الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

جدري التطبيع

نشر بتاريخ: 27/07/2022 ( آخر تحديث: 27/07/2022 الساعة: 11:44 )
جدري التطبيع



بقلم: د. صبري صيدم


كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضغط الرئيس الأمريكي جو بايدن على الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقائهما الأخير في بيت لحم، بغرض دفع الفلسطينيين للقبول بمبدأ التطبيع، والزعم بأهمية الانخراط فيه وتسريع عجلته بحجة دوره الإيجابي في القضية الفلسطينية وانعكاساته الإيجابية على الفلسطينيين، بينما رفض الرئيس عباس، وحسب المصادر ذاتها ذلك الطلب.

ويصاحب رفض الفلسطينيين المطلق لهذا المبدأ شواهد كثيرة من الأمس القريب، التي أثبتت فشل المطبعين في لجم الحرب على غزة في أيار/مايو الماضي، ووقف الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى، وصد الهجوم المستفحل على الشيخ جراح وسلوان وجنين ومسافر يطا واستفحال الاستيطان في كل أرجاء الضفة الغربية، وتفاقم استهداف الناشطين في عدة مدن ومواقع وتعاظم تسليح عصابات الاستيطان.

ولعل مواقف الإدارة الأمريكية في ادعاء القطيعة مع عهد ترامب، ومن ثم التماهي مع كل سياساته ومواقفه التي رسخها، لتشمل الإصرار على بقاء السفارة الأمريكية في القدس، ورفض فتح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس، وإعلاء كلمة التطبيع وغض البصر عن العنف الصهيوني المتواصل، وإزالة العصابات الصهيونية عن لائحة الإرهاب الأمريكية، إنما جاء في مجمله ليؤكد أن لا فرق بين ترامب وبايدن حتى بات العديدون مقتنعين بأن بايدن إنما يشكل الجيل الثاني من ترامب.

ولعل تمادي بعض العرب في التعامل مع التطبيع، خاصة في خضم اشتداد المعركة، إنما أكد على أن التطبيع بات كالجدري المتواصل والمتصاعد بصورة استمر معها العدوان، واستمرت معه خطوات التطبيع، بل التفنن في التطبيع وصولاً للإعلان مؤخراً عن بناء ملعب لكرة القدم على أراضي بلدة كفر القاسم التي شهدت ذات يوم أبشع مذابح إسرائيل.

ومع استمرار العدوان على الفلسطينيين وعجز الإدارة الأمريكية والتنافس الانتخابي الإسرائيلي على حساب دم شعبنا، فإن ذلك كله إنما يؤكد على أن التطبيع بمباركة فلسطينية مرجوة يساوي حاجة بعض العرب لغطاء الشرعنة، الذي سعى بايدن كما يدعي البعض، للحصول عليها.

جدري التطبيع سيستمر في كل مرة يجد من يطبل له، ويستخدم إيران كفزاعة، ويوظف تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية كمصدر ترهيب متفاقم أيضاً، بل إن الجدري ذاته مرشح للتمدد والتوسع أمام وعود كثيرة.

وعلى الرغم من قناعة البعض بأن معادلة التطبيع ستنجح، فإن تجارب بعض الدول العربية، إنما تؤكد استحالة ذلك، فهو وإن انتشر وتفاقم على المستوى الرسمي، فإنه حتماً لن ينتشر على المستوى الشعبي مهما ظهر وكأنه قد انتشر، وعليه فإننا نقول لمن يشكك في الأمر بأن عليكم استحضار صور إحدى ماجدات علية القوم ممن تمنعت عن السلام على سفير الاحتلال، فأعفيت من عملها فودعها زملاؤها بالقبلات والدموع.

دموع العزة التي ستواجه حتماً جدري التطبيع! تطبيع يجب على أبطاله أن يفكروا جيداً في مواقعهم المستقبلية في كتب التاريخ!