بقلم: د. صبري صيدم
في تجربة مثيرة للجدل، وباستخدام تقنيات المواد النانونية في الصناعة الإنشائية، قدمت الصين مؤخراً ظاهرة علمية نوعية، أفضت إلى صناعه جسر معلق يعادل في سماكته سماكة الورقة وقادر على حمل مركبات تفوق في وزنها الأربعين طناً، في منطقة وولانغ جان شينغ، بحيث يعتمد هذا الجسر، الذي يعتبر جزءاً من مكونات طريق الحرير الحديثة، على مفهوم الشد بأطوال كبيرة، إيذاناً بولادة الطريق نحو تغيير مفهوم هندسة الجسور في العالم بعيداً عن الكوابل والأعمدة التقليدية.
إنها الصين يا سادة، التي تشاركنا العالم ذاته، الذي ما زال البعض منّا يقاتل من أجل تغليب الطائفة على الوطن، وينتصر لزواج المسفار والمسيار والمتعة وفتاوى الكرسي والبحر ونكاح الوداع، وثقافة الاختلال والعنصرية والقتل، وغيرها الكثير من ظواهر أيام عالمنا السوداء.
لقد بات من الشائع أن يستخدم الناس في مجتمعنا مصطلح الكوكب، للدلالة على دولة تتميز بكفاءاتها التقنية وبالمسلكية الحضارية ونهجها التنموي النوعي، وتقدمها الصناعي الملحوظ، وتطورها التجاري المشهود، وتنوعها الثقافي المعهود، وعليه فقد سمع البعض منا إشارات إلى كواكب عدة، ككوكب السويد وككوكب فنلندا .
ولعل الكوكب الأسطع اليوم في عالم التقانة والحداثة والصناعة والتكنولوجيا هو الصين بلا منازع، لما تمتلكه من قدرة كبيرة وجبارة في مواجهة الأنواء الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وتمكنها من المواءمة بين نظامها السياسي والمنافسة الرأسمالية المحتدمة، وتوظيفها المتميز للتكنولوجيا في تحقيق استدامتها وتطورها ونهضتها، ولعل إنعاش مشروع طريق الحرير القديم عام 2017 ليحمل اسم مبادرة الحزام والطريق، بقيمة 126 مليار دولار، لما له وما عليه، إنما شكل نقطة فارقة في حياة الصين، ونقلها إلى عوالم جسورة في مضمار البنى التحتية والإنشاءات والتقانة والتصنيع وحتى المغامرة.
ولا أخفي سراً بأن استكمال الصين للجسر المذكور، وطرقٍ نوعية أخرى، وبنى تحتية متنوعة، ومغامرات هندسية مختلفة، قد استفز الشعور بالفارق الواسع بين قدرات الإنسان الجبارة، مقابل قدرات الإنسان الهدامة، والإنجاز والإحباط، والألم والأمل والقتل والحياة. معالم ستبقى حتماً تشكل مفاصل داعمة لإعادة النظر في دروس الدنيا وعبرها.
ومع تقدم العمل في مكونات مبادرة الحزام والطريق، التي تشتمل على خمس مراحل رئيسية وهي: الجسر القاري الأوراسي الجديد وممر الصين- منغوليا وروسيا وممر الصين – شبه الجزيرة الهندية، وممر الصين- آسيا الوسطى، غرب آسيا وممر الصين- باكستان وممر الصين- بنغلادش والهند وميانمار وغيرها المزيد من الممرات والمفاصل، لنجد أنفسنا أمام دعوات متكررة للبشرية لإعادة النظر في جدوى حياة قائمة على الصراع، مقابل حياة قائمة على الإبداع والتميز وترابط الحضارات وتكاملها.
نختلف ام نتفق مع كوكب الصين، نصفق له أم نشجب أفعاله، تعجبك سياساته الخارجية أم تشكو منها، تناسبك مواقفه أم تثير حفيظتك، فإنك لن تستطيع أن تخفي دور هذا التنين في إحداث فوارق تكنولوجية صناعية تجارية بنيوية تقنية تنموية حضارية تستحق التقدير، على الرغم من عديد الملاحظات التي سيبديها البعض. فهل يسيطر الكوكب بثقافة الفعل على العالم أم تسيطر كويكبات بؤس البشرية وإحباطها على فعل العالم؟