الكاتب: تحسين يقين
لا ألومها، لكن يداي!
يبدو أن الاحتلال جاد في قمعه لشعبنا، باستهداف الجيل الشاب بشكل خاص..
ويبدو أن الجيل الشاب أيضا جاد في مقاومة الاحتلال.
وهكذا، فإن لكل منا التحدي الخاص به؛ فلسان حال الاحتلال: إذا غضب من لم يرض، فليكن غضبه في فضائه المحدود هو، بعيدا عما خلقنا من فضاء رحب لنا.
لكن ففي الوقت الذي حصر الاحتلال شعبنا في معازل، من خلال الجدران والأسيجة، فإن هناك إرادة دائمة التوهج، لرفض كل هذا الضيق؛ فليست حل مشكلتنا الاقتصادية تحويل خريجي الجامعات والمزارعين والمهنيين الى عمال بروليتاريا في المستوطنات والورش والمزارع والمصانع والخدمات في إسرائيل؛ لأنه ببساطة سيصعب على العامل الفلسطيني تقبل هذا الإذلال، وسيعمل إن بقي يعمل مضطرا، لا مختارا.
كل البلاد فيها مصادر للحياة والعيش، وما تحتاجه بلاد العالم ونحن منها بس "شوية إدارة"..وكثيرا من الإرادة.
غير معقول القبول بظروف سياسية هنا، تجعل إنجازنا متعلقا بلقمة العيش، فقد كانت موجودة من قبل في كل العهود التي مرت على فلسطين.
لم يكن نضال شعبنا، وبشكل خاص بعد احتلال عام 1967، هو من أجل إيجاد عمل حتى لو بأجرة مضاعفة لدى المشغل الإسرائيلي.
- إذن؟
- لا ألومها، لكن يداي!
ولا أظن ان شعبنا سيقبل بهكذا مآلات، فإذا قبل بها آخرون وهم قلة، من باب أن الظرف يشكل لهم خلاصا فرديا، فلن تقبل بها الأغلبية حتى ولو صمتت، وسيكون الشباب والشابات هم المعبرون عن الرفض.
لنتأمل قليلا:
الاحتلال هو الاحتلال، لكن المشكلة دوما فينا إن سمحنا لحظة أن يتحول التناقض معه إلى تناقض بيننا؛ فما نحتاجه هو إدارة مقاومة الاحتلال بنبل عبر تقوية بقائنا وحماء أبناء شعبنا، وضمان سلمه الاجتماعي والسياسي والفكري، وأمنه الاقتصادي.
ظاهرة توحش الاحتلال تثير أسئلة في ظل دعوات لخطوات حسن نوايا.
لكن كيف نصمت عمن يثير الشعب ضد نفسه، في الوقت الذي يمارس الاحتلال جرائمه؟ هل هناك أيدي خفية في أماكن متنوعة، خيطها الناظم خلق فوضى ما، تكون مبررا مثلا، لخلق واقع يجبر الناس على تقبله، كأن يأتي من يأتي ليكون المخلص؟
فهل ما يتم هو محض جهل أو محض مخطط خبيث؟
من الأجدى والأكثر عمليا واستراتيجيا فهم دوافع فئات شابة، لا الاستخفاف بها. من الوطنية الحقة خلق فضاءات أمل؛ فمن يعتقد ان الاحتلال لا يزول، من الأولى أن يزول، أو تتم إزالته.
من الأولى أن نخلق نحن الكبار: المعلمون والآباء والأمهات والمسؤولون/ات قدوة جميلة في كل أداء يحبب أطفالنا بالبيوت والمدارس، وشعبنا بالوطن، حتى نتخلص من الفجوات التي بيننا أو ننجح بتخفيفها.
كل مواطن وطني يرى ويبصر، فلسنا جميعا مختلفين على الهدف الأسمى، ولا يزاود إنسان هنا على آخر ولا على آخرين، ولا ينبغي، فكل منا، كل منا، فقط ليلتفت الى القيام بما تمليه عليه مسؤوليته بالقيام بها، وأن يختار حين يختار من هو الأكثر خبرة ومهنية للقيام بها، دون انتقاص من كرامة أحد.
ليس من اللائق في بلادنا أن ينفخ مسؤول بالون أحد لينفخه، ولا أن "ينفّس" بالون أحد؛ لأن النتيجة صوت البالون حين "يفقع" بأقل الأدوات: الرسوب في الأداء وتخريب النسيج، وخلق قدوة حسنة؛ فالوطنية تقتضي الشفافية والحكم الرشيد.
فهل يحسب أحد أنه سيكون مؤمّنا ضد المحاسبة والمساءلة؟ أليس يعيش في فلسطين التي تحدى فيها أطفال الحجارة ذات يوم الجيش الذي لا يقهر؟
باختصار، وحفظا على منجزاتنا، ومستقبلنا، فقط الآن مطلوب منا أن نكون مهنيين تماما في إدارة حياتنا الفلسطينية.
مطلوب منا جميعا أن نرتقي بالأداء ونحن مشتبكون مع احتلال لا يسجن الأسرى مبالغا في أسرهم وإذلالهم، ولكن مع احتلال بلغت فيه الوقاحة احتجاز جثامين الشهداء.
طيب حد قال للاحتلال: يا احتلال يا مش محترم، يللي بتعدم بدون محاكمة، ببساطة قمت بالقتل، كعقوبة، هل هناك أكبر من عقوبة الإعدام؟ لماذا يتم احتجاز الجثامين؟ وهل يوجد في العالم مثل هذا السلوك؟
- وإذا لم يستح الاحتلال؟
- .....................
بين أيدينا دوما الكثير لنفعله، لعل مثال النبات مثير للتعلم: أنت تزرع وجارك يزرع وآخرون، ثم يكبر النبات وصولا للإثمار، فهل يحق لمن لم "تزبط" معه الأشجار أن يلومها؟ كيف يلوم وهو يرى أن الأشجار الواحدة في الأراضي الواحدة المتشابهة الماء والتراب قد نمت وأثمرت؟
- إذن؟
- لا ألومها، لكن يداي!
احتلال شرس، قاسي القلب، ينبغي أن يولد فينا شراسة أخرى أيضا وقسوة قلب على كل فعل لا يرتقي لشرف الأداء ومهنيته في كافة مناحي حياتنا الفلسطينية.
فما دام هدفنا واحد، لذلك من الجائز والمشروع أن نسائل بعضنا.
كل مجال عمل له مخرجات، وهي دالة على الأداء وإدارته، فليست الأمور صعبة، بل كل منا لو أراد يمكن أن يقيم أداءه، لتنمو أشجار بلادنا بعطاء.
وجودنا معا في هذا الحيّز الصغير، سيجعله كبيرا بالمحبة والاحترام، بين المسؤولين أنفسهم أولا لخلق القدوة، لا التناحر والتنافس، من منطلق الخلاص الفردي، وبالتالي خلق ظروف سيئة للعمل.
للأسف بيننا من يهدم، فبدلا من تهيئة الظروف للإبداع، فأنه يكسر "المجاذيف"، يؤلب هذا ضد هذا، ويخلق اصطفافات عجيبة وبالطبع هي مؤقتة، وبالرغم من سوء ما يفعله، تجد من يقرّ هذا الأمر مستخفا برأي الأغلبية.
كل منا ومنكم فقط لينظر حوله، سيكتشف بسهولة ما نرمي له.
- إذن؟
- المبادرة دوما وطنية تنشد الخلاص الوطني، فليس في بلادنا الكثير من الأسرار.
نكرر:
ليس كل التكرار سيئا لا في الأدب ولا في غيره:
نحتاج ضبط التصرفات لتكون أكثر مسؤولية، ليس ولا من المعقول أن نتقبل تخلف الأداء ولا شخصنته، ونحن نناضل على المسرح الدولي ضد الاحتلال، نحتاج روافع وطنية محترفة خبيرة وتحترم الجمهور، وإلا ستزاد الفجوات، لأن الانفعال مؤقت.
إن ما يفعله الاحتلال ربما، من تهيئة ظروف سياسية جديدة، لإطالة عمره، ينبغي علينا الانتباه له، فالوعي الشعبي بوصلة، ولا أظننا سنكون من المصطفين بين المقتتلين من أجل الخلاص الفردي.
هذه فلسطين، فلسطين المحتلة، تحتاج لتحقيق هدف سام هو دحر الاحتلال الثقيل على صدرها، وعلى هوائها وشجرها وأطفالها.
والطريق واضح المعالم؛ فكل ما يقربنا من فلسطين المحررة المتنورة بالعدالة والمحبة، هو وهي وهم أهلنا وحلفاؤنا، وكل من يبعدنا عن فلسطين الحرة الكريمة...لم نعد نحتمله.
- لا نلوم الأيدي؟
- إذن!
[email protected]