رام الله- معا- أصدر مرصد ورقة حول التداعيات الاقتصادية للقرارات بقوانين الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة.
تأتي هذه الورقة ضمن سلسلة من الأوراق التي سيحاول المرصد من خلالها تسليط الضوء على قضايا اقتصادية، وخاصة في ظل موجة ارتفاع الأسعار الأولى التي تمر بها الأسواق الفلسطينية ويعاني من آثارها المواطن الفلسطيني، خاصة مع غياب التدخلات الحكومية التي تحد من أثر هذا الارتفاع على المواطن، على الرغم من إقرار الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية مثل الطحين، إلا ان المواطن لم يلمس هذا الاعفاء على شكل انخفاض في سعر هذه السلعة، بل تستمر الحكومة الفلسطينية في محاولة رفع الجباية العامة من خلال رفع الضرائب والرسوم مثل رقع رسوم التقاضي في المحاكم، ورفع رسوم إصدار نمر السيارات. كل ذلك مع الإبقاء على مستوى الأجور على ما هو عليه، ومحدودية دور وزارة الاقتصاد في التأثير على الأسعار وترك السوق يعمل لوحده، أي الالتزام بنظام السوق المفتوح.
كما حاولت الورقة تركيز الجهد والتحليل على إبراز أهم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بإصدار بعض القرارات والقوانين لعلها تشكل مدخلا ومحفزاً للباحثين والمراقبين للإسهام في تحليلات إضافية مهمة ومفيدة في هذا السياق. إذ هدفت الورقة إلى تناول أهم القرارات بقانون والتي لها تأثير وصلة مباشرة أو غير مباشرة على المجتمع الفلسطيني على المستويين الكلي والجزئي.
وأوضحت الورقة أن هناك مشاكل بنوية تقف أمام محاولات تحسين المناخ الاستثماري والوضع الاقتصادي في فلسطين، تتمثل الأولى في وجود عدة أنظمة قانونية تطبق في فلسطين في ذات الوقت، منها: القانون العثماني، والقانون الأردني، والقانون المصري، والأوامر العسكرية الإسرائيلية، والقانون الفلسطيني، وغيرها. بالإضافة إلى غياب المجلس التشريعي منذ العام 2007، مما أدى إلى غياب المساءلة فيما يتعلق بإصدار القرارات بقانون.
كما ركزت الورقة على أن آلية إعداد هذه القرارات بقانون تثير تساؤلات جوهرية تقتضي إعادة النظر بشكل جدي بهذا الموضوع. فهنالك العديد من المشكلات المرتبطة بها، من أهمها: السرعة والتسرع بإقرارها، دون ان تأخذ حقها في النقاش (أثار بعضها كثير من الاحتجاجات مثل قرار بقانون الضمان الاجتماعي)، والسرية التي تكتنف هذه القرارات بقانون، وعدم مراعاة كثير منها “حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير”. كما تمخض عن كثير منها تحميل السلطة الوطنية التزامات مالية كبيرة إذ يتم بموجب كثير منها إقامة مؤسسات أو هيئات جديدة (مثل جامعة الاستقلال، وهيئة الشراء العام وصندوق درء المخاطر الزراعية، وغيرها)، وهنالك أيضاً كثير من المخالفات الدستورية.
وقد تطرفت الدراسة إلى مجموعة من القرارات بقوانين تمثلت في القوانين ذات العلاقة بالضريبة وتجنب الازدواج الضريبي، وقد ركزت في هذا المجال على تعديلات قانون وقرار بقانون ضريبة الدخل التي لم تسهم في تحقيق الأهداف المنوطة به: فمن الناحية الاقتصادية فإن كافة التعديلات على قانون أو قرار بقانون ضريبة الدخل لم تؤتِ ثمارها؛ فهذه التعديلات وإن ساهمت في زيادة التحصيل، إلا أنها لم تنجح في زيادة ضريبة الدخل كنسبة مئوية من مجموع الإيرادات الضريبية، وظل الاعتماد كبيراً على الإيرادات غير الضريبية، كما لم تحقق هدفها الاجتماعي بتحقيق العدالة الضريبية وإعمال مبدأ تصاعدية الضريبة.
كما تطرقت الورقة إلى قانون الشركات وقانون تشجيع الاستثمار، حيث أوضحت الورقة أن هذه القوانين وتعديلاتها لا تتلاءم مع طبيعة المنشآت في فلسطين، وبالتالي لم تستفد من هذه القوانين، وربما المؤشر الأبرز على ذلك أن عدد المشاريع التي استفادت من القانون قد بلغ 881 شركة أي ما نسبته 3.7% من إجمالي عدد الشركات التي تم تسجيلها في الفترة 1998-2018.
وأخيراً، تطرقت الورقة إلى قانون الكهرباء العام الذي لم تستطع السلطة من خلاله الانفكاك عن إسرائيل، بل زاد اعتمادها على شراء الكهرباء (المكون الرئيس في الحياة) من إسرائيل؛ إذ أن هذا القانون لم يحفز الشركات على توليد الكهرباء، وإنما استمر وجود الشركات التي تشتري الكهرباء من إسرائيل وتعيد بيعها للمواطن الفلسطيني في ظل نسبة فاقد مرتفعة جداً بنحو 22%.
وتأتي هذه الورقة التي أعدها دكتور نصر عبد الكريم ضمن سلسلة من الأوراق التي سيعمل المرصد من خلالها على مناقشة وبحث مجموعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي ستسلط الضوء على مجموعة من التدخلات الحكومية في المجال الاجتماعي والاقتصادي، ونقد ماهية تعامل الحكومة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وقدرتها على التخفيف من وطأته على الفئات المختلفة.