الحكومية على نشر المعلومات من قبل الهيئات المحلية والتزامها بذلك؛ للتأكد من قيام المجالس المحلية بالنشر واتخاذ إجراءات رادعة في حال تخلّفها عن ذلك، وتوعية المواطنين وتعريفهم بشكل أكبر بحقهم في الوصول والحصول على المعلومات، من خلال نشر أدلّة، وعقد ندوات وورشات توعوية.