الكاتب: د. محمود الفطافطة
من أخفض منطقةٍ في الدنيا أخذنا الروائي كامل أبو صقر ليسرد لنا تفاصيل شعب خرج من نكبة ليدخل في نكسة دون أن يستسلم لبواعثهما. قصص وحكايات طفلٌ سماه نصير؛ لتبقى ذاكرته منتصرة بأمل التحرر، ويقين الحرية.
أعادنا " أبو حسان" في مدونته الروائية الضخمة " فتى الغور" إلى عقودٍ طويلة من سيرة الملحمة الفلسطينية التي تزاحم على شعبها مستعمر تلو الآخر دون أن تنفد إرادته، فقدم الشهيد والسجين والجريج والطريد دون أن يمل من واجب التضحية، وحتمية التحرير.
في ملحمته الأدبية وُفق "كاملنا" باختيار العنوان، لفظاً ودلالة ومعنى. فالفتوة لم تذكر في القرآن إلا لكل ما هو خيرٌ يحمل صفات الإيمان، واليقين، والكرم والكرامة والمروءة. " إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى"... "سمعنا فتًى يذكرهم يقال له إبراهيم". عنوان يمنح السامع قوة الملاحظة، ويغذي عين القارئ بقوة المشهد، وانسيابية النص وتسلسله المنطقي.
في نص كاتبنا أبو صقر نجد التاريخ الفلسطيني بتفاصيله الدقيقة، فمن يريد الاطلاع بعمق ودقة عن واقع المجتمع الفوري فعليه بهذا النص الروائي؛ ذلك أنه يمنحنا من المفاهيم والدلالات والأمثال الكثيفة عن هذا المجتمع الذي يمثل بحغرافيته حصناً استراتيجياً للأرض الفلسطينية بقدر ما يشكله عنواناً للخصوبة والغناء الزراعي، علاوة على ما يمتاز به " مجتمعه" من رحابة اليد، واتساع القلب والإرادة والصبر.
في هذا النص الغزيز بمضمونه، والثري بتفاصيله يمجد الروائي المقاومة الفلسطينية بلسان الطفل نصير الذي لا يمل من السؤال، ليس تطفلاً بل استعداداً لما هو قادم لواجبه الوطني والإنساني. في هذا النص لم ينسى " أبو حسان" الإشادة بالمرأة الفلسطينية التي أنجزت إلى حد الإعجاز وضحت إلى حد القداسة وصبرت إلى حد الخيال. إنها المرأة التي أدمنت البذل ونسيت التعويض... إنها الأم التي انجبت الثوار، والأسيرة التي صمدت دون تعب أو شكوى.. إنها الشابة التي نزلت للميادين لتقذف المحتل حجارة ولعنة دون أن تخشى قسوة الاعتقال أو ألم الإصابة.
في نصه العذب والجاذب يقحمنا أبو صقر في التفاصيل الدقيقة لمشاعر الناس، بلغة بسيطة، ولكنها بديعة.. بلغة موجزة، ولكنها واجزة. عبارات كافية دون التكلف، ومضمون متسلسل بمنطق دون التشدق أو الحشو. لغة الشخصيات منسجمة مع طبيعتها وتكوينها وحواراتها.. لقد انطق " أبو حسان" انطاق الشخصيات ليقدم لنا وجبة روائية وأدبية استطاع من خلالها تهريب ما يود سرده وارساله من أفكار ذاتية وعامة.. أكثر من التناص القرآني، وسرد الحكايات والقصص المعبرة والمشوقة.
قليلة هي الدراسات التي كتبت عن الغور اجتماعياً، ونادرة هي الروايات التي تطرقت إلى الغور أدبياً، فجاءت رواية صديقنا الحبيب " أبو حسان" لتسد فجوة واسعة من النقص المتعلق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية لواقع منطقة الغور في فترة زمنية لم تأخذ حقها من التنقيب والبحث، وهي فترة النكسة، ما قبلها، وما بعدها.
بتواضع وموضوعية، ستظل رواية" فتى الغور" لكامل أبو صقر نصاً أدبياً رائعاً وبارعاً لا يمكن لباحث موضوعي، أو مهتم واعٍ أن يتجاوزها... ستظل " فتى الغور" خالدة في سفر الرواية الفلسطينية مثلما سيبقى " أبو حسان" خالداً في قلوب محبيه.
يُشار إلى أن الرواية صدرت العام 2022، عن دار" الآن ناشرون وموزعون" بالأردن، وجاءت في 575 صفحة من القطع المتوسط.