السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

طالب… ثم طالب حتى تضيع المطالب!

نشر بتاريخ: 29/06/2022 ( آخر تحديث: 29/06/2022 الساعة: 11:47 )
طالب… ثم طالب حتى تضيع المطالب!


د. صبري صيدم

أكاد لا أمسك نفسي من الضحك في كل مرة تطالب فيها الإدارة الأمريكية بما تسميه: تحقيقاً عادلاً وشفافاً باغتيال أيقونة الإعلام شيرين أبو عاقلة، ليس استخفافاً بالشهيدة ولا بالجريمة، معاذ الله، بل لعمق الاستغفال الذي تمارسه الإدارة الأمريكية في هذا الشأن، بتواطئ واضح مع إسرائيل وحكومتها المتهاوية، إذ تحاول الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذه المطالبة أن تقول إنها «مهتمة» وأنها «صادقة» في مسعاها ورغبتها إظهار الحقيقة ومعاقبة المسؤولين.

لكن الفلسطينيين وعقلاء العالم يعرفون أن هذا الأمر ما هو إلا لذر الرماد في العيون، ولإجهاض الحقيقة عبر المطالبة… المطالبة ولا شيء سوى المطالبة.

ولو كانت أمريكا معنية بالقصاص من قتلة شيرين الفلسطينية الأمريكية، لطلبت أن تكون جزءاً من التحقيق، لا أن تعلن وبشكل غير مبرر بأنها لن تكون مطلقاً فيه، بينما تدعي رغبتها الحصول على الحقيقة المزعومة.

ولو أننا افترضنا حسن النوايا للحظات، فإننا لا نمتلك إلا أن نسأل عن مصير التحقيق في مقتل المواطن الفلسطيني الأمريكي عمر أسعد من قرية جلجليا الحبيبة في الضفة الغربية، بعد أن قتل هذا المسن بدم بارد في كانون الثاني/ يناير الماضي؟ هنا سنجد أن أمريكا من جديد رفضت أن تكون جزءاً من التحقيق، للأسباب ذاتها التي ساقتها في اغتيال شيرين أبو عاقلة، على أمل أن تموت القضية مع مرور الأيام بتقادم ملفها.

السؤال الأهم، لماذا قبلت أمريكا أن تكون جزءاً من تحقيقات في قضايا رفعت في المحاكم الأمريكية ضد السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، رفعها مواطنون أمريكيون يهود، أو من حملة الجنسية المزدوجة، أولئك الذين اتهموا فلسطينيين بقتل أبنائهم أو بناتهم، بينما رفضت أن تكون جزءاً من التحقيق باغتيال شيرين أبو عاقلة؟! حقيقة الأمر أن ازدواجية المعايير لا تنطبق على فلسطين والفلسطينيين، وإنما أيضاً على حملة الجنسية الأمريكية وأصولهم، وكأن أمريكا تقول إن الجنسية درجات، درجة أولى وثانية وثالثة. ولعل من يقرأ هذه السطور سيقفز ذهنه مباشرة للقول: نعم، الجنسية درجات، درجات في الأولوية والحرص والاهتمام والحقوق والحماية، ولربما يستحضرون ذكرى جورج فلويد الأمريكي الأسود الذي أزهقت روحه قبل عامين تحت ركبة شرطي أبيض.

إن المسؤولية على أمريكا لا تقتصر على تقاعسها في الدفاع عن رعاياها وحماية حقوقهم، ولا في التمييز العنصري الذي تمارسه، بل في وضع منظومتها العسكرية بالكامل ودعمها الأمني والمالي المتصاعد والمستدام في خدمة منظومة الجيش الذي قتل شيرين أبو عاقلة بشهادة شبكة الأخبار الأمريكية «سي أن أن» والأمم المتحدة وغيرهما الكثير ممن لا يستطيع الفلسطينيون استمالتهم أو التأثير في قرارهم. أمريكا ترفض المشاركة في التحقيق باستشهاد شيرين أبو عاقلة وعمر أسعد وغيرهما الكثير، بينما تصر على استمرار المشاركة في حماية الاحتلال وصيانة بقائه وتماديه وعدوانه، ترفض المشاركة بينما تشارك في التغاضي عن منع رعاياها من أصول فلسطينية من أن يعاملوا في إسرائيل معاملة الأمريكي غير الفلسطيني، بل تذهب إلى السكوت على منع هؤلاء من دخول فلسطين المحتلة، وأحياناً سجنهم وترحيلهم، دونما سؤال أو تحقيق أو حتى مكاشفة أو متابعة.

نحن الفلسطينيون، لسنا أقل آدمية من أحد ولسنا عباد رب مختلف عن الواحد الأحد، ولا 1نمتلك جلداً أقل احتراماً من جلد البشرية قاطبة، لذا فإن من حقنا ونحن نرى بايدن يحزم أمتعته لزيارة فلسطين ودولة الاحتلال (أو ربما لا يأتي) أن نذكره بأن التاريخ لن يرحمه، وأن الصمت تواطؤ، وأن التواطؤ في جريمة ما إنما يحاسب عليه القانون، بتهمة المشاركة في الجريمة ومساعدة القاتل بالتستر عليه، واستخدام المطالبات الصوتية اللفظية لإضاعة دم فلسطيني أمريكي آخر.

أمريكا كانت جاهزة للمشاركة في التحقيق بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، بينما لا تجرأ على فتح تحقيق بامتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل، تصر على المشاركة في التدخل في سوريا لحماية الشعب السوري كما تقول، لكنها ترفض السماح بحماية دولية لفلسطين والفلسطينيين، وتصر على تطبيق القرارات التي تنسحب على أوكرانيا بينما تساهم في قتل قرارات الشرعية الدولية، التي تخص فلسطين عبر التغاضي عن العشرات منها، بما فيها القرار 2334 الذي دعمته إدارة أوباما في أيامها الأخيرة في الحكم، وتصر ضمناً على استمرار حماية أمن إسرائيل والادعاء بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

ديمقراطية تقتل الأبرياء وتصادر أرضهم وحالهم ومالهم ومواردها الطبيعية… ديمقراطية تحتاج حتماً لإعادة النظر والمعاقبة والملاح…