الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نعلاوي يا صبر ...

نشر بتاريخ: 31/07/2022 ( آخر تحديث: 31/07/2022 الساعة: 21:54 )
نعلاوي يا صبر ...

صادق الخضور

مقولة لطالما رددها البائعون، فالصبر النعلاوي حلو المذاق، شهيّ بهيّ، لكن الصبر أعياه الصبر بعد أن داهمته الدودة القرمزية، فقد زرنا نعلين ووجدنا صبرها يئن، فللعام الثاني على التوالي داهمه الوباء، سألنا: هل شاخ الصبر؟ فكانت الإجابة، لا..بل وباء في عز الشباب، وآمال بأن يتعافى ليستعيد حضوره الأنيق في قلب المشهد، فنعلين التي لطالما تباهت بصبرها ومواقف أهلها، تترقب أن تزول غمامة وباء اقترن قدومه مع كورونا، ليطال الوباءان: الدودة القرمزية والكورونا...الثمر والبشر على حد سواء، ففي مثل هذه الأوقات من عمر العام كان أهالي البلدة يتسابقون لتقديم الصبر لضيوف البلدة، وكلهم قخر بأنهم للصبر عنوان.

وللصبر..الثمر والقيمة، فائدة وقيمة، وليس غريبا أن يتماهى الصبر النبات مع النهج ليقال: "صبرت حتى عجز الصبر عن صبري»، فالنبات أشد الصابرين على العطش.فهو يستطيع البقاء حيا رغم الجفاف، كما أن لطبيعة أوراقه الشوكية دورا في الحد من نسبة تبخر المياه منه، والأشواك التي تغطي (ألواح الصبر) بمثابة خط دفاع؛ باستثناء الحيوان الذي يضرب به المثل في الصبر وهو الجمل، فهو الحيوان الصحراوي الذي يقتات على النباتات الشوكيّة ومنها الصبر، ويضرب المثل بالصبر على العطش به كما يضرب على الصبر.

ويبدو أنه لا بد من الصبر لتذوق الصبر، فالأمر يتطلب مواجهة الأشواك، وقد لا يستغرق الأمر دقيقة لتجهيز الثمرة للأكل لكنها قد تترك ذكرى وهي الشوك الذي يتواصل حضوره لأيام، وكأن الرسالة بأن الوصول للأمر المنشود تمر عبر عقبات وأشواك، هي رسالة قد تبدو بسيطة لكنها عميقة الدلالات.

ويذكر بعض الباحثين أن الجدات كنّ قديما ينصحن بأكل الصبر أسبوعا كاملا أو أسبوعين كوجبة صباحية، مع خبز الطابون أيام الحرّ الشديد (القيظ)، وكن يقلن للأولاد والأحفاد:"الصبر يشرح البال ويصلح الحال، ويجلب بنت الحلال"، لتبقى المقولة حاضرة حتى وإن تباعد الزمان، فالصبر والتين والعنب والرمان، فواكه لم تفقد قيمتها حتى وإن سادت موجة الفواكه محسنّة الخصال.

نعلاوي يا صبر، وقي وقت يعلن فيه أهل نعلين أنهم عازمون على إعادة زراعة الصبر لتعويض ما توارى منه بفعل الوباء والدودة القرمزية التي أحالت الصبر إلى مرحلة عدم القدرة على الإثمار، فإن الجميع يتساءل عن السبل الكقيلة باستعادة صبر نعلين عزيمته وهو الذي يرفض الاستسلام، لترفل البلدة الطيبة بعبق الصبر من جديد.

تتعدد أنواع الصبر كما فوائده، وحسبما تشير المصادر فإن أبرز ثمار الصبر تتمثل في كون فاكهة الصبار من الفواكه الغنية بالمواد الغذائية والفيتامينات، ويمكن استخدام الفاكهة في إعداد الكثير من الأطباق والحلويات والسلطات، فالصبار منخفض بالسعرات الحرارية والسكريات، فهو مثالي للوجبات الغذائية منخفضة الكربوهيدرات، ومن أهم فوائد الصبار غناه بمضادات الأكسدة والتي تحارب الالتهابات وتحافظ على جهاز المناعة قويًا وتساعد ثمار الصبار على خفض مستويات السكر بالدم وتحافظ على صحة العظام، وتحمي ثمار الصبار الجسم من البكتيريا والجراثيم الضارة، وتحتوي ثمرة الصبار على جرعات عالية من فيتامين ج والكالسيوم والمغنيسيوم وكلها مواد هامة للمحافظة على صحة الجسم والعقل.

ونتوقف عند ما قاله محمود درويش:

الصبار الذي يسيّج مداخل القرى كان
حارساً مخلصاً للعلامات . حين كنا أولاداً ،
قبل دقائق ، أرشدنا الصبار إلى المسالك .
لذلك أطلنا السهر خارج البيوت ، برفقة
بنات آوى والنجوم . كذلك خبأنا مسروقاتنا
الصغيرة من بلح وتين مجفف ودفاتر في
مخدعة الشائك . وحين كبرنا دون أن
ندري كيف ومتى حدث ذلك ، أغوتنا أزهاره
الصفراء بملاحقة البنات على طريق النبع
الضاحك ، وتباهينا بما على أيدينا من شوك .
ولما انطفأت الزهرة ونتأت الثمرة ، كان
الصبار عاجزاً عن صد سلاح الجيش
الفاتك . لكنه ظل حارساً مخلصاً للعلامات :
هنالك ، خلف الصبار منازل موءودة وممالك ،
ممالك من ذكرى ، وحياة تنتظر شاعراً
لا يحب الوقوف على الأطلال ، إلا
إذا اقتضت القصيدة ذلك !

ختاما...صبر نعلين، وعنب الخليل، ومشمش جفنا، وتين تل، وخس إرطاس، وباذنجان بتير، وتمر أريحا وموزها ....تعبير عن اقتران الثمر بالمكان بعلاقة متينة الأركان، ويظل للصبر حضوره ثنائيّ الأبعاد، فهو النبات الشهي، وهو القيمة التي تعطي للكثير من المواقف قيمة، وكلما عانى الصبر كما نشهد مع ثماره في تعلين، يرتفع الصوت: حذار من نفاذ الصبر.